خطاب المرحلة (315)... إحياء الشعائر الحسينية والتمهيد للظهور الميمون

| |عدد القراءات : 5484
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

إحياء الشعائر الحسينية والتمهيد للظهور الميمون([1]) 

          التعاطي مع القضية الحسينية وإحياء شعائرها –على كل الأصعدة كالمنبر الحسيني والمواكب الحسينية والكتابة والتأليف في القضية الحسينية وغيرها- يحتاج باستمرار إلى مراجعة ومراقبة وتمحيص لأمرين على الأقل:

          (أولهما) تنقيتها مما يدخل فيها وهو ليس منها سواء على صعيد المفاهيم أو الممارسات إما بحسن نية كطلب الأجر والثواب وإن أخطأوا الطريق أو جهلاً أو حماساً أو انسياقاً وراء من يصنعها من دون تفكير فيها وهذا كله يشوه الصورة الناصعة لقيام الإمام الحسين (ع) ويؤخر مسيرته في بلوغ أهدافه.

وقد نبّهنا إلى جملة منها، مثلاً على صعيد المفاهيم ما يردده الخطباء من أنّ من بكى أو تباكى على الحسين (ع) دخل الجنة بغير حساب ويروونها عن الأئمة (ع) بقولٍ مطلق حتى لو فعل ما فعل من دون أن يقيدوها بشرطها وشروطها كالالتزام بالصلاة لقوله (ص): (لن تنال شفاعتنا مستخفاً بصلاته) وتجنّب ظلم الآخرين، لقول الإمام السجاد (ع) آخر ما أوصاني به أبي الحسين (ع) يوم عاشوراء (اتقّي ظلم من لا يجد ناصراً عليك إلاّ الله تبارك وتعالى).

          وعلى صعيد الممارسة ذكرنا التطبير والمشي حفاة على الجمر وضرب الظهر بسكاكين حادة تقطع لحم الظهر ونحوها، في حين نستطيع تحقيق المواساة بفعاليات هادفة كالتبرع بالدم لضحايا التفجيرات الإرهابية والأطفال المصابين بفقر الدم (الثلاسيميا) مواساة لنزف أبي عبد الله (ع) دمه لإنقاذ الإنسان وإصلاحه.

          وإنشاء مؤسسات رعاية الأرامل والأيتام والمحتاجين لمواساة العقيلة زينب (ع) والهاشميات وأيتام الشهداء بدل مواساتهم بالمشي على الجمر والنار أو تقطيع لحم الظهر بالسكاكين ونحو ذلك من المشاريع الخيرية التي تكون صدقة جارية للإمام الحسين (ع).

          ونذكر الآن مورداً آخر وهو ما يتداول بأنّ الرياء مذموم إلاّ في ما يتعلق بقضية الحسين (ع) ونسبوه إلى الرواية.

          ولم يقع نظري على مثل هذا الحديث ولو وجد فإنه مخالف لكتاب الله تعالى وسنة نبيّه وكلّ حديث هكذا فقد وصفه الأئمة (ع) أنّه (زُخرُفٌ من القول لم نقله).

          نعم يمكن أن نفهمه بمعنى إيجابي، وهو أنّ شعائر الإمام الحسين (ع) باعتبارها أموراً علنيّة ممدوحة ويشار إلى صاحبها بالثناء في المجتمع فتكون عرضة لحصول الرياء بشكل كبير، والنفس أمّارة بالسوء إلا ما رحم ربّي، فهذه المقولة تدعو إلى الاستمرار بأداء هذه الشعائر وعدم جعل الخوف من حصول الرياء سبباً للانقطاع عنها لكن مع بذل الوسع في مجاهدة النفس لإخلاص النية، وأنّ الله تعالى كتب على نفسه الرحمة، وللكرامة الخاصة للإمام الحسين (ع) فإنّه تبارك وتعالى يجعل ملائكة خاصة تطلب من الله تعالى أن يُنقّي نيّات المشاركين ويخلصها له تعالى ويبلغ بنياتهم أحسن النيات كما ورد في الدعاء، كما أنّ حشداً من الملائكة يدعون لهم بقضاء الحوائج، وآخرون بالقبول، ويدعو ملائكة آخرون بالمغفرة وآخرون بالخلف عليهم وعلى أهلهم وأموالهم وآخرون بردهم إلى أهلهم سالمين وهكذا.

          وهذا المعنى ليس ببعيد على سعة رحمة الله تعالى وكرامة الإمام الحسين (ع) لكنه يتطلب مجاهدة في إخلاص النية قدر الإمكان.

          (ثانيهما) تحديثها وتجديدها بما يناسب خلود الثورة الحسينية ودوام دورها في حفظ الإسلام النقي الأصيل ونشره في ربوع الأرض وإقناع كل الأمم به حتى يُظهر الله تعالى دينه على الدين كله بظهور بقيته الأعظم (أرواحنا له الفداء)، ولذا يكون شعاره (يا لثارات جدي الحسين (ع)).

          إن تبني الإمام (ع) لهذا الشعار ليس مستنداً إلى زخم العاطفة فقط وإنما لأن وسيلته الفاعلة التي ينفذ منها إلى قلوب وعقول كل الناس هي قضية جدّه الحسين (ع) لذا لابد من عرض القضية الحسينية بالنحو الذي يمهّد لقيام الإمام (ع) وينصر حركته المباركة.

          لاحظوا مثلاً ما تشهده البلاد العربية من ثورات وحركات شعبية سموها (الربيع العربي) وبغضّ النظر عمّا أدّت إليه من نتائج وتداعيات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية فلسنا الآن بصدد تقييمها، لكن أبرز نتائجها هو انتصار مبادئ الإمام الحسين (ع) في من يستحق ولاية أمر الأمة، وفشل النظرية المقابلة لمدرسة أهل البيت (ع) التي أسّسوها على مدى ألف وأربعمائة عام وثقّفوا عليها أتباعهم ولفّقوا أحاديث مكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنّه يجب على الأمة أن تطيع الحكّام ولو كان أحدهم فاسقاً فاجراً مستبداً ظالماً منتهكاً لكل الحرمات والمقدّسات كيزيد ابن معاوية وفسّروا بذلك قوله تعالى (وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) وإنّ أولي الأمر هم الحكام وان تسلّطوا قهراً على الأمة بالحديد والنار.

          لكنّ أتباع تلك المدرسة هم من انتفض عليها اليوم وثار وداس بأقدامه تلك الأطروحات البائسة التي خدّروا بها أتباعهم ونوّموهم، حتى استيقظوا اليوم ورفضوا ما كان يقول لهم المستأكلون بعلمهم الذين يطلبون الدنيا بالدين. وجسّدت هذه الشعوب عملياً انتصار مبادئ الإمام الحسين (ع) والتي أعلنها بصرخات مدوّية ومنها قوله (ع) (أيها الناس إن رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله (ص) يعمل في عبادِ الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول كان حقاً على الله أن يدخلهُ مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحقُّ ممّن غيّر).([2])

          هاتان المسؤوليتان يجب أن نستشعرهما دائماً فنعزّز ونديم ما يحقّق الغرض المطلوب، كهذه المسيرة المليونية([3]) التي هزّت بصمتها الإنسانية كلها فتابعتها بإعجاب وذهول مقترنين بالتساؤل عن صاحب الذكرى وسر عشق هذه الملايين المضحّية المتدافعة له، وتفسير استدامة هذه العاطفة الجيّاشة على مدى القرون الكثيرة، وستوصلهم هذه التساؤلات إلى الإيمان بالله تعالى وبولاية أهل البيت (ع)، وفي ذلك تمهيد عظيم لظهور الإمام (ع)؛ لأن الظهور المبارك لابد أن تسبقه معرفة بالإمام وقضيته وأهدافه وأسباب حركته، أما مع الجهل بكل ذلك فكيف سنتوقع حصول الفتح.

          وبين أيدينا مثال وهي البعثة النبوية الشريفة حيث كان للإرهاصات والأخبار التي سبقتها مبشرة بقرب زمان النبي الخاتم (ص) دور وحافز في دفع عدد من السابقين إلى الإسلام والإيمان.

          نسأل الله تعالى أن يجعلنا في عداد من نصر الإمام الحسين (ع) وعرف حقّه والله وليّ التوفيق. 



 ([1]) كلمة سماحة الشيخ (دام ظله) في مجلس البحث الخارج يوم الاثنين 8/صفر/1433 الموافق 2/1/2012 وورد بعضه في حديث سماحته مع حشد من طلبة الكلية التقنية الإدارية في بغداد بحضور بعض زوار الأئمة الطاهرين (ع) القادمين من الولايات المتحدة الأمريكية يوم الجمعة 5/صفر/1433 الموافق 30/12/2011.

([2]) مقتل الحسين (ع) للمقرّم: 218.

([3]) يراد بها سير الملايين مشياً على الأقدام من المدن كافة إلى زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في الأربعين.