الصلاة والتحصين من الأمراض المعنوية

| |عدد القراءات : 2744
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 

بسمه تعالى

الصلاة والتحصين من الأمراض المعنوية[1]

كثيراً ما ألتقي بوفود الشباب وطلبة الجامعات وأستمع إلى أسئلتهم وهمومهم ومشاكلهم، والسؤال الأكثر تردداً هو: كيف نستطيع مقاومة المغريات والشهوات وأساليب الإفساد وهم يعيشون في بيئة مليئة باسباب الفتنة والإغراء متزامنة مع فورة الشباب وعنفوان القوى وهيجان العواطف.

وفي الحقيقة فإنّ المشكلة لا تختص بالشباب، فإنّه مادام الإنسان في هذه الدنيا فهو مبتلى بالإغراءات والشهوات والفتن ويخوض (جهاداً أكبر) لمواجهتها كما سمّاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث المشهور، ويعزّز قوة هذه الضغوط الميل العارم للنفس الأمّارة بالسوء نحو الاستجابة لها، مع تزيين الشيطان لها (إلهي إليك أشكو نفساً بالسوء أمّارة وإلى الخطيئة مبادرة وبمعاصيك مولعة) (إلهي أشكو إليك عدواً يضلني وشيطاناً يغويني.. يعاضد لي الهوى ويزيّن لي حب الدنيا).[2]

والإنسان في هذه المواجهة يحتاج إلى معونة ومناعة وتحصين كالتطعيم الصحي ضد الأوبئة والأمراض الجسدية، وهذه المعونة يحتاجها الإنسان قبل التعرض للامتحان وأثناءه وبعده، فما هي الوسيلة لتحصيل هذه المعونة والتطعيم والتحصين؟ والجواب بكلمة واحدة إنّها (الصلاة)، ومن دلائل عظمة الصلاة إنها هي هذه الوسيلة التي توفر الحصانة والمناعة في جميع تلك المراحل المترتّبة في الفضل والسمو، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (عباد الله، إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله جل ذكره: الإيمان بالله وبرسله وما جاءت به من عند الله،... وإقامة الصلاة فإنها الملة).

ولبيان ذلك نقول أما قبل الامتحان فيحتاج الإنسان إلى اللطف الإلهي والعناية الإلهية لتحميه من الابتلاء بالمعاصي أصلاً، أو حمايته منها عند عروضها عليه حيث يبصّره الله تعالى بحقائق تلك المعاصي المنفرّة الموجبة للاشمئزاز والتقزّز وليس الاقبال والرغبة، وهذا ما توفره الصلاة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (الصلاة تستنزل الرحمة)[3] وعنه (عليه السلام) : (ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك الجبار ومن يُكثِر قرع باب الملك يُفتَح له)[4] وعنه (عليه السلام) (إذا قام الرجل إلى الصلاة أقبل إبليس ينظر إليه حسدا، لما يرى من رحمة الله التي تغشاه).[5] وعنه (عليه السلام): (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله ما سره أن يرفع رأسه من سجوده).[6]

ومن تغشته رحمه الله وأحاط به جلاله فهو في أمن وأمان وحصن وثيق من الوقوع في شراك إبليس، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الصلاة قربان المؤمن) وكلما اقترب الإنسان من ربّه ابتعد عن الشيطان وموجبات الوقوع في المعصية، وإذا وُفِّق الإنسان إلى هذه المرحلة فهي الأكمل والأسمى والأعظم عند الله تعالى حينما لا يجد في نفسه أي ميل للمعصية ولا رغبة له فيها، وبالتالي فهو لا يجد أي مشكلة في اجتنابها.

وفي المرحلة الثانية أي عند الابتلاء بما يوجب المعصية وحينما يكون بين خيارين أحدهما كبح جماحِ النفس والفوز بطاعة الله، وثانيهما الانسياق وراء الشهوة والوقوع في المعصية، وهنا يأتي دور الصلاة في زيادة مناعته وتحصينه من الوقوع في المعصية بل أن الثمرة الأبرز لإقامة الصلاة هي هذه، قال تعالى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) (العنكبوت/45)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (اعلم أن الصلاة حُجزةُ الله في الأرض، فمن أحبّ أن يعلمَ ما أدركَ من نفعِ صلاته، فلينظر: فإن كانت حَجَزَتهُ عن الفواحش والمنكر فإنما أدرك من نفعها بقدرِ ما احتجزَ).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) (الصلاة حصن من سطوات الشيطان)، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله (لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن هائباً له ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيّعهن اجترأ عليه)، وهذه المرحلة وإن كانت أقل درجة من سابقتها لأن الإنسان يجتنب المعصية بمعاناة ومشقّة وجهاد، إلاّ انها مرحلة عظيمة أيضاً.

أما في المرحلة الثالثة وهي ما بعد الفعل ونفترض أن العبد لم يستفد من بركات صلاته مما أدى إلى سقوطه في الخطأ لسبب أو لآخر فإن الصلاة هي التي تمدّ حبل النجاة لإنقاذه على نحوين:

أولهما: إعادته إلى الحالة الصحيحة وتطعيمه من جديد ضد الانحراف والمعصية وزيادة مناعته بجرعة أكبر، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال ـــ في رجلٍ يُصلّي معه ويرتكبُ الفواحش-: (إنّ صلاته تنهاهُ يوماً ما، فلم يلبث أن تابَ)، وعنه (صلى الله عليه وآله) قال ــ في رجل يُصلّي بالنهار ويسرقُ بالليل-: (إنّ صلاته لتردعهُ).

ثانيهما: إنها تكفّر الإثم الذي ارتكبه وتبيّض صفحته التي اسودّت بفعل المعصية وتمنحه فرصة التكامل من جديد، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه أخذ غصناً من شجرة كانوا في ظلّها فنفضه فتساقط ورقهُ ثم فسّر لأصحابه ما صنع فقال: (إن العبد المسلم إذا قام إلى الصلاة تحاتّت عنه خطاياه كما تحاتَت ورقُ هذه الشجرة).

وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول أرجى آية في كتاب الله ?وأقم الصلاة طرفي النهار وزُلفاً من الليل> وقال يا علي والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إن أحدكم ليقوم من وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه لم ينفتل وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه فإن أصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عد الصلوات الخمس ثم قال يا علي إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم فما يظن أحدكم لو كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات أكان يبقى في جسده درن فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي).[7]

موقع الصلاة في الدين

لهذا كله احتلت الصلاة موقعاً مهماً من الدين.

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (مثلُ الصلاةِ مثلُ عمودِ الفُسطاط؛ إذا ثبتَ العمودُ نفعت الأطناب والأوتاد والغشاءُ، وإذا انكسرَ العمودُ لم ينفع طُنبٌ ولا وتدٌ ولا غشاء).[8]

ولهذا كانت الصلاة مقياس دين الإنسان والتزامه بما فرض الله تعالى عليه، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لكل شيء وجهٌ، ووجهُ دينكم الصلاة)[9]، وعنه (صلى الله عليه وآله): (أولُ ما ينظر في عمل العبد في يوم القيامة في صلاته، فإن قبلت نُظر في غيرها، وإن لم تُقبل لم ينظر في عمله بشيء)[10]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (الصلاة ميزانٌ، فمن وفّى استوفى).[11]

ولذا كثرت الوصايا بها، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (ليكن أكثر همِّكَ الصلاة، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين)[12]، ومما جاء في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لأولاده قبيل وفاته (الله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (أحب الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة، وهي آخرُ وصايا الأنبياء)[13]، وعنه (عليه السلام) (إن طاعة الله خدمته في الأرض فليس شيء من خدمته يعدل الصلاة).

التشديد على تارك الصلاة

فليس غريباً التشديد في قضية ترك الصلاة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (ما بين المسلم وبين الكافر إلاّ أن يتركَ الصلاة الفريضة متعمداً، أو يتهاون بها فلا يصلّيها)[14]، وعنه (صلى الله عليه وآله): (الصلاة عِمادُ الدين، فمن ترك صلاته متعمّداً فقد هدم دينه، ومن ترك أوقاتها يدخل الويل، والويلُ وادٍ في جهنّم كما قال الله تعالى (فويل للمصلين*الذين هم عن صلاتهم ساهون)[15]، وعنه: (من ترك الصلاة لا يرجو ثوابها ولا يخافُ عِقابها، فلا أُبالي أن يموتَ يهودياً أو نصرانياً أو مجوسيّاً).[16]

كيفية الصلاة التي تؤدي دورها الكامل في حياة الإنسان:-

ولكي تأخذ الصلاة دورها الكامل في حياة الإنسان لابد أن يؤتى بها بحدودها وشروطها.

(ومنها) الإتيان بها في أول وقتها، عن الإمام الصادق (ع): (لكل صلاة وقتان: أوّلٌ وآخرٌ، فأول الوقت أفضلُه، وليس لأحدٍ أن يتّخذ آخر الوقتين وقتاً إلا من علّةٍ، وإنما جُعِل آخر الوقت للمريض والمعتل ولمن له عذرٌ، وأولُ الوقت رضوان الله، وآخرُ الوقت عفو الله).[17] وعنه (عليه السلام): (فضل الوقت الأول على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا)[18]، وعنه (عليه السلام): (لفضل الوقت الأول على الآخر خيرٌ للمؤمن من ماله وولده).[19]

وروى الشيخ الصدوق في الفقيه بسنده عن حماد بن عيسى: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يوماً: تُحسِنُ أن تُصلّيَ يا حمّاد؟... قُم فصلِّ، قال: فقمتُ بين يديه متوجّهاً إلى القبلة فاستفتحتُ الصلاة وركعتُ وسجدتُ، فقالَ: يا حمّاد، لا تُحسن أن تصلّي؟! ما أقبح بالرجل ان تأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة؟![20]

(ومن) شروط تأثيرها الورع عن محارم الله تعالى، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لو صلّيتم حتّى تكونوا كالأوتارِ، وصُمتم حتى تكونوا كالحنايا، لم يقبلِ الله منكم إلاّ بورعٍ).[21]

(ومن) أبرز الموانع من قبولها وتأثيرها:

1-  عقوق الوالدين، عن الإمام الصادق (عليه السلام) (من نظر إلى أبويه نظر ماقتٍ وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة).[22]

2-  الغيبة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (من اغتاب مسلماً أو مسلمة لم يقبل الله تعالى صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة، إلاّ أن يغفر له صاحبه).

نصيحة وتوصية:

فاهتموا بصلاتكم أيها الأحبّة وحافظوا على أول وقتها وواظبوا على أدائها جماعة في المسجد مهما تيسر لكم لتزدادوا نوراً على نور واستزيدوا منها فوق الفرائض اليومية، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال لأبي ذر لما سأله عن الصلاة (خير موضوع، فمن شاء أقلّ ومن شاء أكثر) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) لما سئل عن أفضل الأعمال بعد المعرفة قال (عليه السلام): (ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة)، وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): (صلوات النوافل قُربات كل مؤمن).

خصوصاً صلاة الليل ولو بأقل عدد من الركعات، قال تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) (الإسراء79).

لقد لخّصَتْ الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هذه الأهمية للصلاة ودورها في تهذيب الإنسان وتكامله بقولها في خطبتها (فجعل الله... الصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر) فالصلاة تنزّه الإنسان وتطهّره من التكبر والعتوّ والتمرّد والإستكبار والفرعنة التي هي أساس الوقوع في المعاصي وإتّباع الشيطان والابتعاد عن الله تعالى ولشدّة اهتمامها (سلام الله عليها) بالصلاة سألت أباها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟ قال: يا فاطمة: من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمسة عشر خصلة، ستّ منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره) ثم عدّدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فراجع المصدر.[23]

فاغتنموا أيّها الأحبّة من الشباب والطلبة الجامعيين وجودكم في جوار أمير المؤمنين (عليه السلام) معزّين إياه باستشهاد الصدّيقة الطاهرة (عليه السلام)، واغتنموا هذه النفحات الفاطمية لتحصيل هذه المقامات الرفيعة والفرص العظيمة للطاعة والله ولي التوفيق.

 


[1] الكلمة التي تحدّث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) من خلال شاشة قناة النعيم إلى الآلاف من طلبة الجامعات والمعاهد العراقية المشاركين في فعاليات ومواكب الوعي الفاطمي مساء السبت 2/ج2/1434 الموافق 13/4/2013.

[2] من مناجاة الشاكين للإمام السجاد (عليه السلام).

([3] إلى 22) الأحاديث المذكورة هنا نقلها عن مصادرها في جامع أحاديث الشيعة: 4/29 وما بعدها، وفي ميزان الحكمة: 5/107- 135.

[23] مستدرك وسائل الشيعة: 3/23.