خطاب المرحلة (281)... أعطوا أكبر زخم ممكن للشعائر الحسينية شكلاً ومضمونا

| |عدد القراءات : 4662
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

أعطوا أكبر زخم ممكن للشعائر الحسينية شكلاً ومضموناً

تأسّياً بالإمام الرضا (عليه السلام)([1])

          تصادف اليوم السابع عشر من صفر ذكرى استشهاد الإمام الرضا (ع) وقلّما يحتفل بشـــهادته؛ لاندماج ذكراه في المشاركة الواسعة في الزيارة الأربعينية والسير على الأقدام إلى كربلاء المقدســـــة،وصحيحٌ إنَ الأئمة (ع) ذوبوا قضاياهم في القضية الحسينية الكبرى التي حفظت الإسلام وخلدت مبادئه كما قال الشاعر:          

أنست رزيتُكم رزايانا التي        سلفت وهونت الرزايا الآتية

          ولكن هذا لا يعفينا من مسؤولية إحياء ذكرى الإمام الرضا(ع) في هذهِ الأجواء الحسينية، ونشير هنا إلى واحدة من بركات الإمام الرضا (ع) على هذهِ الأمة فقد كان أول من عقد المآتم الحسينية علناً وبمشاركة جماهيرية واسعة، حيث أستثمر الفرصة التي أُتيحت له حينما حاول المأمون العباسي كسب ود العلويين وتقريب الإمام الرضا (ع) وفرض ولاية العهد عليه لأهداف أراد العباسي تحقيقها لم تكن لتخفى على الإمام الرضا (ع) فرفض الولاية، ولما أكرهه عليها أشترط عليه أن لا يمارس شيئاً من صلاحيات السلطة، وأفشل بذلك مخططات المأمون، لعلم الإمام (ع) أن القضية شكلية، والظروف غير مهيأة للقيام برسالة الإصلاح، لكنه (ع) مع ذلك استثمر تلك الفرصة في عدة قضايا، منها إحياء الشعائر الحسينية بشكل علني حيث كان يعقد المآتم الجماهيرية ويطلب من دعبل الخزاعي إنشاء تائيته المشهورة وكان دعبل يجوبُ بها الأسواق والساحات العامة وينشر فضائل ومظلومية أهل البيت (ع) وغصب حقهم، أما قبل الإمام الرضا (ع) فقد كان الأئمة(ع) يعقدون المآتم الخاصة في بيوت لهم ولأهل بيتهم وخواص أصحابهم، كما هو واضح في سيرة الإمام الصادق (ع) و الإمام الرضا (ع) نفسه قبل توفر هذهِ الفرصة.                                                                                                                 

          وهكذا كان علماء الشيعة ومراجعهم (قدس الله أرواحهم) يستثمرون كل انفراج سياسي وانحسار في بطش السلطة ليوسعوا من مساحة هذه الشعائر وتفعيلها في أوساط الأمة، وخصوصاً في الفترات التي شهدت نشوء حكومات ترفع لواء التشيع وتدعم الحركة الشيعية لأمور خاصة بتلك السلطات ولا علاقة لها برسالة أهل البيت (ع) ونوابهم كفترة حكم البويهيين في بغداد.

          وقد شهدت هذه الفترة عصراً ذهبياً للحوزة العلمية وأنجبت أفذاذاً شغلوا ركيزة أساسية في تأصيل تعاليم أهل البيت (ع) في العقيدة والفقه والأخلاق والتفسير وسائر العلوم، وقاد هذه الحركة على مدى مئة عام ابن قولويه صاحب كامل الزيارات والشيخ الصدوق ومن ثم الشيخ المفيد وبعده السيد المرتضى ثم الشيخ الطوسي (قدس الله أرواحهم جميعاً)، وفي هذا العصر أصبح يوم عاشوراء عطلة رسمية تعطل فيها الأسواق  وتنتشر مظاهر الحزن، وشَهدَ أول ظهور للمواكب السيارة التي ترثي أبا عبد الله وصحبه الكرام وتبرز مظلوميتهم وأهداف حركته المباركة.                                                                       

          وهكذا كان التقدم والتوسع يتحقق في كل فرصة تحصل سواء في أيام الدولة الفاطمية في مصر أو الدول الحمدانية في الشام أو غيرها حتى العصر الحديث.                                                                                                      

          ونحن –أيها الأحبة من زوار أبي عبد الله (ع)- نعيش اليوم أوسع فرصة لممارسة هذا الدور فلنبذل قصارى جهودنا في إعطاء أكبر زخم ممكن للشعائر الحسينية شكلاً ومضموناً.                                                                     

          أما شكلاً فمن خلال هذهِ المشاركة الواسعة من قبل الملايين سواء ممن شاركوا في مواكب السير على الأقدام من أقصى الأماكن وقطعوا مئات الكيلومترات في هذا البرد القارص والأمطار الغزيرة،ومعهم من قاموا بخدمة هؤلاء الزوار ووفروا لهم الطعام والمأوى وكل أسباب الراحة لمواصلة المسير، والذين انشغلوا بتوفير الخدمات الصحية والماء والحماية وكل الأمور الضرورية الأخرى، ونشهد في كل عام ازدياداً ملحوظاً للمتتبع من خلال عزاء طويريج والمسيرة المليونية لزيارة الأربعين والمآتم الحسينية العامرة بآلاف الحضور والتي تنقلها الفضائيات مباشرة أحياناً.                                       

          وأما مضموناً فمن خلال تجسيد مبادئ الثورة الحسينية وتحقيق أهدافها،فإن نداء الإمام الحسين (ع) (هل من ناصر) لا زالَ يتردد في أرجاء الأرض، وهو لا يطلب أنصاراً بالسيف ونحوه لأن القضاء الإلهي جرى باستشهاده وأهل بيته (ع) وإنما يطلب أنصاراً يعينونه على إنجاز مشروعه وإكمال رسالته في إصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف في وجه أئمة الضلال وسلاطين الجور وتحرير الناس من اسر الطواغيت وشياطين الأنس والجن.                                                                                                                                  

          وها هي الشعوب المسلمة تتحرك في تونس وغيرها متأثرين بالإنجازات التي حققها الشعب العراقي بفضل الله تبارك وتعالى وأستنقذَ جزءاً كبيراً من حريته وكرامته، وهذا هو الواقع وأن لم تصرح تلك الشعوب بذلك لكن التأثر واضح وسيعم كل الشعوب الحرة الأبية.                                                                                                                  

          أيها الأحبة نريدكم أن تُدخلوا السرورَ على قلب نبيكم (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (ع) والزهراء والحسن والحسين وإمامكم المهدي الموعود(صلوات الله عليهم أجمعين) بالالتفات إلى المضامين الرسالية لهذه الشعائر وأولها المحافظة على الصلوات المفروضة في أوقاتها فإذا حان وقت الصلاة وقال المؤذن (حي على الصلاة) قولوا (لبيك ربنا) وأوقفوا كل حركةٍ واصطفوا للصلاة في أي موضع كنتم فيه وادعوا ربكم لكل خير ولكل حاجة وستحظون بالإجابة إن شاء الله فإن فعلتم ذلك فإن الأخوة الآخرين سيتأسونَ بكم، ولا تؤخروا الصلاة لأي مبرر كالوصول إلى موضع الاستراحة ونحوها، فإن الإمام الحسين (ع)أقامَ الصلاة جماعة في وقتها ظهر يوم عاشوراء والأعداء قد أحاطوه به وأمطروه بنبالهم.   

          والتزموا أيها الأحبة بكل فضيلة أخلاقية والتزموا بأداء الواجبات واجتنبوا المحرمات.

          فعليكم-أيها الشباب- ببر الوالدين والإحسان إلى الآخرين،والتزمي - أيتها الأخت الفاضلة - بحجابكِ وعفافكِ وحيائكِ ولا تعطي فرصة لمن في قلبه مرض،وإذا استلزم الذهاب إلى الزيارة شيئاً من المحرمات فلا يجوز لكِ الذهاب.                                                                              

          لقد اختاركم الله تعالى أيها الأعزاء من أهل العراق لتكونوا دعامة الانطلاقة المباركة لمدرسة أهل البيت (ع)، والطليعة في حركة التمهيد للظهور الميمون التي نلمس تأثيرها المبارك على العالم كله فصونوا الأمانة وكونوا بمستوى المسؤولية المُلقاة على عاتقكم وكل بحسب الموقع الذي أنتم فيه، فليواظب الطالب على دراسته ويجتهد لتحصيل أرقى الدرجات،وليكن الموظف دءوبا في عمله نزيهاً أميناً على ما كُلفَ به،وليقم طلبة الحوزة العلمية بدورهم في اكتساب العلوم والفضائل ونشرها في أوساط الأمة، وهكذا الجميع.                                                                                                          

          أعاننا الله تعالى وإياكم على طاعته وبلغّنا رضاه وجمعَ بيننا وبين أحب خلقه إليه أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين (صلى الله عليهم أجمعين).


([1]) من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (مُدَ ظله) مع حشد كبير من الزوار القاصدين كربلاء المقدسة سيراً على الأقدام من مختلف المحافظات الجنوبية يوم السبت 17/صفر/1432هـ المصادف 22/1/2011م.