ثواب إنشاء مواكب الخدمة ودور الاستراحة على طرق الزوّار والمسافرين
بسم الله الرحمن الرحيم
ثواب إنشاء مواكب الخدمة ودور الاستراحة على طرق الزوّار والمسافرين
شجّع الشارع المقدّس كثيراً على فعل المعروف بكل أشكاله ونعني بالمعروف كلّ ما فيه خير للناس، وهي مساحة واسعة مما يتقرّب به إلى الله تبارك وتعالى تبدأ من التحيّة والسلام وبشاشة الوجه والكلمة الطيبة التي وصفها الحديث الشريف بأنها صدقة، إلى المشاريع الخيرية الضخمة كبناء المستشفيات والمدارس والمساجد وطباعة الكتب وإنشاء الوحدات السكنية للمحرومين والفضائيات التي تكون سبباً لهداية الناس وصلاحهم.
وجعل الله تعالى ثواباً عظيماً لمن قام بمثل تلك الأعمال، والله تعالى غني عن العالمين وعن كل ما يقومون به، وإنّما يريد بذلك أن ينشئ خير أمة اُخرجت للناس تسودهم الرحمة والإنسانية وحبّ الخير.
هذا هو الدين الذي نؤمن به ونطبّقه في حياتنا ونسعى لإقناع البشرية به، فليخسأ من يُسمي الدين أفيون الشعوب ومن يريد أن يجرّد الأمة من دينها وأخلاقها ليعيدها إلى الحيوانية والهمجية.
هذه كلّها كالمقدمة البسيطة لرواية أحببت إيرادها مع إطلالة شهر صفر الخير حيث يندفع المؤمنون الموالون لأهل بيت النبوة في جميع أنحاء هذا البلد ليشاركوا في المسيرة المليونية مشياً على الأقدام إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، موزّعين الأدوار بينهم بشكل مذهل من دون اتفاق مسبق ولا رعاية هيئة أو مؤسسة أو دولة.
والرواية أوردها الشيخ الصدوق (قدس سره) بسنده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : (ومن بنى على ظهر طريق مأوى عابر سبيل ، بعثه الله يوم القيامة على نجيب من در وجوهر ، ووجهه يضيء لأهل الجمع نوراً ، حتى يزاحم إبراهيم خليل الرحمن في قّبته ، فيقول أهل الجمع : هذا ملك من الملائكة لم نر مثله قط ، ودخل في شفاعته الجنة أربعون ألف ألف رجل.
ومن شفع لأخيه شفاعة طلبها ، نظر الله إليه فكان حقا على الله أن لا يعذبه أبدا ، فإن هو شفع لأخيه شفاعة من غير أن يطلبها كان له أجر سبعين شهيدا.
ومن حفر بئرا للماء حتى استنبط ماءها فبذلها للمسلمين كان له كأجر من توضأ منها وصلى ، وكان له بعدد كل شعرة لمن شرب منها من إنسان أو بهيمة أو سبع أو طير عتق ألف رقبة ، وورد يوم القيامة ، ودخل في شفاعته عدد النجوم حوض القدس ، فقلنا : يا رسول الله وما حوض القدس ؟ قال : حوضي حوضي حوضي ، ثلاث مرات.)([1])
أقول: هذا الثواب العظيم الذي يمنحه الله تعالى لمن يبني مأوى على طريق المسافرين يستريحون فيه ويقضون حوائجهم ويتزوّدون بالطعام والماء لمواصلة رحلتهم، وقد ذكرته الرواية في مقطعها الأول والثالث، أمّا المقطع الأوسط فيتعرّض لمن يشفع ــ أي يتوسط ــ بجاهه وسمعته ونفوذه لقضاء حاجة أخيه المؤمن كأن يخطب له بنتاً أو يعيّنه في وظيفة أو يجد له عملاً أو يُسهّل له أمراً أو معاملة قد تعسّرت عليه.
ومما ينبغي الإلتفات إليه إنّ هذا الثواب المذكور في الرواية إنّما هو بلحاظ هذه الجهة أي كونه مأوى للمسافرين وعابري السبيل وقد يضاف له ثواب آخر بعدد العناوين التي تنطبق على هذا العمل، بعنوان إدخال السرور على المؤمن وقضاء حاجته لأن الزائر المتعب بحاجة إلى المكان الذي يستريح فيه وإلى الطعام الذي يقويه على مواصلة السير وهذا العنوان له ثوابه العظيم[2].
هذا كله في إنشاء مأوى للمسافرين بشكل عام، أما إذا كانت لخدمة زوار الإمام الحسين (عليه السلام) والسائرين إلى حرمه المطهّر مشياً على الأقدام وهم ضيوف الله ورسوله وأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) والإمام المهدي الموعود الذين يكفيهم شرفاً ورفعة دعاء الإمام الصادق (عليه السلام) لهم في الرواية المعروفة عن معاوية بن وهب في كتاب مفاتيح الجنان.
فيزداد بذلك ثواب إنشاء هذه الأبنية والمخيّمات ومواكب الخدمة للزوار على الطريق لتشريف الضيوف النازلين فيها، ولانطباق عناوين عديدة أخرى عليها، كعنوان إحياء أمرهم (عليهم السلام) وإقامة شعائر الله تبارك وتعالى التي ورد فيها قوله (عليه السلام) (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).
فلولا انتشار مواكب الخدمة على طول طريق المشاة إلى كربلاء لما تيسّر لهذه المسيرة المليونية أن تخرج، مضافاً إلى ما تشهده تلك الدور والمواكب والحسينيات من إقامة للشعائر الحسينية ومجالس الوعظ والإرشاد وصلوات الجماعة.
فمواكب الخدمة هذه على طول الطريق هي صدقة جارية مستمرة الثواب والأجر لبانيها ومؤسسيها والباذلين عليها، في رواية صحيحة عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (ليس يتبع رجل بعد موته من أجر إلاّ ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنة هدى سنّها فهي يُعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعوا له)[3].
وما دمنا على أبواب الزيارة الأربعينية المباركة فإنّ الالتفاتة إلى هذه الألطاف الإلهية يكون حافزاً لجميع الأخوة كي يؤدوا دورهم ويساهموا بالشكل الذي يناسبهم في إدامة هذه الحركة المباركة وإعطائها الزخم الذي يزيد في ثمراتها، وليحرص كل منهم على تقديم الخدمة الأهم والأكثر نفعاً ولا تقتصر على شكل واحد كإطعام الطعام، فالزوار بحاجة إلى أمور كثيرة وأهمها الزاد المعنوي من الموعظة والإرشاد والتوجيه وإقامة صلاة الجماعة وتوزيع منشورات تربط العبد بخالقه وبأئمته (سلام الله عليهم).
وفي موضوع ذي صلة فإنّا نلفت نظر المسؤولين إلى ضرورة إنشاء دور استراحة على طول طريق المسافرين الذين يشكون من عدمها حتّى في طريق الحجّ البرّي إلاّ ما ندر، بحيث يتحيّر من يريد قضاء حاجة، فلو وزّعت الدولة على طول الطريق مجمّعات فيها مسجد ومطعم وخدمات صحيّة متكاملة ومحطّة تعبئة وقود، ولا تتكلّف الدولة مبالغ إنشائها لأنّ المستثمر الذي يُعطى رخصة محطّة يشترط معه تنفيذ هذه الخدمات معها، وتوزَّع بشكل منتظم على طول الطرق ككل أربعين كيلومتر مثلاً ونحوها كما رأينا في بعض الدول المجاورة بحيث لا يشعر المسافر الذي يقطع مئات الكيلومترات بأي مشكلة.
محمد اليعقوبي 3 صفر 1434
([1]) وسائل الشيعة كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أبواب فعل المعروف باب20 ح1.
([2]) وقد وردت في ذلك روايات كثيرة (منها) صحيحة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال (أوحى الله عز وجل إلى داود (عليه السلام) إنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنّتي، فقال داود (عليه السلام): يا رب وما تلك الحسنة؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سروراً ولو بشقّ تمرة، قال داود (عليه السلام): يا ربِّ حقّ لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك).
ومما ورد في قضاء حاجة المؤمن عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال (إنّ الله عزّ وجل خلق خلقاً من خلقه انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم على ذلك الجنة، فإن استطعت أن تكون منهم فكن).
راجع: وسائل الشيعة، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب فعل المعروف، باب 24، 25.
([3]) وسائل الشيعة: 13/292 كتاب الوقوف والصدقات باب1 ح1.