خطاب المرحلة (166)... أيها الشباب الرسالي اثبتوا على الخير فإن الأمور بخواتيمها

| |عدد القراءات : 1969
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 أيها الشباب الرسالي اثبتوا على الخير فإن الأمور بخواتيمها (1)

 في الحديث الشريف (إن الله يباهي الملائكة بالشاب المؤمن الذي ينشأ في طاعة الله تعالى) فمن حقنا أن نفخر بكم أيها الشباب الرساليون، إذا كان الله تعالى يفخر بكم ويباهي بكم ملائكته، لان الملائكة مجبولون على الطاعة وخلقوا مفطورين عليها ويتحركون نحوها تلقائيا، أما انتم فقد خلق فيكم نوازع الخير والشر ووجودكم محاط بالشهوات الجاذبة والأهواء الصارفة، فحينما تنجحون في هذا الصراع المرير والدقيق والمستمر الذي لا هوادة فيه فأنكم أفضل من الملائكة بالتأكيد وأعلى منهم منزلة.

وما كان لذلك أن يتحقق لولا لطف الله تبارك تعالى وحسن توفيقه إذ وفّر لكم أسباب الهداية وأوّلها أن قدّر لكم أن تخلقوا في هذا المجتمع المؤمن الموالي لأهل البيت وبذلك فقد اختصر عليكم المسافة للوصول إلى الهداية، فتصوروا لو أن أحدكم ولد في بعض المجتمعات المنهمكة في الحيوانية والبعيدة عن الإسلام في أمريكا أو في مجاهل أفريقيا فما هو احتمال هدايتكم إلى هذا الخير الذي انتم فيه.

والمهم يا أحبتي أن تثبتوا على هذا الخير وتعضّوا عليه بالنواجذ فإن الأمور بخواتيمها كما ورد في الحديث الشريف، واذكر لكم شاهدين على الحديث

أولهما: الزبير بن العوام ابن عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ابن أخ خديجة الكبرى ومن السابقين للإسلام في أوائل الدعوة الإسلامية في مكة حيث تحمّل آذى قريش ثم هاجر إلى المدينة وشارك في بدر وأحد وأبلى بلاء حسناً وله في معركة الخندق موقف جليل حين انبرى إلى الفارس من قريش الذي وقع في الخندق حينما حاول مع عمرو بن عبد ود العامري عبوره وطلب من يبارزه في الخندق فنزل إليه الزبير وقتله.

ثم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من المدافعين عن بيت علي وفاطمة (صلوات الله عليهما) حتى كسر سيفه، وكان من الستة أهل الشورى وأعطى صوته لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، هذا التاريخ المشرف الذي لا يرقى إليه الكثيرون انهار حين بايعت الأمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانصرفت عنه الخلافة التي كان يحلم أن تصير إليه بعد مقتل الخليفة الثالث، حيث كان يحرّض هو وزميلاه على الخليفة، وقد أفسدت الدنيا التي انفتحت على المسلمين قلوب الكثير من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (حب الدنيا رأس كل خطيئة) حتى ترك أحدهم من الذهب ما يُكسَر بالفؤوس.

الزبير صاحب هذا التاريخ وهذه المواقف الجليلة يقود حرباً على أمير المؤمنين الإمام الحق والزبير يعرفه أكثر من غيره، وأزهقت أرواح الآلاف من المسلمين، وذكّره أمير المؤمنين بكلمات سمعاها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حق أمير المؤمنين فرجع عن القتال ولكن بعد أن أنشبت المنية أظفارها، ثم اغتيل من قبل أحد الجنود في جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) ولما جاءه قاتله بسيفه قبّله أمير المؤمنين وقال: سيف طالما كشف الكرب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال (عليه السلام) لقاتله: بشر قاتل ابن صفية – وهو الزبير – بالنار.

ثانيهما: الحر الرياحي الذي كان من كبار قادة جيش الأمويين وأرسله عبيد الله بن زياد على رأس ألف مقاتل حينما علم بتوجه الإمام الحسين (عليه السلام) إلى الكوفة ليأتي به أسيراً، وحصل ما حصل بينه وبين الإمام الحسين (عليه السلام) في الطريق حتى صار القرار أن يتخذ الإمام طريقاً لا يرجعه إلى المدينة ولا يذهب به إلى الكوفة فسار باتجاه كربلاء ووقعت الواقعة.

لكن الحر هذا حينما اصطف الجيشان للقتال يوم عاشوراء أدركته ألطاف الهداية فحكّم عقله في الموقف الذي يتخذه وكانت لحظات عصيبة ومهولة فأخذ يرتعد وقال له زميله: لو سئلت من أشجع من في المصر لما عدوتك فما هذا الخوف ، قال الحر: ويلك إنني أُخيّر نفسي بين الجنة والنار ولا أختار على الجنة شيئاً والتحق بصف الإمام الحسين خجلاً معتذراً عمّا سبق منه، ولما استشهد قال له الإمام (عليه السلام): حرٌ كما سمّتك أمّك حرّ، حرٌّ في الدنيا والآخرة وسعيد في الآخرة.

هذان مثالان لفريقين من الناس فكونوا ممن لا يختار على الجنة شيئاً ولا يكون ذلك إلا بأن تعملوا العمل الذي يؤدي بكم إليها وتثبتوا عليه [مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً ، كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً] (الإسراء 18-20).

تناقلت وسائل الإعلام صور الكارثة التي حلّت بالأطفال شديدي العوق في دار الحنان في بغداد، وبدلاً من أن يعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية مسؤوليته الأدبية والأخلاقية عن الكارثة ويستقيل حفظاً لكرامته وتسعى الجهات المختصة لمحاسبة المقصرين، يظهر السيد الوزير المدعوم من قبل المرجعية والذي ينتمي إلى أسرة علمية جليلة في النجف الأشرف على وسائل الإعلام ويندّد بالمغرضين الذين اظهروا الحالة على وسائل الإعلام، وأنه سيقاضي القوات الأمريكية والعراقية التي داهمت المقر بتهمة الإساءة إلى سمعة وزارته، علماً بأن هذه القوات لم تفعل ذلك إلا بعد أن استنجد ذوو الأطفال بها لأنهم قدّموا بلاغات إلى كل الجهات المعنية في الوزارة على مدى عدة أشهر لإيقاف الانتهاكات في الدار ولم يجدوا أذاناً صاغية.

هذا نموذج من كثيرين من المتصدين للعملية السياسية الذين يتشدقون بتاريخ طويل من الجهاد والنضال ضد الدكتاتورية وأنهم انتموا إلى الحركة الإسلامية منذ عشرات السنين وتراهم يسقطون بسبب حب الدنيا في بئر عميقة من الظلم وسرقة أموال الشعب واللامبالاة والانغماس في الأنانية وترك الشعب يحترق والبلد يُدمّر ، فما قيمة ذلك التاريخ وماذا سينفعهم؟

أيها الشباب الأحبّة الأنقياء كلكم قادرون على أن تنخرطوا في تيارات وجهات تحقق لكم الثروة والتسلط على رقاب الناس، ولكنكم زهدتم فيها وآثرتم التمسك بمنهج الهدى والصلاح فطوبى لكم وحسن مآب وحقاً إن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة ونحن نتقرب إلى الله تعالى بمحبتكم ومواددتكم والسعي الحثيث لخدمتكم بما نستطيع والله ولي التوفيق.



 ([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع وفد رابطة الطالب الرسالي في الناصرية يوم الخميس 27/جمادي الثاني/1428 هـ المصادف 12/7/2007.