الدور العالمي للنجف الأشرف والمرجعية الدينية فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
الدور العالمي للنجف الأشرف والمرجعية الدينية فيها
أجرت الباحثة الفرنسية صابرينا ميرفان([1]) لقاءاً موسعاً مع سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله)، وتضمن اللقاء محاور عديدة عن المرجعية ومسؤولياتها ودورها في حياة الأمة وعن الحوزة النجفية واهتماماتها ومظاهر التجديد فيها ومناهجها، والعلاقة بين حوزتي النجف وقم المقدستين وقد أرجعها سماحته إلى جملة من مؤلفاته وخطاباته التي تجيب عن كثير من التساؤلات، ككتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) ومقدمة الرسالة العملية (سبل السلام) لمعرفة دور المرجعية –التي هي امتداد للإمامة- في حياة الأمة، وكتاب (الرياضيات للفقيه) و (المعالم المستقبلية للحوزة الشريفة) لمعرفة معالم التجديد والتطوير في الحوزة العلمية والخطوات العملية التي أنجزت على أرض الواقع وثمراتها بفضل الله تبارك وتعالى.
وتعضيداً لانشغالها بدراسة الشعائر الحسينية من ناحية إنسانية وانثروبولوجية فقد أبدى سماحته اهتمامه بهذا المنحى من الدراسات وحثّه على الاستفادة من هذا العلم، وذكر لها مثالاً للتعاطي مع أحاديث المعصومين (عليهم السلام) بهذا المنظار ذكره في محاضرته عن مكافحة مرض الأيدز التي أعدّت في نفس زمن اللقاء لعرضها في اليوم التالي بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الأيدز.
وأجاب سماحته على سؤالها عن الفرق بين الحوزة التقليدية والمدارس المجدّدة بأن الأسس والمنطلقات واحدة فكلانا نستند إلى القرآن الكريم والسنة الشريفة وندرس نفس العلوم، الا أن المدرستين تختلفان في الرؤية للحياة والمستقبل وللمسؤوليات المناطة بهم ودورهم في الأمة، فالحوزة التقليدية ترى أن وظيفتها تقتصر على البحث والتدريس وقبض الحقوق الشرعية وانفاقها في مواردها وكتابة الرسالة العملية.
أما الحوزة الحركية أو الناطقة أو الرسالية أو الصالحة بحسب اختلاف العناوين التي أطلقها زعماء هذه المدرسة فإنها ترى أن مسؤولياتها أوسع من ذلك وقد بيّناها في مقدمة الرسالة العملية (سبل السلام) وتعطي هذه المدرسة أهمية كبرى للفقيه المرجع وولايته لشؤون أمر الأمة، لأنّهم يرون فيه الشخص الأجدر بقيادتها لاجتماع المؤهلات فيه، وهو يضع الآليات المناسبة لإدارة شؤون البلاد والعباد.
ونتيجة لاختلاف الرؤية والمسؤوليات فإن القدرة على مخاطبة الأمة وتنوع الخطاب يختلف بين المدرستين، فبينما تقتصر الحوزة العلمية التقليدية على اللغة العلمية الـصرفة، فإن المدرسة الحركية تضيف إلى رصانة الطرح في المسائل العلمية، عمومية الخطاب وشموليته واستيعابه عندما تتناول قضية عامة، وهذا واضح من تنوع مؤلفات علماء المدرسة الحركية، واقتصار آثار المدرسة التقليدية على العلوم الحوزوية المتداولة.
وتحدّث سماحته عن الدور السياسي للمرجعية وحدوده بما يوافق وظائفهم الإلهية وذكر أمثلة من سيرة المعصومين (عليهم السلام)، وعن الفوارق بين مدرستي النجف وقم وعن كيفية استحقاق موقع المرجعية والوصول إليه بالانـتخاب الطبيعي إذا صحت التسمية.
([1]) جرى اللقاء بتاريخ 2 محرم/1433 الموافق 28/11/2011 ورافقها د.صلاح مهدي الفرطوسي وجاء في تعريفها انها مستشرقة فرنسية مختصة بالتاريخ وقد عاشت سنين في لبنان والتقت عن قرب بمرجعيتها وعلمائها وبحثت عن الشيعة والتشيع في التاريخ المعاصر، والحركة الإصلاحية في جبل عامل منذ أواخر العهد العثماني إلى استقلال لبنان وطبعت الدراسة في كتاب وقد ترجم، وتهتم الآن بالبحث عن المرجعية والحوزة العلمية كما تشتغل بدراسة الشعائر الحسينية من ناحية إنسانية انثروبولوجية، وقد استفادت الباحثة من لقائها مع سماحة المرجع في محاضرتها التي ألقتها في مؤتمر عقد في فرنسا برعاية منظمة اليونسكو وجامعة السوربون أوائل هذه السنة 2012 عن الجانب الجيوسياسي لمدينة النجف بمناسبة اختيار النجف عاصمة للثقافة الإسلامية، كما ألقى في المؤتمر باحثون وأكاديميون كبار محاضرات فيها معلومات دقيقة ومنهم رئيس جامعة السوريون الذي قدم بحثاً عن عالمية النجف مقارنة بـ(35) مدينة عالمية وركز على بعدها الإنساني العالمي، وشارك من النجف عدد من الأساتذة والباحثين.