توجيهات حول خروج النساء مشياً إلى كربلاء من مسافات بعيدة أياماً عديدة

| |عدد القراءات : 23691
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى  

تنويه : نظراً لكثرة التساؤلات و الاستفسارات حول توجيهات سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي - دام ظله - صدر مؤخراً توضيحُ وبيانُ موسعُ حول هذه التوجيهات جزاكم الله خيراً

بسمه تعالى

توجيهات حول خروج النساء مشياً إلى كربلاء من مسافات بعيدة أياماً عديدة

وجّه سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) النساء المؤمنات التوّاقات للتأسّي بالسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأبنتها العقيلة زينب (عليها السلام) والراجيات شفاعتهنّ إلى أن يمتنعن عن الخروج مشياً على الأقدام إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) اذا كان يستلزم مخالفة شرعية –كعصيان الزوج-، أو لم تأمن المرأة من الوقوع في المخالفة أو التسبّب فيها كالذي سنشير إليه في حالة كون خروجهن من مسافات طويلة تتطلب أياماً من المسير في البوادي والقفار مما يتطلب المبيت في اماكن لا يعرفونها مسبقاً كالذي يحصل للسائرين من المحافظات جنوب العراق.

وقد أجمع الفقهاء على حرمة خروج المرأة من بيتها إذا استلزم مخالفة شرعية.

وقال سماحته في بيان مبرّراً الامتناع :

إنّ المعروف و المروي عن سيرة نساء اهل البيت (عليهم السلام) خصوصاً السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والعقيلة زينب (عليها السلام) هو القرار في البيوت التزاماً بقوله تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } (الأحزاب : 33)، والاحاديث الشريفة المتواترة التي تحث المراءة المسلمة على ذلك، بحيث يُروى ان العقيلة زينب (عليها السلام) كانت اذا ارادت الخروج لزيارة جدّها (صلى الله عليه واله وسلم) وأمها الزهراء (عليها السلام) كان يحوطها أبوها امير المؤمنين (عليه السلام) وأخواها الحسن والحسين (عليهما السلام) ويطفئ الامام قناديل المسجد لئلا يُرى شخصها مع هذه العناية التامة.

واذا الجأتهن الضرورة لخروج او سفر فانه يكون بحشمة ووقار وحماية رجالهن الشجعان الغيارى، ويخرجن راكبات في هوادج كما خرجت العقيلة زينب والهاشميات مع الامام الحسين (عليه السلام) واخوته وشباب بني هاشم.

ولم يبرزن امام الرجال الاجانب ماشيات على الاقدام حتى لو كن بحجابهن، والذي حصل لهن من الظهور أمام الاجانب في الاسر بعد يوم عاشوراء كان قهراً عليهن وبفعل لئام الامويين، وليس فعلاً اختيارياً لهن حتى تتأسى به النساء المؤمنات المواليات .

فخروج النساء بالشكل الذي نراه من المدن البعيدة في البوادي و القفار، والمبيت في بيوت ناس لا يعرفونهم وقد يكون بعضهم من المندسين المتسترين باسم الإمام الحسين (عليه السلام) في هذا الزمان الذي كثرت فيه الذئاب و الوحوش بهيئة الانسان، مخالف لأدب الشريعة ولا يرضى به الامام الحسين (عليه السلام) قطعاً ولا السيدة الزهراء (عليها السلام) ولا العقيلة زينب (عليها السلام).

ومع تقديرنا وافتخارنا بحجاب اخواتنا المؤمنات وعفافهّن وحرصهن البالغ على المحافظة على اوامر الشريعة مما نشاهده على الشاشات ونباهي العالم به، وعميق ولائهن لأهل بيت النبوة مما يولد حماساً واندفاعاً للقيام بكل ما يوصف بان فيه تأسياً بهم (سلام الله عليهم)، الا ان المشكلة ليست من جهتهن، وانما من جهة الظروف المحيطة بهذه الحركة، ونحن حينما نتخذ موقفاً معيّناً نلحظه من جميع الجهات بحسب ما يّيسره الله تعالى .

ويضاف الى هذا ما شاهدناه وما سمعنا به من امور يأباها الشارع المقدس، نذكر بعضها في نقاط :

1-  إنّ مثل هذه الرحلة الطويلة ومبيتهنّ في دور الغرباء تتطلب رعاية خاصة للمرأة وتوفير احتياجاتها – كالمنام وقضاء الحاجة- مما يجعلها في حاجة للرجال وهم أجانب، وقد تتعرض خلال رحلتها لبعض ذوي النفوس المريضة، إذ ليس كل الناس من الملائكة، فتحصل فتنة وظروف مريبة، وكثيراً ما يُسبّب وجودهنّ قلقاً وجهداً إضافياً لأصحاب الدور المضيّفة لمواكب المشاة على الطريق حتى يخرجوا بسلام من عهدة هذه الأمانة الثقيلة.

2- إنّ غيابهنّ عن بيوتهنّ وأطفالهنّ ومن يحتاج إلى رعايتهنّ هذه المدّة يؤدي إلى التقصير في وظائفهنّ وكثيرا ما يكون الزوج او رب الاسرة مشغولاً بعمله ووظيفته إذ لا يستطيع التغيّب كل هذه المدة، ولذا قد تضّطر بعض النساء لاصطحاب الأطفال وهم لا ينضبطون فيضيع الأطفال وتتحول الرحلة إلى كارثة، لذا فإنّ كثيراً من أولياء الأمور و الأزواج لا يرضى بخروج زوجته لهذا السبب لكنّه لا يستطيع أن يمنعها لأنّه يُخوَّف بأنّه سيكون معادياً للإمام الحسين (عليه السلام)، حيث أصبح البعض يُمارس قضية الحُسين كإرهاب فكري لجبر الناس على قرارات لا يرضون بها، وقد صرّح كثير من الرّجال بعدم رضاهم بخروج أزواجهم إلاّ أنّهم يُجابهون بالخطوط الحمراء التي صَنَعَتها العواطف والأهواء، وبين أيدينا الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المرأة التي شكت زوجها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّه يمنعها من الخروج لزيارة أبيها الذي أثقله المرض ثمّ مات أبوها ولم يأذن لها زوجها بالخروج فكان جواب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لها (أطيعي زوجكِ) وبشّرها بالثواب العظيم.

 

3- إنّ الزحام الشديد في الزيارة وصعوبة تحصيل واسطة النقل في طريق العودة يتسبب في حصول مخالفات شرعية كثيرة شاهدناها عبر وسائل الإعلام ونبّهنا عليها في بعض خطاباتنا، كمسك الرجل الأجنبي للمرأة حتّى يُساعدها على الصعود، أو التصاق بعضهم ببعض في سيّارات الحمل بسبب اكتظاظ الركّاب وسقوط بعضهم على بعض عند حصول توقّف مفاجئ للسيّارة، أو التدافع المختلط لتحصيل وجبة الطعام وغير ذلك من المحرّمات الشرعية التي يجب اجتنابها بترك مثل هذا الخروج.

وقال سماحته في خطاب موسّع له: إنّ إخراج النساء مع وجود مثل هذه المخالفات يُخشى أن يكون تأسياً واقتداءاً بلئام الأمويين الذين أخرجوا حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في البوادي والقفار وليس تأسياً بالعقيلة زينب (عليها السلام) والهاشميات، فإنّهنّ لم يتخذنّ هذا الخروج سُنّةً وعادة باختيارهنّ بل صرّح الإمام السجاد (عليه السلام) لأبي حمزة الثمالي أن أقسى فصول مأساة كربلاء على أهل البيت (عليهم السلام) هي خروج النساء بين الرجال الأجانب في تلك المجالس والمسافات الطويلة، ولم يسمح أحد من الأئمة (عليهم السلام) بتكرار هذه الحالة. وحينما دعاهن واجب طاعة الإمام (عليه السلام) بالخروج معه كُنَّ راكبات مصونات بحماية رجالهنّ الأبطال الغيارى، والرواية مشهورة عن المازني قال (جاورت أمير المؤمنين (عليه السلام) عشرين عاماً فما رأيت لزينب بنت علي شخصا).

نعم إذا دعانا الواجب الإلهي إلى أي تضحية بالنفس أو المال أو إخراج النساء كان على المؤمن الاستجابة وبالهيئة التي توافق ما يريده الشارع المقدس .

إنّ التأسي الحقيقي بالعقيلة زينب يكون بالتفقّه في أحكام الدين كما كانت (عليها السلام) عالمة غير معلّمة وبالعفاف وصون الحرائر وعدم إبرازهنّ للرجال الأجانب وبالالتزام بطاعة الله تعالى حيث لم تترك العقيلة زينب (عليها السلام) صلاة الليل حتّى ليلة الحادي عشر من محرم.

وقال سماحته أنّ المأثور في روايات المعصومين هو قرار النساء في بيوتهنّ وعدم خروجهنّ، وإذا التزمت المرأة بذلك فإنّها ستُعطى حينئذٍ ثواب من قصد تلك المشاهد المقدّسة، فقد روى الشيخ الصدوق في الفقيه والطوسي في التهذيب عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله (خير مساجد نسائكم البيوت) وروى في مكارم الأخلاق قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) (صلاة المرأة وحدها في بيتها كفضل صلاتها في الجامع خمساً وعشرين درجة).[1]

إن هذه الدعوة المخلصة لا تتضمن منع النساء من زيارة الامام الحسين (عليه السلام) مطلقاً حتى لو خلت الزيارة من اي مشكلة، لانها قيدّت - بصراحة ووضوح - الامتناع بالظروف والمخالفات المذكورة وتستطيع النساء الذهاب الى الزيارة بحشمة ووقار في غير هذه الظروف الموجبة للامتناع .

وهذا موقف يشاركنا فيه كل غيور على الدين وحرماته، وممن صرح به السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في الخطبة الاولى من صلاة الجمعة المباركة السادسة في مسجد الكوفة المعظم، حيث منع النساء من الخروج الى زيارة المعصومين (عليهم السلام) اذا كان في ذلك اختلاط وظهور النساء أمام الرجال فكيف اذا اضيف اليها المبيت عدة ليالٍ عند أجانب لا يعرفونهم، قال (قدس سره) :

((نحن نعمل المستحبات ونعمل المحرمات في نفس الوقت أيجوز ذلك ؟ طبعا لا يجوز، هل ننال شفاعة المعصومين بالتجاوز على المعصومين وهتك حرماتهم ؟ هو يذهب ليتبرك بضريح الامام فيلعنه الامام الذي ذهب اليه، ويلعنها الامام الذي ذهبت اليه، فيخرج بلعنة الامام، لا يخرج بشفاعة الامام.

المسألة بسيط جدا .

كل شخص عنده أم، أخت، بنت، أخ، جيران، صديق، ينصح بعضكم بعضا بالارتداع عن ذلك وعن غير ذلك، خير لك ان تركتها، اترك الزيارة خير لك من ان تذهب بهذه الزيارة الخاطئة الخائبة، ....امنعوا جيرانكم واسرتكم عن مثل هذا التهتك وهذا الاحتقار للدين و المعصومين (عليهم السلام))).[2]

ولعلنا سنجد من يحرّف الكلم عن مواضعه ويزعم اننا نمنع من ذهاب النساء لزيارة الامام الحسين (عليه السلام) مطلقاً، وهذا ما لا يمكن ان يقوله احد لوجود الروايات التي تصرح بحث النساء كالرجال على زيارة الامام الحسين (عليه السلام)، مضافاً الى شمول النساء بإطلاقات الروايات التي تحثّ على زيارة الامام الحسين (عليه السلام) وتذم تاركها بلا عذر، كما ان المرأة مشمولة بإطلاقات الآيات الكريمة و الاحاديث الشريفة التي تساوي بين الذكر و الانثى في الاعمال الصالحة وجزائها، وزيارة الامام الحسين (عليه السلام) منها .

واذكر من يدفع النساء المؤمنات العفيفات المواليات للسير من هذه المسافات البعيدة من دون اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتجنب المشاكل و المخالفات، وهو لا يُرسل نساءه الى تلك المسافات لتسير مع النساء، ويصون اهله في الترف و النعيم، اذكّره بقول العقيلة (عليها السلام) لئلا يكون مشمولاً به، فقد جاء في كلماتها التي صدمت بها يزيد الطاغية:

(أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك واماءك، وسوقك بنات رسول الله (صل الله عليه وآله) سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، يستشرفهن أهل المنازل والمناهل، ويتصفّح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهّن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي)

وفي الختام دعا سماحة الشيخ (دام ظله) جميع المؤمنين والمؤمنات إلى أن يكونوا شجعاناً لا تأخذهم في الله لومة لائم ويقدّموا رضا الله تعالى على رضا أنفسهم وعواطفهم، ويستجيبوا لهذه الدعوة التي فيها حياة لهم في دنياهم وآخرتهم، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/24).

 

 

 


28/محرم /1434

13/12/2012



[1]) هذه الروايات وغيرها في وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب30.

[2] ) دستور الصدر : 68-69