تقييم الحركات المسلحة لمواجهة السلطات

| |عدد القراءات : 3675
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

تقييم الحركات المسلحة لمواجهة السلطات

توجد قضيتان تتعلقان بمعارضة السلطات الظالمة المنحرفة المستبدة ومواجهتها بالسلاح: خفي التفريق بينهما على كثير من المتصدين منذ زمان المعصومين(عليهم السلام) وإلى اليوم، فوقع الكثيرون في ما لا ينبغي فعله ولا يجوز لهم التصدي له بما يعني ذلك من خسائر باهظة بالأرواح والممتلكات وكيان الأمة:

إحداهما: الخروج لطلب الإصلاح وإقامة السنن وإماتة البدع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد تتطلب مواجهة مسلحة في النهاية دفاعاً عن النفس –كمافي حركة الإمام الحسين(عليه السلام)- أولاستنقاذ الحق وإعادته إلى أهله–كمافي حركة زيد الشهيد(رضوان الله تعالى عليه .(

 ثانيهما: التحرك لقلب نظام الحكم وانتزاع السلطة بقوة السلاح كالكثير من ثورات العلويين في عصر الأئمة (عليه السلام) وإلى اليوم.

والحركة الأولى ممدوحة سواء قادها الإمام الحق كالإمام الحسين(عليه السلام) أو من يتحرك بإذنه ويعمل تحت رايته كزيد الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) وهذا ما يظهر من روايات المعصومين(عليهم السلام) في مدح زيد والثناء عليه كما في الرواية الصحيحة عن الإمام الصادق(عليه السلام) ومنها قوله(عليه السلام): (إن أتاكم آت فانظروا على أي شيء تخرجون، ولا تقولوا خرج زيد، فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه، وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه( الحديث.

أما الثانية فقد كان الإمام (عليه السلام) ينأى بنفسه عنها ويحذّر أصحابها من مغبّة عملهم لأنها غالباً ما تكون غير مكتملة المقدمات ولا تؤدي الغرض المطلوب وهو إقامة المجتمع الصالح وحكومة العدل الإلهي  وإلى مثل هذه الحركات تشير بعض الروايات الناهية عن التحرك كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ( كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله عز وجل)  والرواية عن علي بن الحسين(عليه السلام) قال: (والله لا يخرج أحدٌ منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به).

وكان البعض يدفعه حب الرئاسة والزعامة – كبعضبني الحسن(عليه السلام)- حيث يجدون أن أولاد عمهم الحسين(عليه السلام) قد استأثروا بالإمامة ويأسوا من الحصول عليها فاختاروا هذا الطريق لتحصيل الزعامة ولو بالمغامرة، فإن المغامرين يرتكبون الأهوال ويضحون بأنفسهم من أجل تحقيق الأرقام القياسية!!.

ولذا كان الأئمة المعصومون (عليهم السلام) لا يقيسون أحداً من أولئك بزيد الشهيد ويفرّقون بينهم في المنهج والأهداف كما في الرواية السابقة وفي الرواية الأخرى  عن الرضا (عليه السلام) أنه قال للمأمون ( لا تقس أخي زيداً( ) إلى زيد بن علي، فإنه من علماء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) غضب لله فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله).

وكان الإمام الصادق(عليه السلام) يقول عن مثل هؤلاء: (إنه لا يطيعنا وهو وحده فكيف يطيعنا إذا ارتفعت الرايات والأعلام).

لكن الأئمة(عليهم السلام) كانوا يتألمون لفشل تلك الحركات ويبكون ضحاياها ويتعاطفون معها بالشكل الذي لا يعرضهم لاتهام السلطات الجائرة بانضمامهم إليها أو دعمها و تأييدها كما يظهر في رسالة الإمام الصادق(عليه السلام) لبني الحسن(عليه السلام) المعتقلين في سجون المنصور العباسي، وتألم الإمام الكاظم(عليه السلام) لضحايا معركة فخ، وكان الأئمة(عليهم السلام)يرون في تلك الحركات إشغالاً للسلطة عن متابعة نشاطاتهم، ومن ذلك ما ورد في مستطرفات كتاب السرائر أنه (ذكر بين يدي أبي عبد الله (عليه السلام) من خرج من آل محمد(صلى الله وآله وسلم) فقال: لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولوددت أن الخارجي يخرج من آل محمد وعليَّ نفقة عياله).

والكلام في هذه المطالب يطول ولا يسعه المقام( )  ولكن في ما قلناه تذكرة لكثير ممن تقمصّوا  غير مواقعهم  فسببّوا الكثير من البلايا والمحن لشيعة أهل البيت(عليهم السلام) في عدد من بلاد المسلمين وليس في العراق وحده.

وإذا سألت كيف يمكن التمييز في هذه القضية الملتبسة وفرز أوراق الحق عن الباطل، قلت الجواب سهل وهو الرجوع إلى أولي الأمر الذين أمر الله تعالى بالرجوع إليهم وهم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) في زمن حضورهم ونوابهم من العلماء العدول العارفين بالظروف المحيطة بهم والقارئين بعمق لسيرة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ومواقفهم.

وفي ذلك ورد في الرواية الصحيحة عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: (عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لأنفسكم فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها، والله لوكان لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرّب بها ثم كانت الأخرى يعمل على ما قد استبان لها ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم).