السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وتثبيت الأمة على الصراط المستقيم
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وتثبيت الأمة على الصراط المستقيم([1])
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المخلوقات وسادتهم أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته
ثلاثة أيام في الإسلام أراد الله تبارك وتعالى لها أن تثبّت عقيدة الأمة وتصحح مسيرتها وتحفظ الإسلام نقياً ناصعاً سليماً من الزيغ والانحراف الذي يريده طلاب الدنيا لتحقيق مصالحهم الذاتية، ومثّلت هذه الأيام أهم منعطفات في حياة الأمة:
الأول: يوم الغدير وبيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إماماً للأمة وخليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومكملاً لرسالته المباركة، فجعله الله تعالى يوم إكمال الدين وإتمام النعمة؛ لأنه يوم خلود الرسالة وعدم اندثارها بموت صاحبها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
الثاني: يوم القيام الفاطمي حينما انقلبوا على الأعقاب بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أخبر به الله تعالى: [أفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ] (آل عمران:144)، وهو يوم الفرقان في معركة التأويل التي خاضها أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحسب ما ورد في حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): (تقاتل على التأويل كما قاتلتُ على التنزيل)([2]) أي تخوض حربَ تصحيح المفاهيم والسلوكيات وتقويم الانحراف ووضع النقاط على الحروف وبيان التفاصيل.
الثالث: يوم عاشوراء، يوم التضحية بالقرابين النفيسة لفضح الحكام المستبدين الفاسقين المحاربين لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن بعد يوم عاشوراء تميّز خط الإمامة والخلافة الإلهية عن خط الملك والسلطنة والصراع على الحكم [لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ] (الأنفال:42) وانتهى عصر خلط الأوراق وتداخل الخنادق.
ولو أطاعت الأمة ربّها وما أنزله على رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما بلَّغ في اليوم الاول (يوم الغدير) لما احتاجت إلى اليوم الثاني وهو يوم القيام الفاطمي الذي دفعت فيه الزهراء (عليها السلام) حياتها ثمناً له وهي في عمر الزهور حيث لم تتجاوز ثمانية عشر ربيعاً.
ولو استُمعت نصيحة الزهراء (عليها السلام) في قيامها المبارك وأعادت الأمة الحق إلى نصابه ودفعته إلى أهله وأذعنت لحق أمير المؤمنين (عليه السلام)، لما حصل الانحراف والانحدار بالأمة حتى تطلَّب تقويمُ المسار سفكَ دم سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيد شباب أهل الجنة وسبي عقائل النبوة من بلدٍ إلى بلدٍ يتصفح وجوههن الأعداء.
ولأجل الحفاظ على الإسلام النقي الأصيل لا بد من إحياء هذه الأيام الثلاثة بما تستحقه، وإظهار معانيها الحقيقية، وقد مرّت قرون على الأمة لم يشهد فيها اليومان الأولان حقهما من الاهتمام الواسع إما تقيةً أو مجاملة لئلا تجرح مشاعر الآخرين (والحق أحق أن يُتَّبع) [وَاللهُ أحَقُّ أنْ تَخشَاهُ].
وبقي يوم الحسين (عليه السلام) وحده معطاءً كريماً حفظ عقيدة الأمة وحماها من الانحراف والزيغ، فلو نال اليومان الآخران ما ناله يوم الحسين (عليه السلام) لاتسعت البركات ولتحقق الفتح بإذن الله تعالى، وهو ما نشهد علائمه وطلائعه اليوم.
فالأمة مدينة بصلاحها واستقامتها وثباتها على الدين وسعادتها في الدنيا والآخرة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين ولفاطمة الزهراء (صلوات الله عليهما) وللقلة القليلة التي ثبتت معهم وحفظت نهجهم وآثارهم للأجيال، وهم قليلون بالعدد إلا أن عطاءهم كبير عمّ ببركاته كل الأجيال.
لقد كان للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) الأثر الحاسم في تثبيت الأمة عندما انزلقت يوم الانقلاب على الأعقاب، ولم يستطع أحد أن يقف موقفها فقد ضعفت الهمة وجبنت القلوب وخارت القوى وارتفع صوت الشيطان، وعمّت الشبهات وتبلّدت العقول فلم تدرك خطورة الموقف والنتائج الكارثية المترتبة عليه، وكان كل همّها (عليها السلام) أن تحفظ مسيرة الإسلام على الصراط المستقيم.
أيها الأحبة:
إن مفردة الثبات والتثبيت من القضايا التي اهتم القرآن الكريم بمعالجتها لأن الإنسان يتعرض في هذه الدنيا إلى ابتلاءات كثيرة ومزالق خطيرة لا ينجيه منها إلا طلب التثبيت من الله تعالى والعمل على تحصيل ذلك، لذا كان مطلب المؤمنين في ساحات المواجهة مع الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء والأعداء من الناس هو [رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ] (البقرة:250) [وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ] (آل عمران:147).
وكانت صفة الثبات عند مزالّ الأقدام هي من الصفات البارزة في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي وصفه بها أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الصباح: (والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأول)([3])، وجسّد هذا الثبات في حياته الشريفة حيث لم يجامل ولم يداهن ولم يضعف ولم يقصّر، والشواهد على ذلك كثيرة.
وتأسى به أهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) والصالحون من أتباعه، وكان ديدنهم الثبات والمداومة والصبر والمصابرة حتى آخر نفس ولا معنى لـ(التقاعد) في حياتهم، وبهذا أمرت الأحاديث الشريفة بحيث جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها)([4]).
ونحن في هذا الزمان بأمسّ الحاجة إلى التثبيت لكثرة الشبهات وانتشار الضلال والفساد واجتماع الأعداء وتفرّق الإخوان، ولا يتحقق الفوز وحسن الخاتمة إلا بالثبات على الاستقامة، عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال: (من ثبت على ولايتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد، مثل شهداء بدر وأحد) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: والذي بعثني بالحق بشيراً، إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر)([5]).
ولا ينال ذلك إلا بالألطاف الإلهية الخاصة والعمل الجاد لتحصيلها، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن الله عز وجل إن شاء ثبّتك فلا يجعل لإبليس عليك طريقاً)([6])، وفي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى، لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق قلت: وكيف دعاء الغريق؟ قال: تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)([7])، ومن أدعية القرآن الكريم [رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا] (آل عمران:8) وفي مجمع البيان: (قيل: لما نزلت آية {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} [الإسراء : 74] قال النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ أبداً)([8]).
فلا يجوز لنا أن نغترّ بمقدار الإيمان الذي نحن عليه والالتزامات الظاهرية التي نؤديها ما لم تقترن بالثبات على الإيمان والاستقامة في موارد الامتحان والابتلاء عندما تتعرض الأقدام للانزلاق بسبب اتباع الهوى والركون إلى الدنيا والتفرّق عن الهادين إلى الحق.
وقد دلّتنا الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) على ما يثبّت الإيمان في قلوبنا ويدفعنا إلى العمل الصالح وهو اتباع أمير المؤمنين (عليه السلام) والسير على نهجه والتمسك بولايته، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (ما ثَبَّتَ الله حبَّ علي في قلب مؤمن فزلَّت به قدم إلا ثبَّتَ الله قدماً يوم القيامة على الصراط)([9]).
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (أثبَتُكم على الصراط أشدُّكم حباً لأهل بيتي)([10])، وورد عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) في تفسير قوله تعالى: [وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً] (النساء:66) عن الصادق (عليه السلام): (ولو أن أهل الخلاف فعلوا ما يوعظون به في علي (عليه السلام) )([11]).
ولقد أمرنا الله تعالى بالثبات والصمود على الدوام ودعانا إلى تحصيل أسباب الثبات والاستقامة على الإيمان، بطاعة الله تبارك وتعالى وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والصبر وترك التنازع والخلاف المؤدي إلى الانهيار والفشل والإحباط [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ، وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] (الأنفال: 45-46) [وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً] (النساء:66).
ومن الوسائل الوثيقة لتحصيل الثبات هي التقوى، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق)([12]).
والورع عن محارم الله تعالى، عن الإمام الصادق (عليه السلام) وقد سئل عما يثبت الإيمان في العبد، قال: (الذي يثبته فيه الورع، والذي يخرجه منه الطمع)([13]).
ولا يثبت الإيمان ويؤتي ثماره إلا بالعمل الصالح، عن الإمام الصادق (عليه السلام): (ولا يثبت الإيمان إلا بعمل)([14]) وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) برجل يغرس غرساً في حائط له، فوقف له وقال: ألا أدُلّك على غرس أثبت أصلاً وأسرع إيناعاً وأطيب ثمراً وأبقى؟ قال: بلى فدُلَّني يا رسول الله، فقال: إذا أصبحت و أمسيت فقل: سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإن لك إن قلته بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنة من أنواع الفاكهة وهن من الباقيات الصالحات)([15]).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (من زهد في الدنيا، ولم يجزع من ذلها، ولم ينافس من عزها، هداه الله بغير هداية من مخلوق، وعلمه بغير تعليم، وأثبت الحكمة في صدره وأجراها على لسانه) وفي الحديث (من زار الحسين في بقيعه ثبته الله على الصراط يوم تزل فيه الأقدام)([16]).
إن التثبيت على الإيمان والاستقامة لطفٌ يؤتيه الله من يشاء من عباده [وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً] (الإسراء:74) [قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] (النحل:102) [وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ] (الأنفال:11) [كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ] (الفرقان: 32).
ولكنه مع ذلك ينطلق من داخل النفس المطمئنة بالإيمان والمحبة لله تبارك وتعالى الذين ذكرهم في كتابه الكريم ووصفهم بأنهم يقومون بأفعال الخير انطلاقاً من رغبتهم النفسية في التثبيت والمداومة على الطاعة: [وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ] (البقرة: 265).
فإذا صدق العبد مع ربّه وسعى بالدعاء والعمل للثبات على الإيمان والهدى ثبّته الله تعالى وآمنه وأسعده في الدنيا والآخرة [يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ] (إبراهيم: 27)، وورد في تفسيرها عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الشيطان ليأتي الرجل من أوليائنا عند موته عن يمينه وعن شماله ليضلّه عما هو عليه فيأبى الله عز وجل له ذلك)([17]).
وهذا الخير للأمة هو ما أرادته الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتيها فدعتهم إلى أن يأووا إلى الركن الشديد الثابت أمير المؤمنين (عليه السلام) وحذَرت من مخالفته: (ويحهم أنّى زعزعوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطَبِين بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين) [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ] (الأعراف:96) وقد حذّرتهم من عاقبة انقلابهم وأنهم بذلك يؤسسون لواقع فاسد وفتنة عظيمة تحرق بشررها كل الأجيال اللاحقة: (أما لعمري لقد لَقِحت، فَنَظِرَةٌ ريثما تُنتج([18])، ثم احتلبوا ملء القُعْب([19]) دماً عبيطاً وزعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبَّ ما أسس الأولون).
وأنتم ايها الفاطميون الموالون بإحيائكم للشعائر الفاطمية ونصرتكم لله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإظهار المودة لأهل البيت (عليهم السلام) تتمسكون بحبل وثيق من التثبيت الإلهي عند المزالق في الدنيا، وعلى الصراط في الآخرة، قال تعالى: [إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد:7).
وأي نصرة لله تعالى أعظم من نصرة أوليائه وإظهار حقّهم، وإنصافهم من ظالميهم، فنصرة الزهراء (عليها السلام) وإنصافها من أعظم موارد الحديث الشريف عن رسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه، ثبّت الله تعالى قدميه يوم تزل الأقدام)([20]).
وقد منّ الله تعالى عليكم بسبب فاعل آخر للتثبيت وهو انتظار فرج إمامنا المهدي المنتظر (أرواح العالمين له الفداء) والأمل بإقامة الدولة الكريمة على يديه، روى علي بن يقطين عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: (قال لي أبو الحسن (عليه السلام): الشيعة تُربّى بالأماني منذ مائتي سنة) وشرحها علي بن يقطين بقوله: (فلو قيل لنا: إن هذا الأمر لا يكون إلى مائتي سنة أو ثلاث مائة سنة لقست القلوب ولرجع عامة الناس عن الإسلام، ولكن قالوا: ما أسرعه وما أقربه تألّفاً لقلوب الناس وتقريباً للفرج))([21]).
ولكم أيها الثابتون على الحق في زمان الغيبة وردت البشرى من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتب الشيعة والسنة قال: (سيأتي قومٌ من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا: يا رسول الله نحن كنّا معك ببدر وأُحُد وحنين ونزل فينا القرآن! فقال: إنكم لو تُحمَّلون ما حُمِّلوا لم تصبروا صبرهم)([22]).
([1]) الخطاب السنوي الذي يلقيه سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف) على عشرات الآلاف من المؤمنين الذين يحيون شعائر الزيارة الفاطمية عند أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف لسنة 1433.
([2]) بحار الأنوار: 37/191، وفي السنن الكبرى للنسائي: 5/154: (علي يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله).
([3]) الزحاليف: جمع زحلوفة وهو المكان شديد الزلق لانحداره وملسه، والزمن الأول بحسب الظاهر هو زمن الخلق والإشهاد وأخذ العهد [وإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُرِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أنْ تُقُولُوا يَومَ القِيَامَةِ إنّا كُنَّا عَن هذا غَافِلِينَ] (الأعراف:172).
([4]) ميزان الحكمة: 2/1410.
([5]) الحديثان في ميزان الحكمة: 1/180.
([6]) الكافي: 2/425.
([7]) ميزان الحكمة: 1/181.
([8]) تفسير الصافي: 4/436.
([9]) ميزان الحكمة: 1/136.
([10]) ميزان الحكمة: 2/1610.
([11]) تفسير الصافي: 2/266 عن أصول الكافي.
([12]) نهج البلاغة: 3/171 من كتاب له عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو عامله على البصرة وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها.
([13]) ميزان الحكمة: 1/200.
([14]) الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي: 1/434.
([15]) الكافي: 2/506.
([16]) الحديثان في ميزان الحكمة: 2/1172.
([17]) تفسير الصافي: 4/239 عن الفقيه وتفسير العياشي.
([18]) تنتج أي تلد والنتاج هو الوضع أو الولادة للبهائم. لسان العرب: مادة (نتج).
([19]) القُعْب: القدح الضخم، وقيل: قدح من خشب مقعّر، وقيل: هو قدح إلى الصغر. لسان العرب: مادة (قعب)، واللوحة التشبيهية التي رسمتها الزهراء (عليها السلام) بليغة للغاية صورّت فيها الفتنة وكأنها دابة ستولد بعد حين من لقاح الفتنة ثم يكون جميع ما يجنونه ويحتلبونه منها الدم العبيط.
([20]) ميزان الحكمة: 1/659.
([21]) الكافي: 1/369 والغيبة للطوسي: 207 وعنهما البحار: 52/102.
([22]) الغيبة للطوسي: 275 والخرائج: 284 وعن الطبراني الكبير: 10/225 وسنن أبي داود: 4/123 وابن ماجة: 2/1330 والترمذي: 5/257 وغيرها.