الخيارات
(مسألة 68): الخيار هو حق يملكه المتبائعان في حالات معينة يتمكن بموجبه صاحب الحق من فسخ العقد وإلغائه وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه.
وللمتبائعين الخيار في أحد عشر مورداً:
(1) قبل أن يتفرق المتعاقدان من مجلس البيع، ولكل منهما فسخ البيع، ويسمى هذا الخيار بخيار المجلس، ولو فارقا مجلس البيع مصطحبين بقي الخيار لهما ما لم يفترقا.
(2) أن يكون أحد المتبائعين مغبوناً بأن يكون ما أعطى أكثر قيمة مما انتقل إليه بمقدار لا يتسامح به العرف عادة في مثل تلك المعاملة، ويسمى خيار الغبن فيكون من حق المغبون فسخها، أو الرضا بها على حالها ولا يحق له إلزام الطرف الآخر بدفع مقدار التفاوت في القيمة ولكن لا مانع منه إذا رضي الطرفان وهذا الخيار جارٍ في غير البيع من المعاملات كالإجارة مثلاً.
(3) اشتراط الخيار في المعاملة للطرفين أو لأحدهما أو لآخر غيرهما إلى مدة معينة، ويسمّى بخيار الشرط.
(4) تدليس أحد الطرفين بإراءة ماله أحسن مما هو في الواقع ليرغب فيه الطرف الآخر أو ليدفع قيمة لا يستحقها ليزيد في قيمته، فيثبت الخيار للطرف الآخر، ويسمى بخيار التدليس.
(5) أن يلتزم أحد الطرفين في المعاملة بشرط أو أن يشترطه الآخر عليه كأن يشترط عليه ختمة قرآن أو زيارة معصوم، أو يشترط صفة في المال المعيّن ككون السيارة بيضاء، فإذا لم يف من عليه الشرط بذلك بان لم يأتِ بذلك العمل أو لا يكون المال بتلك الصفة، فللآخر حق الفسخ ويسمى بخيار تخلف الشرط.
(6) أن يكون أحد العوضين معيباً، فيثبت الخيار لمن انتقل إليه المعيب، ويسمى بخيار العيب.
(7) أن يظهر أن بعض المتاع لغير البائع، ولا يجيز مالكه بيعه، فللمشتري حينئذٍ فسخ البيع، ويسمى بخيار تبعض الصفقة كما لو اشترى منه دورة كتاب وظهر أن بعض الأجزاء ليست له ولا يرضى مالكها بالبيع.
(8) أن يجد المتعاقد ما وصل إليه غير مطابق للأوصاف التي كان يعتقدها فيه حين العقد فبنى على توصيف البائع أو على رؤية سابقة ونحوها، فللمشتري الفسخ، ويسمى هذا بخيار الرؤية.
(9) أن يؤخر المشتري الثمن ولا يسلمه إلى ثلاثة أيام، ولا يسلم البائع المتاع إلى المشتري، فللبائع حينئذٍ فسخ البيع إذا لم يشترط تأخير الثمن ولا اشترط تعجيله أو كانت طبيعة المعاملة بحسب عادة العرف تقتضي التعجيل، وإلا فالعمل على ما يقتضيه الشرط من التأخير أو التعجيل. ولو كان البيع المعيَّن بما يفسد في اقصر من ذلك الوقت كبعض الفواكه والخضر فمدة المهلة بمقدار لا يؤدي بها إلى الفساد او فوات السوق، فقد تكون ساعة أو إلى نهاية النهار ونحوها، فللبائع فسخ البيع إذا لم يؤد المشتري الثمن إلى نهاية المهلة، ولم يشترط تأخيره، ويسمى هذا بخيار التأخير.
(10) إذا كان المبيع حيواناً، فللمشتري فسخ البيع إلى ثلاثة أيام، وكذلك الحكم إذا كان الثمن حيواناً، فللبائع حينئذٍ الخيار إلى ثلاثة أيام، ويسمى هذا بخيار الحيوان.
(11) أن لا يتمكن البائع من تسليم المبيع، كما إذا شرد الفرس الذي باعه، فللمشتري فسخ المعاملة، ويسمى هذا بخيار تعذر التسليم.
(مسألة 69): إذا لم يتمكن البائع من تسليم المبيع لتلفه بآفة سماوية أو أرضية فلا خيار للمشتري بل البيع باطل من أصله ويرجع الثمن إلى المشتري ـ ومثله ما إذا تلف الثمن قبل تسليمه إلى البائع فإنه ينفسخ البيع ويرجع المبيع إلى البائع ـ وفي حكم التلف تعذر الوصول إليه عادة كما لو انفلت الطائر الوحشي أو وقع السمك في البحر أو سرق المال الذي لا علامة له ونحو ذلك.
(مسألة 70): إذا لم يعلم المشتري بقيمة المبيع أو غفل عنها حين البيع، واشتراه بأزيد من المعتاد، فإن كان الفرق مما يعتنى به بحيث يعتبر صاحبه مغبوناً فله الفسخ، وهكذا إذا كان البائع غير عالم بالقيمة، أو غفل عنها وباع بأقل من المعتاد، فإن الفرق إذا كان مما يعتنى به كان له الفسخ.
(مسالة 71): تصح المعاملة المسماة ببيع الشرط، وهو بيع الدار - مثلاً - التي قيمتها ألف دينار بمائتي دينار، مع اشتراط الخيار للبائع لو أرجع مثل الثمن في الوقت المقرر إلى المشتري، هذا إذا كان المتبائعان قاصدين للبيع والشراء حقيقة، وإلا لم يتحقق البيع بينهما.
(مسألة 72): يصح بيع الشرط وإن علم البائع برجوع المبيع إليه، حتى لو لم يسلم الثمن في وقته إلى المشتري لعلمه بأن المشتري يسمح له في ذلك. نعم إذا لم يسلم الثمن في وقته ليس له أن يطالب المبيع من المشتري، أو من ورثته على تقدير موته.
(مسألة 73): لو اطلع المشتري على عيب في المبيع المعيّن، كأن اشترى حيواناً فتبين أنه كان أعمى، فله الفسخ إذا كان العيب ثابتاً قبل البيع، ولو لم يتمكن من الإرجاع لحدوث تغيير فيه أو تصرف فيه بما يمنع من الرد، فله أن يسترجع من الثمن بنسبة التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب، مثلاً: المتاع المعيب المشترى بأربعة دنانير إذا كانت قيمته سالمة ثمانية دنانير، وقيمته معيبة ستة دنانير، فالمسترجع من الثمن ربعه، وهو نسبة التفاوت بين الستة والثمانية، أي دينار واحد بحسب المثال.
أما إذا لم يكن المبيع متعيناً ووقع العقد على الكلي وكان الفرد المدفوع معيباً لم يكن له فسخ المعاملة أو المطالبة بالتفاوت بل له المطالبة بفرد آخر صحيح من المبيع.
(مسألة 74): لو اطلع البائع بعد البيع على عيب في العوض المعيّن سابق على البيع فله الفسخ، وإرجاعه إلى المشتري. ولو لم يجز له الرد للتغير أو التصرف فيه المانع من الرد فله أن يأخذ من المشتري التفاوت بين قيمة السالم من العوض ومعيبه (بالبيان المتقدم في المسألة السابقة).
وإذا كان الثمن كلياً غير معيّن ـ كما هو الغالب في المعاملات ـ فاطلع البائع على عيب في الفرد المدفوع منه لم يكن له الفسخ ولا المطالبة بالتفاوت بل يستحق المطالبة بفرد آخر من الثمن.
(مسألة 75): لو طرأ عيب على المبيع بعد العقد وقبل التسليم ثبت الخيار للمشتري، ولو طرأ على العوض عيب بعد العقد وقبل تسليمه ثبت الخيار للبائع، وفي جواز المطالبة بالتفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب هنا إشكال فالأحوط التراضي، ولكن إذا لم يتمكن من الإرجاع جازت له المطالبة بالتفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب.
(مسألة 76): الظاهر انه لا يلزم في خيار العيب أن يكون الفسخ فورياً إلا إذا اعتبر التأخّر عن الأخذ بالحق رضا بالعقد في نظر العرف، ولا يعتبر في نفوذه حضور من عليه الخيار.
(مسألة 77): لا يجوز للمشتري فسخ البيع بالعيب ولا المطالبة بالتفاوت في أربع صور:
(1) أن يعلم بالعيب عند الشراء.
(2) أن يرضى بالمعيب بعد البيع.
(3) أن يُسقط حقه من جهة الفسخ ومطالبته بالتفاوت.
(4) أن يتبرأ البائع من العيب بمعنى انه لا يحتمل مسؤولية أي عيب يظهر فيه، ولو تبرأ من عيب خاص فظهر فيه عيب آخر فللمشتري الفسخ به، وإذا لم يتمكن من الرد أخذ التفاوت على ما تقدم.
(مسألة 78): إذا ظهر في المبيع عيب، ثم طرأ عليه عيب آخر بعد القبض فليس له الرد وله أخذ الأرش. نعم لو اشترى حيواناً معيباً فطرأ عليه عيب جديد في الأيام الثلاثة التي له فيها الخيار فله الرد وإن قبضه، وكذلك الحال فيما إذا طرأ على المعيب عيب جديد في زمان كان الخيار فيه للمشتري خاصة.
(مسألة 79): إذا لم يكن البائع يعلم بخصوصيات ماله بل أخبره بها غيره، فذكرها للمشتري وباعه بناءً على ذلك أو على رؤية سابقة، ثم ظهر أنه كان أحسن من ذلك فله الفسخ.
(مسألة 80): إذا أخبر البائع المشتري بالقيمة التي اشترى بها السلعة، فيجب أن يخبره بكل الخصوصيات التي لها دخل في القيمة فيبيّن إن كان اشتراه نقداً أو نسيئة، وهل اشتراه بشرط أم لا. فلو لم يخبره ببعض تلك الخصوصيات. واطلع عليه المشتري بعد المعاملة فله الفسخ بخيار التدليس لأن إخفاء هذه الخصوصيات يُعد تدليساً.
ومنه ما لو أخبر البائع المشتري برأس المال ثم تبيّن كذبه في إخباره، فيتخير المشتري بين فسخ البيع وإمضائه بتمام الثمن الذي طلبه البائع في العقد.
(مسألة 81): إذا أعطى شخص ماله لآخر ـ كالدلال أو صاحب المتجرـ وعين قيمته وقال له: (بعه بتلك القيمة، وإن بعته بأزيد منه فالزيادة أجرة بيعك) كانت الزيادة للمالك، وللوكيل أن يأخذ أجرة عمله من المالك، وإذا قال له: (إن بعته بأزيد من ذلك فالزيادة لك جعالة)، كانت الزيادة للوكيل، وإذا باعه للآخر بسعر فباعه هذا الآخر بزيادة كانت الزيادة له.
(مسألة 82): لا يجوز للقصاب أن يبيع لحم الخروف ويسلم لحم النعجة، فإن فعل ذلك ثبت الخيار للمشتري إذا كانت المعاملة شخصية، وله المطالبة بلحم الخروف إذا كان المبيع كلياً في الذمة، وكذلك الحال فيما إذا باع ثوباً على أن يكون لونه ثابتاً فسلم إلى المشتري ما يزول لونه.