خطاب المرحلة (326)... الفجوة المصطنعة بين العلماء والشباب

| |عدد القراءات : 2049
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

الفجوة المصطنعة بين العلماء والشباب([1]) 

           يحاول الكثيرون ممن لهم أجندات معيّنة أن يصطنعوا حواجز بين العلماء والمجتمع خصوصاً الشباب، فيشيعون بينهم أنّ العلماء في بروج مشيّدة ولا يمكن الوصول إليهم وإن لغتهم غير مفهومة، ولا يعرفون مخاطبتكم حتى لو وصلتم إليهم، وإنهم يعيشون في زمان وعوالم غير ما أنتم فيه ونحو ذلك من الأفكار، فيعزف الشباب عن الوصول إلى العلماء والجلوس معهم والتحدث إليهم والاستفادة منهم.

          وهدف أولئك المخادعين مزدوج، فمن جهة يريدون عزل المرجعية عن الناس خصوصاً الشباب لتجريدها من أهم عناصر القوة لدى المرجعية وهي قوة تأثيرها ونفوذ كلمتها وسلطتها الروحية التي تعيق مشاريعهم الاستكبارية الشيطانية في السيطرة على الشعوب ونهب خيراتها بتغيير هويتها لتسيير أبنائها وفق ما يريدون.

          ومن جهة أخرى يريدون إبقاء الناس عرضة للسقوط في الفتن والشبهات والضلالات ويعبث بهم كل فاسد وضال، لأنّ العلماء حصون الأمة والدين فإذا ابتعد الناس عن العلماء كانوا مكشوفين للأعداء بلا حصون، تحمي عقائدهم من الشبهات والعقائد المنحرفة والدعوات الضالة، وتحمي أخلاق الأمة من الفساد والانحرافات والسلوكيات البعيدة عن الدين والأخلاق الفاضلة، وتحمي فكر الأمة من الأفكار الهدّامة والهجينة والمستوردة من الأعداء والتي يعلبونها بعناوين برّاقة ليسهل تسويقها على الناس ويخلطون عليهم الأمور، كالمنكرات التي يدعون إليها تحت عناوين الحداثة والحرية والمساواة والتحضّر والتقدم ونحوها.

          وأنتم –أيّها الأحبة الشباب- بحضوركم في مجالس العلماء واستماعكم إلى توجيهاتهم تذوّبون هذه الحواجز المصطنعة وتزيلونها، وتنقلون إلى إخوانكم أنّ العلماء ولدوا من رحم هذه الأمة وهم جزء لا يتجزأ منها، بل لا يستطيعون أن يمارسوا مسؤولياتهم ودورهم إلاّ حينما يكونون في وسط هذه الأمة فيتعلمون من معاناتها وتجاربها ويستفيدون من إبداعاتها وأفكارها، وفي بوتقة هذه الأمّة يصاغ العالم العامل ولا يُصنع في كوكبٍ آخر أو في الدهاليز المظلمة ويُفرض على الناس بالإكراه.

          وحينما تلتفون حول العلماء وتأخذون منهم فإنّكم ستجدون عندهم العين البصيرة والفكر الثاقب والمعرفة بأحوال الناس والتمييز الدقيق بين الأمور فتسود تصرفاتهم الحكمة كما في الحديث (العالم العارفُ بزمانه لا تهجم عليه اللوابس).

          وقد جعل الله تعالى للأمة أعلاماً منصوبة للهداية على الدوام من لدن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) ومن ثمّ مراجع الدين الجامعين للشرائط، وهذا هو صمام أمان الناس وحبل الله المتصّل بين الأرض والسماء الذي أمروا بالتمسّك به والاعتصام به، ولا يكونوا كالأمم السابقة التي لم تحظ بهذا الحبل المتين فضلّت وانحرفت.

          وإذا حصلت هذه الفجوة فإن الجميع سيخسر ويفقد العلم أهميته عندما لا يجد ساحة للعمل به بابتعاد الناس عن العلماء وعدم عمل العلماء بعلمهم، وسيخسر الدين أيضاً لأنّه يفقد تأثيره في حياة الناس ودوره الذي هو كالبوصلة التي توجّه أمورهم كلّها.

          وما نشوء هذه الظواهر المنحرفة –كظاهرة الإيمو وتقليد الغرب في هوسه ومجونه ولهوه وعبثه- والدعاوى الباطلة –كالدعاوى المرتبطة بالإمام المهدي (عليه السلام) زوراً وكذباً ومكراً- إلاّ بسبب هذه الفجوة وهذا الابتعاد والعياذ بالله.



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من طلبة إعدادية الجزيرة في النجف الأشرف الذين زاروا سماحته برفقة بعض أساتذتهم يوم السبت 15/ج1/1433 المصادف 7/4/2012.