خطاب المرحلة: (384) وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ

| |عدد القراءات : 2056
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

(وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ)(1)

لا شكّ أنّ الابتلاءات التي تعصف بالعراق وأهله شديدة قلّما يتعرّض لمثلها شعب آخر، ولا تقتصر على الوضع الأمني الذي أصاب الناس بالخوف والقلق حيث لم تعد فيه مدينة آمنة، وإنّما يتعدّاه إلى الوضع الاقتصادي المزري بكثير من الناس، وكذا الجانب الخدمي والاجتماعي والسياسي البائس.

وهذه الأوضاع المزرية لها أسبابها طبعاً، والمصلح الحاذق –كالطبيب الماهر- يبحث عن علّة الداء فيعالجها، ولا يكتفي بمعالجة الأعراض المرضية ولسنا بصدد بيان هذه العلل، وإنما نريد أن نلفت النظر، إلى أن هذه البلاءات يمكن أن يكون تأثيرها على الأمة إيجابياً فتكون سبباً ومقدمة ليقظة الأمة ونهضتها وحركتها نحو ما يصلحها ويعيد إليها عزّتها وكرامتها، ويمكن أن يكون دورها سلبياً فتكون سلباً ليأس الأمة وفشلها وإحباطها ونومها وانهيارها، ومثال ذلك: أنّ من يكون متعباً بحاجة إلى النوم فإنّه يتثاءب، ومن يستيقظ من نومه يتثاءب، فالحالة واحدة وهي (التثاؤب) إلاّ أنّها قد تكون مقدّمة ومؤشراً للصحوة والاستيقاظ والنشاط والحيوية، وقد تكون علامة على الكسل والخمول والركود والنوم.

ولا شك أن المطلوب من الأمة الحيّة الواعية المتطلّعة إلى الارتقاء والازدهار، تجعل هذه الصعوبات والمحن والضغوط سبباً لتكاملها وتقدّمها ويقظتها واستشعارها لمسؤولياتها.

وهذا الدرس نستفيده من القرآن الكريم وهو يتناول تداعيات معركة أُحُد، قال تعالى: (وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ) (النساء/104) فالآية تدعو المؤمنين إلى عدم الضعف والاستكانة والانهزام أمام الضغوط والتحديات وأن لا يقصّروا في متابعة القوم والاستمرار في مواجهتهم في كل ساحات العمل والتحدّي سواء كانت عقائدية أو فكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية وغير ذلك، وتهيئة كل أسباب ومقوّمات هذه المواجهة، ولا يقعدكم ما يصيبكم من ألم القتل والجراح والخسائر والجهود، لأنّ الآخر يصيبه نفس ما يصيبكم ومع ذلك فإنّه لا ينسحب من المواجهة ويستمر في استهدافكم فلماذا تشعرون أنتم بالوهن والضعف والانسحاب، مع أنّ عندكم ميزة ليست عند أعدائكم وهي أنّكم ترجون ما عند الله تعالى من الرضوان ومجاورة أحبّائه وأوليائه (صلوات الله عليهم أجمعين) وهذا يشكّل حافزاً ودافعاً قويّاً يفتقده خصمكم.

ولهذا جاءت الآية الأخرى لتطمئن المؤمنين وتقول لهم (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران/139) فالضعف والتخاذل والخوف والقلق غير مبرّر لأنّكم الأعلون دائماً بطاعتكم لله تبارك وتعالى ورجائكم لما عنده وموالاة أوليائه، فأنتم أعلون إن كنتم ترجون من الله تعالى رضوانه.

وأنتم أيّها الأحبّة في الموصل وسهل نينوى قد كثر استهدافكم لأسباب سياسية واقتصادية وجغرافية وقومية وطائفية فكثر أعداؤكم وعظمت محنتكم، لكن لا يكن كل ذلك سبباً للتنصّل عن مسؤولياتكم التي يمكن أن نلفت النظر إلى عناوين بعضها:

1-    وحدتكم لأنّ فيها قوّتكم وقدرتكم على تحصيل حقوقكم وتوجب احترام الآخرين بوجودكم، والالتفاف حول المخلصين من أبنائكم.

2-   تأسيس المنظمات الخيرية لمساعدة العوائل المحتاجة والأرامل والأيتام وهم كثر خلّفتهم المحنة الشديدة والطويلة والشرسة وقد أعطيت الأذن للمؤمنين بأن يصرفوا حقوقهم الشرعية في هذا المورد.

3-   تشجيع جملة من شبابكم الواعين المحبّين للعلم ليلتحقوا بالحوزة العلمية في النجف الأشرف ليكونوا حلقة الوصل مع المرجعية الرشيدة وليفقّهوكم في الدين ليعزّزوا عقيدتكم ويثبّتوا قلوبكم على الحق.

4-    المواظبة على إقامة شعائر الدين من صلوات الجمعة والجماعة وإحياء الشعائر الحسينية وإعمار المساجد، وجعلها منبراً للتوعية والتربية والتزوّد بالأخلاق والمعرفة.

وأنتم بالتزامكم بهذه الخطوات العملية وأمثالها تتحقّق استجابتكم للآية المتقدمة (وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ) لأنّ عدم الوهن يتحقق من خلال الاستمرار بالنهوض بالواجبات التي أشرنا إلى عدد منها.

إنّ المتقاعس والمتخاذل سوف لا ينجو من البلاء وسيصيبه بشكل أو بآخر فتكون خسارته مضاعفة لأنّه سيذوق الألم وسيحرم من الأجر والثواب لأنّه لم يرابط لأداء مسؤولياته، فترون الإنفجارات لا تفرّق بين سنّي وشيعي أو عربي و شبكي أو صغير وكبير أو رجل وامرأة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إنّك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور)([2]) فالأقدار والبلاءات جارية على كل حال وأنت بموقفك –إيجاباً أو سلباً- محدِّد أثرها عليك؛ والمهم أن تكون دائماً ممن ترجو الله تبارك وتعالى وتحتسب عنده، واجعل هذا دائماً الفرق بينك وبين خصمك كما أشارت إليه الآية المتقدّمة ومحنتكم هذه تلزم الجميع بالوقوف إلى جانبكم ومد يد العون لكم ورفع الظلم والحيف عنكم، وتتأكّد أكثر على أبناء قوميتكم ومنطقتكم الذين تبوؤا المواقع المتنفّذة بأصواتكم ولا يجوز لهم الانشغال عن همومكم وآلامكم بمصالحهم الشخصية والفئوية.

 



([1]) من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع وفد من أهالي الحمدانية وسهل نينوى التابعة للموصل زاروا سماحته يوم الأربعاء 27 شوال 1434 الموافق 4/9/2013.

([2]) منتخب ميزان الحكمة: 360 رقم 3455.