قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ

| |عدد القراءات : 4988
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ)([1])

أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا (سبأ/46)

(قل) يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) لجميع الناس وأبلغهم رسالة من الله تعالى واستعمال (قل) للتأكيد على كون متعلقها مما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بتبليغه للناس، وإن كان كل القرآن هكذا، (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل/44) إلا ان استعمال (قل) يعني الاهتمام بالقضية الملقاة وإيصالها إلى الناس .

ولإعطاء هذه القضية زخماً من التأثير الواسع في المجتمع فقد أمر (صلى الله عليه وآله) أن يبلغ هذه الرسالة على نحو الموعظة (أعظكم) ولا يكتفي بمجرد ابلاغها لهم على أي نحو كان، والوعظ (هو التذكير بالخير فيما يرقُّ له القلب) كما في المفردات عن الخليل، فالمراد اختيار الطريقة الرقيقة الشفيقة الرحيمة التي تتجاوز الاذن وتدخل القلب وتدفعه إلى التسليم بها لتحقيق الخير والصلاح لكم.

وللتأكيد على أهمية هذه القضية وتركيز النظر عليها فقد استعمل اسلوبان للدلالة على انحصار تحقق الغرض بهذه الوسيلة، احدهما اداة الحصر (إنما) وتأكيدها بكلمة (واحدة) أي لا ثانية لها فلا يوجد امامكم الا طريقة واحدة إن أخذتم بها تحققت الغاية ووصلتم إلى الهدف واستقمتم على الطريق الصحيح.

والقضية بسيطة منسجمة مع الطبيعة البشرية ومع الفطرة، لكنّها واسعة بسعة حاجات الانسان وطموحاته ومشاكله حاصلها: أيها الناس إنكم في كل حقيقة تريدون البحث عنها وفي كل موقف تريدون اتخاذه، وكل مشروع تودون الاقدام عليه، وفي كل محنة تنزل بكم وكل مشكلة تعجزون عن حلها وكل كارثة تحيط بكم وكل قضية تقلقكم لا حلَّ لكم ولا علاج إلا بواحدة، وذلك بأن (تقوموا) وتنهضوا وتتهيأوا وتستيقظوا وتكونوا على أهبة الاستعداد لأي شيء للرجوع إلى ربكم والتسليم لأمره، والالتزام الكامل بما يريده الله تعالى منكم، وتكسروا اغلال الهوى والتعصب والجهل والميول.

لأن الفرد والأمة إن لم يأخذوا بهذه الوسيلة ورضوا بأن يكونوا  في غفلة وفي سبات وفي جهل وعمى فإنهم يتخبطون ويقعون بأيدي اللصوص وقطاع الطرق من شياطين الإنس والجن.

 

وان يكون قيامكم ونهضتكم خالصاً (لله) تعالى وليس اتباعاً لأهواء أو ميول أو عواطف أو تعصبات وتحزبات أو لنيل مغانم دنيوية أو تحت مؤثرات من صنع البشر.

والمطلوب من هذه النهضة إعمال الفكر (ثم تتفكروا) في القضية المقصودة وسيلهمكم الله تعالى الحل ويّدلكم على الفعل المناسب وييسّر لكم اسبابه ومقدماته، وفي الآية دلالة على أهمية الفكر والتفكير العقلاني المتحرر من اغلال التعصب والهوى فإن مثل هذا الفكر الحر هو حجر الأساس في بناء الهداية والكمال ومفتاح الوصول إليهما، ولإنجاز كل مشروع اجتماعي أو علمي أو سياسي أو اقتصادي ونحو ذلك.

وهذا التفكر يكون مقدمة لمعرفة ما يتطلبه الأمر الإلهي في تلك القضية والتسليم التام لما يريده الله تعالى منك فتأتمر بأمره وتنتهي بنهيه، وقد اطلقت الآية التفكير فلم تقيّده بماذا لكي تجعل هذه القاعدة عامة لكل قضية ولكل مسألة ابتداءاً من القضية المحورية الكبرى وهي التوحيد والإيمان بالله تعالى والمعاد يوم القيامة (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) (سبأ/46) عندما يخاطَبْ المشركون والكافرون بهذه الآية، إلى قضية النبوة والرسالة للمنكرين لها {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ : 46] إلى قضية الإمامة والولاية للجاحدين بها إلى سائر القضايا الحياتية الأخرى الصغيرة والكبيرة.

وليكن قيامكم ونهضتكم (فرادى) أي مع أنفسكم لكي تخلوا بربكم وتنفتحوا عليه ويكون ادعى للتأمل والتفكر، واتخذوا أيضاً شخصا اخر (مثنى) أي اثنين اثنين ليكون رفيقا لكم وناصحا ومرآة (المؤمن مرآة المؤمن) فيعينك على التعرف على اخطائك وعيوبك وتستشيره فيما ينبغي فعله ويعينك على الخير، وتجنبوا الانسياق وراء العامة وكثرة الناس مما يعرف بالسلوك الجمعي وقيل فيه (حشر مع الناس عيد) فان هذا الانسياق مذموم ويوردك مواطن الهلكة والبوار لأنه انفعالي عاطفي يسِّيره اهل المكر والخديعة والباطل (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ) (الأنعام/116)  (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف/103) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) (يوسف/106).

وهذه العناصر الثلاثة التي تُفهم من الآية كفيلة بصنع البيئة المناسبة للتكامل والتي تأخذ بيد الانسان نحو الكمال وقد جمعها الامام الجواد عليه السلام بقوله (المؤمن يحتاج الى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه)[2] ، فالواعظ من نفسه ثمرة القيام فرادى والقبول ممن ينصحه ثمرة القيام مثنى والتوفيق من الله ثمرة القيام لله.

وهذه القاعدة التي يقدمها الله تعالى هدية لنا من خلال كتابه الكريم هي البداية الصحيحة لكل مشروع، وتقيّم من خلالها كل حركة او دعوة، وتواجه بها كل مشكلة، اما اتخاذ المواقف الارتجالية والانفعالية العاطفية فهو فعل غير منتج.

فلنغتنم هذه الهدية الالهية المباركة في كل حياتنا خصوصا في وقت الازمات والمحن كالتي تمر بها البلاد اليوم حيث يعيث فيها الارهاب الاعمى فسادا وقتلا وتشريدا واجراما، فقبل ان نلهث وراء هذا وذاك ونستجدي منه النصرة والعون وهو يزيدنا اذلالا واهانة، علينا ان ننتفض على انفسنا واهوائنا لان الاغلب غفلوا عن الله تعالى ونسوه تبارك وتعالى فأنساهم الله انفسهم وتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بل صاروا عقبة كؤود في طريق المصلحين والآمرين بالمعروف والنهي عن المنكر وكثير منهم ممن يرجى ان يكون عوناً على طاعة الله تعالى ولذا تحققت النتيجة التي حذر منها المعصومون (سلام الله تعالى عليهم) كقول الامام الرضا (عليه السلام) (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، او ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لكم)([3])، فهذا هو سبب تسلّط الأشرار الارهابيين والمجرمين.

فلا وسيلة لنا ولا حل ينجينا الا بواحدة {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} وهي ان ننهض لله وفي سبيل الله ونرجع إلى الله تبارك وتعالى، وندعوه ونتوسل بأقرب الوسائل إليه تعالى: حبيبه محمد المصطفى وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ونستغيث بصاحب العصر والزمان (عليه السلام)ليشملنا بألطافه ورعايته وسيلهمنا الله تعالى الحلول الصحيحة ويعيننا على تنفيذها والعمل بها، خصوصاً ونحن نستقبل شهر الله الكريم شهر المغفرة والرحمة والفوز بالجنة والنجاة من النار.

روى السيد ابن طاووس بالإسناد عن اليسع بن حمزة القمي[4] فقال: أخبرني عمرو بن مسعدة وزير المعتصم الخليفة إنه جاء علي بالمكروه الفظيع حتى تخوفته على اراقة دمي وفقر عقبي، فكتبت إلى سيدي أبي الحسن العسكري (عليه السلام) –أي الإمام الهادي (عليه السلام)- أشكو إليه ما حلَّ بي، فكتب إليّ: لا روع عليك ولا بأس، فادع([5]) الله بهذه الكلمات، يخلّصك الله وشيكاً مما وقعت فيه، ويجعل لك فرجاً، فإن آل محمد (صلى الله عليه وآله) يدعون بها عند إشراف البلاء وظهور الأعداء وعند تخوّف الفقر وضيق الصدر.

قال اليسع بن حمزة فدعوت الله بالكلمات التي كتب إليّ سيدي بها في صدر النهار فوالله ما مضى شطره حتى جائني رسول عمرو بن مسعدة فقال لي: أجب الوزير، فنهضت ودخلت عليه، فلما بصُر بي تبسّم إليّ وأمر بالحديد ففُكَّ عني، وبالأغلال فحُلَت مني، وأمر لي بخلعه من فاخر ثيابه، واتحفني بطيب، ثم أدناني وقرّبني وجعل يحدثني ويعتذر إليّ، وردّ عليّ جميع ما كان استخرجه مني وأحسن رفدي.

وكان الدعاء: يا من تحلُّ به عقد المكاره)[6] والموجود في الصحيفة السجادية/ ص57.

فبهذا الدعاء وأدعية الفرج الأخرى نستمطر رحمة الله تعالى ومغفرته وأن يرفع عنّا البلايا والفتن، ولنجعل هذه العودة إلى الله تعالى والانتباه من الغفلة واحدة من منافع المرور بهذا البلاء الشديد والتعرّض لهذه الصدمة ليكون بلاء خير لنا وليس جزاءً لسوء أفعالنا، تصديقاً لعنوان البيان الذي أصدرناه تعليقاً على هذه الأحداث (ربّ ضارة نافعة)، ولا تخفى المنافع الأخرى التي تحققت حيث:

1-    أعادت تذكير الناس بإمام زمانهم الذي غفلوا عنه وما غفل عنهم بدعائه وعنايته واستشعروا الحاجة لظهوره وتولّيه بنفسه الشريفة قيادة البشرية نحو الهدى والصلاح والقضاء على الباطل والانحراف والجاهلية.

2-     التفّ الناس حول مرجعيتهم الدينية واستجابوا لنداءاتها حتى التطوع للقتال وملأوا معسكرات التدريب وألقوا الحجة عليها لتنهض بمسؤوليتها وأفشلوا خطط من حاولوا اضعاف المرجعية الدينية وفصل القواعد عنها.

3-    انبعثت الروح الوطنية بعد أن ضاعت في هوس الانتماءات القومية والطائفية والايدلوجية وتفرّق الشعب أيدي سبأ.

4-    صحا المسؤولون السياسيون والعسكريون من سكر المغانم التي انهمكوا في جمعها وحيازتها من مواقعهم بغير حق.

5-    نسي الكثير خلافاتهم واتحدوا على هدف واحد وهو دفع هذا الخطر الخبيث.

وغيرها من النتائج التي ينبغي للعقلاء الالتفات إليها من دون الحاجة إلى تعريضهم لهذا البلاء الشديد كما ورد في الدعاء (الهي لا تؤدبني بعقوبتك ولا تمكر بي في حيلتك).

 



[1] ) كلمة وجهها سماحة المرجع اليعقوبي من خلال قناة النعيم الفضائية يوم الجمعة 28-شعبان-1435 المصادف 27-6-2014 للتذكير المعالجة الاخلاقية للمحنة التي تمر بها  البلاد بعد المعالجتين العسكرية والسياسية

[2] - تحف العقول: 290

[3] - وسائل الشيعة: كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، باب 38، ح10.

[4] - لعل الصحيح أحمد بن حمزة بن اليسع الذي وُصف بأنه (ثقة ثقة) لأنه من أصحاب الإمام الهادي  (عليه السلام) أما اليسع بن حمزة فذُكر في أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) وهو مجهول.

[5] - لاحظ تعبير الامام (عليه السلام) (فأدع) اي اطلب بصدق ووفّر حقيقة الدعاء في باطنك ووجدانك ولم يقل (عليه السلام)(فاقرأ) اي مجرد تحريك اللسان بكلمات

[6] - مهج الدعوات: 271.