القرآن الكريم ومقامات السيّدة الزهراء وأهل البيت (عليهم السلام)

| |عدد القراءات : 2580
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

القرآن الكريم ومقامات السيّدة الزهراء وأهل البيت (عليهم السلام)[1]

بمناسبة ميلاد السيّدة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) نحاول أن نتعرّف على بعض مقاماتها وملامح عظمتها من خلال استقراء الآيات الكريمة وبمعونة الأحاديث الشريفة وهي كثيرة نعجز عن استقصائها، ونفس أسمائها وألقابها كاشفة عن مقاماتها (الطاهرة، المعصومة، الراضية، المرضيّة، أمّ أبيها، سيّدة نساء العالمين، الكوثر، المحدَّثة، البتول) وغيرها.

لكنّنا نشير اليوم باختصار إلى مقاماتها (سلام الله عليها) الّتي نتعرّف عليها من خلال الاقتران والتلازم بين القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) –وهي منهم-، هذا التلازم الّذي أفاده حديث الثقلين الذي أجمع الفريقان[2] على صحّته وصدوره عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي مسند أحمد بن حنبل (5/181 ح21068) بسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (إنّي تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل مدود ما بين السماء والأرض- أو ما بين السماء إلى الأرض- وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض) ورووه عن جمع غفير من الصحابة.

وقد بيّن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقول وبالفعل المقصود من أهل البيت في مواطنٍ كثيرة وهُم علي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين)، ففي مستدرك الصحيحين روى بسنده عن أمّ سلمة أنّها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب/33) قالت: فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال: (اللهمّ هؤلاء أهل بيتي) قالت أمّ سلمة: يا رسول الله ما أنا من أهل البيت؟ قال: إنّك إلى خير. وهؤلاء أهل بيتي اللهمّ أهل بيتي أحق).[3]

ولا حاجة بعد هذا للدخول في مناقشات لغوية في معنى أهل البيت ومن هو المشمول بها بعد أن حدّد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه المراد بهذا العنوان.

فالسيّدة فاطمة الزهراء من أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم –بموجب حديث الثقلين- صنو القرآن وعدل القرآن ولا يفترقان حتّى يردا الحوض يوم القيامة، ومن هذا الاقتران والملازمة نستنتج خصائص كثيرة ومقامات رفيعة لأهل البيت (عليهم السلام) وللصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) ولأمير المؤمنين (عليه السلام) لتضاف إلى الأدّلة على إمامته وتقدّمه على الخلق أجمعين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها:

1-       مقام العصمة، لأنّ القرآن (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلّت/42) وكذلك السيدة الزهراء (عليها السلام) معصومة بغضّ النظر عن الأدلة الأخرى على عصمتها كآية التطهير وغيرها.

2-       مقام العلم والإحاطة بكل شيء ممّا علمهم الله تبارك وتعالى فقد وصف الله تعالى كتابه الكريم بقوله (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ) (النحل/89) وقال تعالى (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام/38) فالسيدة الزهراء (عليها السلام) لها هذا المقام من العلم والإحاطة بمعرفة كلّ شيء وهو فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، قال تعالى (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) (البقرة/255).

3-       والقرآن له مقام الإمامة والقيادة والحجة ولزوم الطاعة على الخلق أجمعين (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (الحشر/7) وقال تعالى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم/3-4) وللقرآن مقام الإمامة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (عليكم بالقرآن فاتخذوه إماماً وقائداً) فكذلك السيّدة الزهراء (عليها السلام) لها مقام الإمامة والقيادة ولزوم الطاعة على الخلق أجمعين، لذا روي عن الإمام العسكري قوله (نحن حجج الله على خلقه وجدّتنا فاطمة حجّة الله علينا).[4]

4-       والقرآن هو الحق والحقّ معه (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ) (الجاثية/29) (فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) (الذاريات/23) وهكذا السيّدة الزهراء (عليها السلام) فإنّ الحقّ يدور معها حيث دارت.

5-       وللقرآن القيمومة[5] العليا المطلقة على الخلق قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا* قَيِّماً) (الكهف/1-2) كما أنّ القيّم على الأسرة أو المجتمع له الولاية عليهم يقودهم ويدلّهم على ما يصلحهم ويسعدهم، فكذلك الزهراء (عليها السلام) لها القيمومة على الناس ومنهجها هو المنهج القيّم والمستعلي على المناهج كلّها، وقد علّلت الآية علّة القيمومة بأنّ لا عِوَجَ له.

6-                والقرآن مبارك (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) (الأنعام/92) (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ) (ص/29) فهو كثير البركة والخير والعطاء ومبارك في آثاره على النفس والمجتمع لأنّه مصدر الهداية والإرشاد والسعادة والحياة المطمئنة للبشرية ومصدر العلوم كلّها، وهكذا الزهراء (عليها السلام) كثيرة البركة وعطائها لا ينفد، حتّى أنّ الله تعالى سمّاها الكوثر الذي يعني الخير الكثير.

7-                والقرآن عصمة للأمة من التفرّق والتشتّت والضياع (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران/103) والقرآن وأهل البيت (عليهم السلام) هم الحبل الممدود الذي يعصم الأمّة، وفي هذا قالت السيّدة الزهراء (عليها السلام) (وجعل إمامتنا نظاماً للملّة وأماناً من الفرقة).

8-       والقرآن عزيز يصعب مناله في كتابٍ مكنون لا يمسّه إلاّ المطهّرون، وعزيز لأنّه قاهرٌ غالب على من خاصمه، وهو عزيز يندر وجود مثله، وعزيز لأنّه يمتنع عن النيل بسوء، وعزيز لأنّه مطلوب وكلّ مفقودٍ مطلوب، وهكذا السيّدة الزهراء (عليها السلام) عزيزة بكل هذه المعاني.

9-                والقرآن موعظة وشفاء وهدى ورحمة للعالمين كما وصف نفسه وهكذا السيّدة الزهراء (عليها السلام).

10-           وللقرآن مقام الشفاعة كما وصفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (فعليكم بالقرآن فإنّه شافعٌ مشفّع).[6]

وللزهراء (عليها السلام) الشفاعة يوم القيامة حتّى ورد في الرواية أنها (عليها السلام) تلتقط مواليها ومحبّيها يوم المحشر كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الرديء.

11-     والقرآن مخاصم لمن هجره وأعرض عنه ولم يعمل به وحجّته غالبة ومصدّقة من دون بيّنة أو دليل كما وصفه النبي (صلى الله عليه وآله) بأنّه (ما حل مصدّق) أي مخاصِم مصدّق فيما يقول وهكذا السيّدة الزهراء (عليها السلام) ستخاصم من ظلمها وأنكر حقّها وجحد ولايتها، وهي مصدّقة في دعواها.

12-     والقرآن خالد محفوظ إلى يوم القيامة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/9) وهكذا الحجج من أهل البيت (عليهم السلام) باقون ببقاء القرآن وهذا دليل على وجود الإمام المنتظر (عليه السلام) وذكر فاطمة وأهل البيت (عليهم السلام) باقٍ إلى يوم القيامة ونورهم باقٍ مهما حاول الحاسدون والمنافقون والمبغضون إطفاءه والقضاء عليه وإزالته (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف/8).

13-     وفي التمسّك بالقرآن النجاة من الفتن، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (إنّها دار بلاء وابتلاء وانقطاع وفناء، فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، من جعله أمامه قاده إلى الجنّة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار)، فالتمسك بهدى الزهراء (عليه السلام) ينجي من الفتن ويقود إلى الهداية.

14-     والقرآن (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) (الطارق/13- 14) وهكذا كلمات فاطمة (عليها السلام) كلّها فاصلة ليس فيها هزل لا محصّل من ورائه أو هزيلة خالية من المعاني.

15-     والقرآن أنيس، يقول الإمام زين العابدين (عليها السلام): (لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشتُ بعد أن يكون القرآن معي) وهكذا ذكر السيّدة الزهراء وأهل البيت (عليهم السلام) فإنّه أنيس للمحبّين والموالين وبلسم لنفوسهم المتعبة).

16-     والقرآن لا يبلى ولا يُملُّ بكثرة التكرار، قال امير المؤمنين (عليه السلام) لا تُخلقهُ كثرةُ الرّد وولوجُ السمع) وهكذا ذكر الزهراء (عليها السلام) كلما يتكرّر يزدادُ اقبالاً وبهجة حتى لو استمر طيلة أيام السنة وعلى مدى السنين.

17-     ولمن حمل القرآن وتعلّمه وعلّمه أجر عظيم، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (حملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله، الملبوسون بنور الله عزّ وجل) فلمن أحيا ذكر الزهراء (عليه السلام) ونشر فضائلها ومناقبها ومظلوميتها مثل هذا الأجر العظيم.

18-     وإنّ على حامل القرآن أن يتّصف بالخير، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله (إنّ أحقّ الناس بالتخشّع في السرّ والعلانية لحامل القرآن، وإنّ أحقّ الناس في السر والعلانية بالصلاة والصوم لحامل القرآن) فعلى الموالين للسيّدة الزهراء (عليها السلام) ان يكونوا على مثل هذه الخصال الكريمة.

19-     وللقرآن ارتباط وثيق بليلة القدر وكان نزوله فيها (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر/1) (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) (الدخان/3) وللسيّدة الزهراء (عليها السلام) ارتباط وثيق بليلة القدر؛ ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) (فمن عرف فاطمة (عليها السلام) حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر)[7]، وقد شرحنا في بعض أحاديثنا وجوهاً لهذا الحديث.

20-     ومن آداب تلاوة القرآن أن يُقرأ بالحزن، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (اقرأوا القرآن بالحزن فإنّه نزل بالحزن)، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) (اقرأوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا)، ومن وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) للمتّقين (أمّا الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلا يحزّنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم) فكذلك السيّدة الزهراء (عليها السلام) لا تُذكر إلاّ ويفيض القلب حزناً لذكراها، فضلاً عمّا لو ذُكرت مظلوميتها، روي أن رجلاً دخل على الإمام الصادق (عليه السلام) وقد وُلدت له بنت فقال (عليه السلام) (ما سمّيتها؟ قال: فاطمة فقال (عليه السلام) (آه آه آه ثم وضع يده على جبهته – إلى أن قال- أما إذا سمّيتها فاطمة –فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها).[8]

وهذه الخصائص التي ذكرناها للزهراء (عليها السلام) ثابتة للأئمة الأطهار (عليهم السلام) لكونهم من أهل البيت (عليهم السلام) وإنّما خصصنا السيّدة الزهراء (عليها السلام) بالذكر لأنّها صاحبة المناسبة.

إن ما قمنا به من بيان هذه المقامات لأهل البيت (عليهم السلام) فيه دعوة لإتباع هؤلاء السادة الهداة تلبية لدعوة الإمام (عليه السلام) (قال الرضا (ع) : رحم الله عبدا أحيا أمرنا ، فقيل له : وكيف يُحيي أمركم ؟.. قال : يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس ، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا)[9]

 


[1] كلمة سجّلها سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) بمناسبة ذكرى ميلاد السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يوم 20/ج2/1434 الذي وافق 1/5/2013.

[2] لمعرفة مصادره من كتب العامّة راجع (فضائل الخمسة من الصحاح الستّة: 2/52).

[3] راجع مصادر الحديث في المصدر السابق: 1/ 269.

[4] خطاب المرحلة: 7/ 52.

[5] شرحنا معاني هذه الصفات للقرآن في فصل (القرآن يصف نفسه) في كتاب (شكوى القرآن).

[6] ميزان الحكمة: 7/ 238 وكذا الأحاديث التالية في نفس المصدر.

[7] راجع مصادره في الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (عليها السلام): 18/438.

[8] وسائل الشيعة كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد، باب 87.

[9] جواهر البحار، الجزء الثاني، كتاب العلم، عن كتاب: معاني الأخبار.