خطاب المرحلة (304)...اللهم اجعلنا من الدعاة إلـى طاعتك والقادة إلـى سبيلك

| |عدد القراءات : 2085
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

اللهم اجعلنا من الدعاة إلـى طاعتك والقادة إلـى سبيلك(1)

          علّمنا الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) مجموعة من الأدعية لندعو بها في زمن الغيبة، وأقول لندعو بها وليس لنقرأها، لأن مجرد قراءة الدعاء وتحريك اللسان به لا يحقّق معناه وتأثيره وإن كان هذا العمل لا يخلو من ثواب، لكن حقيقة الدعاء هي الطلب فلابد أن نحقق صدق الطلب في أنفسنا ليكون دعاءاً حقيقة. فهل يُعقل أن يطلب الإنسان الذرية الصالحة وهو لا يسعى للتزويج وتهيئة مقدماته، أو يقرأ دعاءاً لطلب الرزق وهو كسول جالس في مكانه لا يتحرك لكسب الرزق واستثمار الفرص المتاحة، فلا معنى للدعاء إلا إذا وفّر حقيقته وهو الطلب الصادق. والعمل الجدي لتحقيق ما دعا به وحينئذ سيجد الله تعالى حاضراً ومُلبياً طلبه بإذن الله تعالى.

          ومن تلك الأدعية المباركة المشهورة (اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة) هذا الدعاء الجليل الذي يلخص الهدف من بعثة الأنبياء والرسل وإنزال الشرائع بل الهدف من خلقة البشرية وهو إقامة التوحيد والعدل [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات:56) ليعبد الله حق عبادته وتسود كلمة التوحيد والحكم بالعدل، ولا يتحقق المعنى الكامل لهذا الغرض إلا حينما تقام دولة العدل الإلهي المباركة.

ومن فقرات هذا الدعاء (وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك) وقد قلنا أن المطلوب في الدعاء حقيقة الطلب والسعي الجدي لتهيئة مقدمات الاستجابة، ولكي يكون من الدعاة إلى طاعة الله تبارك وتعالى والقادة إلى سبيله عليه أن يوفّر في نفسه جملة من الصفات والمؤهلات، ومن أبرزها التفقه في الدين وتحمّل علوم أهل البيت (ع)، وإلا فكيف يكون بدونها دليلاً إلى الله تعالى وهادياً إلى رضوانه.

          ومن الغريب أن تقرأ ملايين الشيعة هذا الدعاء ولا يندفع إلا اليسير منهم لتحقيق مقدماته، ولكن هذا الاستغراب يزول عندما نعلم أن الانضمام إلى هذا الكيان الشريف (الحوزات العلمية) وتلّقي علوم أهل البيت (ع) وتحمّلها ونقلها إلى الناس من الألطاف الإلهية الخاصة التي لا يؤتاها الإنسان إلا باصطفاء من الله تبارك وتعالى.

          وأنتم –يا طلبة العلوم الدينية من مدغشقر- لم توفقوا إلى تحصيل العلوم في النجف الأشرف وتأتون من البلد الأفريقي البعيد (مدغشقر) مع بعد الشُقّة وضعف الإمكانيات واختلاف اللغة والثقافة وصعوبة الحياة إلا لخصلة كريمة فيكم ارتضاها الله تبارك وتعالى أو فعل كريم صدر منكم كالبر الشديد بالوالدين أو خوف الله تعالى في موقف عرض فيه الشيطان الحرام وزيّنه لكم فاتقيتم الله تبارك وتعالى، أو عمل إنساني نبيل أو غيرها مما لاحظه الله تعالى فيكم وأكرمكم عليه وأوجب رضاه، وليس اعتباطاً أن توفّقوا أنتم مع الصعوبات التي ذكرناها للدراسة في النجف ويحرم منها أهل النجف أنفسهم وهم على مقربة من أمير المؤمنين (ع) والمرجعية الدينية والحوزة الشريفة.

وحينما أقول هذا فإنه لا يعني أن تلتفتوا إلى أنفسكم لتبحثوا عن هذا الشيء الحسن الذي فيكم، لأن المخلص لا يعطي قيمة لنفسه ويزدريها دائماً، وإذا كان فينا شيء حسن فالله تعالى هو الذي يعرفه والحسن ما نال رضاه تبارك الله.

          وأول شعور ينتابكم أمام هذه الألطاف الإلهية الخاصة هو الشكر لله تعالى وإدامة هذا الشكر والشعور بالامتنان لله تبارك وتعالى، والتقصير والعجز عن أداء حق هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى، وأن يكون شكرنا شكراً عملياً بمعنى أن نكون بمستوى النعمة التي حبانا الله تبارك وتعالى بها فنبذل وسعنا في تحصيل هذه العلوم المباركة التي هي علوم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، ألا ترون بركة هذه النعمة والسعادة التي حققها الله تعالى لكم، فتكحلون أعينكم يومياً بالحرم العلوي المطهر وتطالعون في كتبكم يومياً أسماء الأئمة الطاهرين (ع) وأصحابهم الكرام، وتلتقون يومياً بأقرانكم من المؤمنين الصالحين المتعلمين على سبيل نجاة، وتترددون بين المساجد والمشاهد المشرّفة وبيوت العلماء، فأي بركة أعظم من هذه.

          فاحرصوا على أن تكونوا أهلاً لهذه النعم ومن أهل هذا العنوان (الدعاة إلى طاعة الله والقادة إلى سبيله) ولا ينال ذلك إلا بالإخلاص لله تبارك وتعالى وتنقية العمل من الشوائب والأشواك الداخلية والخارجية.

          أما الداخلية فهي النابعة من داخل النفس كطلب العلم للتباهي والاستعلاء على الناس وتحصيل مكانة مرموقة، أو استدرار المال، أو لكي يحظى بقداسة وجاه ونفوذ في المجتمع ونحوه، وشيئاً فشيئاً تنمو هذه الشجرة الخبيثة في داخل الإنسان ويستدرجه الشيطان إلى ما هو أسوأ وأشقى حتى يصير كل همه طلب الدنيا ويطلب العلم لأجلها فيكون من الأخسرين أعمالا [الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً] (الكهف:104).

          وأما الخارجية فنعني بها الصعوبات التي تواجهكم في هذا الطريق الشريف وتعيق مسيرة طلبة العلم حتى قيل: (العلم آفاته كثيرة) حيث إن قلة ممن بدأ مسيرة تحصيل العلم وصل إلى نهايته المرجوّة.

          نسأل الله تعالى أن يسدّد خطاكم وأن يزيدكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وأن يجعلكم من أهل هذا العنوان المبارك: الدعاة إلى الله تعالى والقادة إلى سبيله، وما عليكم إلا الصبر والمصابرة والمثابرة والجد وإخلاص النية إن شاء الله تعالى. وستجدون عند الله تعالى وعند رسوله (ص) وعند أمير المؤمنين (ع) ما يسركم ويقر أعينكم بفضل الله تبارك وتعالى.



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع مجموعة طلبة العلوم الدينية من مدغشقر الذين يدرسون في النجف وعددهم (21) طالباً مع مدير المدرسة يوم الخميس 14/ذ.ق/1432 الموافق 13/10/2011.