خطاب المرحلة (189)... أعمال غسل العار بين الشريعة والقانون

| |عدد القراءات : 1698
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 أعمال غسل العار بين الشريعة والقانون

             تلقى سماحة الشيخ اليعقوبي رسالة من إحدى أعضاء البرلمان العلمانيات تطلب رأي سماحته في مادتين في (قانون العقوبات) العراقي ضمن سعيهم (للحد من مظاهر العنف في المجتمع) بحسب ما ورد في الرسالة.

    والمادتين هما:

            المادة (409): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه في حالة تلبس بالزنا أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل أحدهما أو اعتدى على أحدهما اعتداءً أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة.

            المادة (41/1): تأديب الزوج زوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً وقانوناً أو عرفاً.

 

            فكتب سماحته الجواب التفصيلي التالي الغني بالفوائد :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

  

          لقد أحيطت التشريعات الإسلامية المتعلقة بالمرأة بكثير من التشويش والخلط وسوء الفهم، ولذا انبرى عدد من العلماء والمفكرين لإزالة هذا اللبس والغموض , ومن ضمن تلك الجهود دعوتنا لكتابة (الأربعون حديثاً في قضايا المرأة) وكتبنا ملخص تلك القضايا، ومنها (فلسفة التشريعات المتعلقة بالمرأة) لأنه كما قيل (إذا عُرف السبب بطل العجب) وقد استجاب أحد الإخوة وألّف كتاباً بهذا العنوان و طبع هذا الكتاب بفضل الله تبارك وتعالى وسأرفق لكم نسخة من دعوة الكتابة وكتاب (فلسفة تشريعات المرأة) للاطلاع على مزيد من التفاصيل.

          وأسجل ملاحظتين قبل أن أعلق على مورد السؤال:

1- أقدّر كل الجهود المخلصة لتكريم المرأة ورفع الحيف والظلم الذي لحق بها عبر الأجيال.

2- إن الشريعة الإسلامية هي أفضل القوانين التي كرمت المرأة ونظرت إليها بتوازن وعرّفت حقوقها وواجباتها في ضوء المسؤوليات المناطة بها، ولا غرابة في ذلك فان هذه الشريعة من وضع الله تبارك وتعالى صانع الإنسان وخالقه والخبير بما يصلحه ويوازن بين عوالمه (عالم الروح والنفس والعقل والقلب والجسد) فليس فيها إفراط الحضارات المادية التي ألقت حبل المرأة على غاربها فحولتها إلى سلعة بيد الرجال فامتهنوا شرفها وكرامتها ثم يرمونها على قارعة الطريق بعد قضاء وطرهم أو بوار سلعتها.

          وليس فيها تفريط الجهلة والمتعصبين الذين ينظرون إليها بتعالي وقهر وكأنها مملوكة لهم إلى حد استعمال الأساليب الوحشية.

          أما فيما يتعلق بالمادة (409) المشار إليها:

1- إن فرض عقوبات في حالات انتهاك القانون شيء مهم وضروري لاستقامة الحياة وردع المتجاوزين، وبدون وجود عقوبات فستحصل حالات التمرد وانتهاك حقوق الآخرين, قال الله تبارك وتعالى: [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (البقرة: 179) وفي المثل السائر (من أمن العقوبة أساء الأدب).

2- لكن هذه العقوبات يجب أن تتناسب مع المخالفة فلا إفراط ولا تفريط وهو مقتضى العدالة .

3- إن الشريعة المقدسة فرضت قيوداً شديدة لإثبات حالة الزنا ومنها شهادة أربعة من الرجال المنزهين عن أي دوافع شخصية غير الشهادة بالحق ويشهدون على رؤيتهم نفس الحالة المعروفة وليس أنهم رأوا مقدماتها أو ملابستها.

          وهذه الشروط لا تحقق إلا نادراً للسرية التي تحاط بها العملية فكان هدف الإسلام هو الستر على من يمر بحالة ضعف أمام شهوته الجنسية ويرتكب هذا الفعل الشنيع الذي وصفه القرآن بأنه [كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً] (الإسراء: 32) وقد توصل العلم الحديث إلى معنى سوء السبيل هذا حيث يتسبب الزنا وكل الممارسات الجنسية غير المشروعة في كوارث صحية واجتماعية على رأسها مرض الأيدز الفتاك.

4- بما أن الزوجة حالة خاصة إذ لا يمكن للزوج تحقيق هذه الحالة من الشهادة فقد أذن الشرع المقدس للزوج أن يقيم الحد الشرعي على زوجته إذا رأى نفس حالة الزنا وليس مقدماتها او مستلزماتها كالنوم في فراش واحد مع رجل غريب ونحوها, والحد الشرعي على المرأة المحصنة (أي التي لها زوج يلبي حاجتها الجنسية والاقتصادية) هو القتل؛ لأن هذا الفعل المقزّز وفي ظل عدم وجود مبرر مشروع لها بعد توفير الزوج لاحتياجاتها المذكورة تكون انتهاكاً صارخاً للنظام الاجتماعي العام الذي تحفظ به الحقوق والواجبات.

5- من النقطة أعلاه يتبين أن هذا الحق خاص بالزوج مع زوجته ولا يشمل أي امرأة من محارمه كالأخت والبنت ولو فعل ذلك فيعتبر قاتلاً متعمداً ويُقتص منه.

6- إن ممارسة هذا الحق من قبل الزوج هو نوع من رد الاعتبار لشرفه وهو لا يعفيه من مسؤوليته أمام القانون لو رفع ذوو الزوجة دعوى ضدّه بأنه قتل زوجته لأغراض لا تتعلق بالشرف فعليه أن يدافع عن نفسه.

          أما بالنسبة للمادة 41/الفقرة 1 فنسجل الملاحظات التالية:

1- إن التأديب والزجر جزء من حالة الإصلاح التي يُقوَّم بها الفساد من أي جهة صدرت ولا خصوصية للزوجة أو الطفل أو أي شخص آخر.

          نعم، قد تختلف الجهة التي تقوم بعملية الإصلاح  فالأب يقوّم أبناءه والمعلم طلبته والقضاء والحكومة تقوم الشعب والبرلمان يقوّم عمل الحكومة وهكذا.

2- إن التأديب والإصلاح له مراتب دنيا وعليا ولا يجوز شرعاً الالتجاء إلى الدرجة العليا إذا كان من الممكن تحقيق الغرض بالمرتبة الدنيا فالمرتبة الأولى هي التوجيه والإرشاد والنصيحة والموعظة، والمرتبة الثانية هي الزجر والتوبيخ والتحذير من العقاب والمرتبة الثالثة: هي الضرب الذي لا يؤدي إلى جرح أو كسر وهكذا فإذا أمكن الإصلاح بالموعظة والتوجيه فلا يجوز الضرب وهكذا ومن فعل ذلك فهو معتدي آثم ويستحق العقوبة.

3- إن المؤدِّب لا بد أن تكون له صلاحية القيام بهذه الوظيفة لذا ذكَر الفقهاء شروطاً للقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب ما استفادوه من القرآن الكريم والسنة الشريفة.

4- في ضوء ما ذكرناه تكون عملية التأديب إحساناً إلى المؤدَّب وإصلاحاً له وتقويماً لسلوكه وليس اعتداءً عليه وقد قال تعالى: [مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ] فلا يؤاخذ من أحسن إلى غيره وإن كان التصرف يُنظر إليه على انه إساءة إلى الطرف الآخر.

          لذا نوصي بما يلي:

أولاً: بالنسبة للمادة 409:

1-  رفع عبارة (إحدى محارمه) وإبقاء الزوجة فقط وإذا قتل غيرها بهذه الصورة فيعتبر قاتلاً متعمداً وتطبق عليه أحكامه.

2-  إذا أقام ذوو الزوجة دعوى على الزوج فعليه إقامة البينة بأنه رأى زوجته ترتكب الجريمة على فراشه ولا تكفي مقدمات حالة الزنا أو ملابساتها وبدونها يعتبر قاتلاً متعمداً وبذلك نستطيع إيقاف الجرائم التي ترتكب بعنوان غسل العار.

 

          ثانياً: بالنسبة للمادة 41/الفقرة 1:

1- التأديب حق لمن له الولاية على المؤدَّب.

2- يجب أن يتناسب شكل التأديب مع حجم الإساءة.

3- لا بد أن يلاحظ في التأديب التدرج في الآليات وأولها التوجيه والنصح ثم الزجر التوبيخ ثم الضرب غير المبرَح الذي لا يؤدي الى جرح أو كسر أو عاهة.   

4-  من أدَّب بدرجة متقدمة مع تحقيق الغرض بدرجة أدنى فهو معتد ومسيء ويعاقب على ذلك ومن حق المعتدى عليه الرد.

     

محمد اليعقوبي –  النجف الأشرف

7 صفر 1429- 15/2/ 2008