خطاب المرحلة (164)... لا بد من إصلاح فوري في العملية السياسية

| |عدد القراءات : 3738
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

لا بد من إصلاح فوري في العملية السياسية

 أجرى الدكتور طالب ألرماحي مدير مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في لندن لقاءً مع المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه في النجف الأشراف[1] تحدّث فيه عن تقييم أداء المرجعية ووظيفة المبلّغ الإسلامي وتداعيات العملية السياسية وكيفية إخراجها من عنق الزجاجة ونحن نقتطف منه ما يتعلق بالمحور الأخير:

د.الرماحي: هناك حديث عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني وهناك مساعي تبذل من قبل أطراف داخل العملية السياسية لإنشاء تحالفات فما هو موقف سماحتكم.

سماحة الشيخ: إن كل حركة يجب أن تكون ضمن الدستور لأنه أُقرّ من قبل أغلبية الشعب فيجب أن يحترم ويُصان، وإذا وُجد من يعترض على فقرات فيه فإن فرصة التعديل موجودة والمهم أن تنضبط الحركة بقواعد محترمة ومقبولة لدى الشعب، ونحن نرحّب بأي حراك سياسي ضمن هذا الإطار، فإذا كان ما تتحدث عنه من حكومة الإنقاذ الوطني كذلك فنحن أول من دعونا إليها لان الوضع السياسي بحاجة إلى عملية جراحية لاستئصال كل العقد الخبيثة التي أوصلت بلدنا وشعبنا إلى هذا الحال المزري وقدّمنا المعالم العامة لمشروع الإنقاذ الوطني من خلال عدة نقاط سلمناها إلى الدكتور برهم صالح عندما زارنا قبل سفره إلى مؤتمر شرم الشيخ([2]) الأخير، ولا زلنا نواصل تقديم النصائح والمشورة ونساعد في إيجاد حل.

أما إذا قُصِد بحكومة الإنقاذ الوطني الانقلاب العسكري وإلغاء العملية السياسية من أساسها فهذا ليس إنقاذاً بل انه يزيد الوضع تدهوراً وسوءاً.

د.الرماحي: هناك توقعات بسقوط حكومة المالكي خلال الأشهر القادمة نتيجة لفشلها في مهامها الأمنية والخدمية فهل توافقون على هذا.

سماحة الشيخ: لا استطيع أن أرجم بالغيب وأحدد تاريخاً لسقوط الحكومة ولكنها فعلاً لا تستحق البقاء لأنها فشلت في كل شيء، وبقاؤها إلى الآن ليس لنجاحها في إعمار البلد وتوفير الحقوق الأساسية للمواطن وأدائها لواجباتها، وإنما يحافظ عليها من بيدهم القرار لأنها ما زالت تحفظ مصالحهم وتدرّ عليهم المغانم أما الشعب فلا أحد يفكّر فيه ولذا فنحن بحاجة أكيدة إلى التغيير لمنع المزيد من التردي والانهيار وحفظ سمعة وكرامة العراق بلد الحضارات أمام العالم حيث أصبحنا سخرية ومثلاً سيئاً.

تصوّر أن رئيس الوزراء عاجز منذ أشهر عن إجراء تعديل وزاري([3]) ويفشل في تحقيق الأغلبية المطلقة في البرلمان أي نصف عدد الأصوات مع أنهم يسمونها حكومة وحدة وطنية ويدّعي أحد رموز الحزب الذي ينتمي إليه السيد رئيس الوزراء أنها تمثل قاعدة برلمانية عريضة تصل إلى 94% فلماذا تفشل في تحقيق نسبة النصف.

إن التغيير المرجو يجب أن لا يكون من باب ذر الرماد في العيون وتغيير الأقنعة التي تلبسها الكتل المهيمنة على العملية السياسية كالذي سمعناه من تشكيل تكتل رباعي([4]) يضمّهم بل لابد من تغيير حقيقي شامل يصاحبه الكثير من الشجاعة ونكران الذات والشعور الوطني المخلص والتسامي عن الانتماءات الضيّقة.

د.الرماحي: ما هي مقترحاتكم شيخنا لإخراج العراق من أزمته الحالية.

سماحة الشيخ: توجد جملة تصوّرات ذكرت بعضها في المشروع الذي أشرت إليه آنفاً وذكرت البعض الآخر في خطاباتي وأحاديثي وهي منشورة.

ويمكن تلخيصها بأننا بحاجة إلى نوعين من العلاج.

الأول: آني وفوري وهو استقالة الحكومة وبقاء عملها على نحو تصريف الأعمال وإعادة تشكيلها من وزراء أكفاء وطنيين نزيهين مخلصين بالتشاور مع كل الكتل السياسية الممثلة في البرلمان والقوى الوطنية التي ليس لها حضور في البرلمان لسبب أو آخر، وأن يرأسها شخص شجاع حازم يعمل للعراق والعراقيين وأن يكون على مسافة واحدة من الجميع ولا يخضع لابتزاز الكتل السياسية ولا لهيمنتها، ويتحقق ذلك بعرض المرشحين مباشرة على البرلمان لنيل الثقة بالاقتراع السري وبذلك سوف لا يقع المرشح تحت هيمنة الكتل وابتزاز الصفقات، كما يتيح الفرصة لتفكيك مواقف أعضاء الكتل وتحقيق امتزاج بينها لأن كل عضو سيمثل نفسه وليس من الضروري أن تصوّت الكتلة كلها لمرشح واحد.

ولا مانع من أن يعود السيد المالكي نفسه إلى رئاسة الحكومة إذا اجتمعت هذه الصفات فيه بعد أن يتحرر من حاشيته الأنانية ومن خوفه من تهديدات الكتل المهيمنة بإسقاطه.

الثاني: الدعوة إلى انتخابات مبكرة لا يتجاوز موعدها حزيران من العام المقبل تتيح الفرصة لرسم خارطة سياسية جديدة وتوسيع قاعدة المشاركة بعد أن ازداد وعي الشعب العراقي بالعملية الديمقراطية وأن يُهيّأ لها بإصلاح قانون الانتخابات فتُعتمد الدوائر الانتخابية المتعددة وترشيح الأفراد بحسب المناطق وليس على نظام القوائم وبذلك سنحصل على ممثلين حقيقيين للشعب وليس ممثلين للكتل والقوائم السياسية كما هو حاصل الآن.

وان يعطى دور فاعل للمعارضة الايجابية والأجهزة الرقابية على عمل السلطة لان هذه أجزاء مهمة من العملية الديمقراطية وقد وضعنا آليات تفصيلية لتحقيق ذلك في كلمات متفرقة يمكن مراجعتها.

د.الرماحي: هناك تذمر شعبي واضح من أداء الائتلاف نتيجة تورط الكثير من الحكومة وأعضاء مجلس النواب في عمليات فساد مالي و إداري إضافة إلى عدم الكفاءة والإخلاص من قبل البعض، ما هو تعليقكم على ذلك؟

سماحة الشيخ: نعم، هذا الاستياء موجود لكن ليس فقط الائتلاف مسؤول عنه وإنما كل المتنفذين في الحكومة، وأنا في بياناتي وأحاديثي أعمم انتقادي للفساد والتقصير الصادر من كل المتنفذين في الكتل السياسية لأنها في الحقيقة حكومة كتل سياسية متنفذة وليست حكومة شعب.

د.الرماحي: يتذرع البعض بغياب الأمن في انعدام الخدمات أو تلكؤها لكن المحافظات الآمنة منها كالنجف مازالت تعاني ما تعانيه المناطق الساخنة، هل هذا مؤشر على فشل الحكومة أم ماذا؟

سماحة الشيخ: هذا الإشكال صحيح وهذه الهالة الضخمة التي يعطونها للإرهاب إنما يريدون أن يبرروا بها فشلهم وتماديهم في سرقة أموال الشعب وتقصيرهم في أداء وظائفهم وهم بذلك يشبهون المقبور صدام حسين الذي كان في التسعينيات يعلّق كل ظلمه وتقصيره وتجويعه للشعب على شماعة الحصار بينما تجاوزت أرصدته هو وأفراد أسرته في البنوك العالمية ستين مليار دولار، وهؤلاء اليوم اتخذوا شماعة الإرهاب للوصول إلى نفس النتيجة فإن الإرهاب على بطشه وقسوته ليس مسؤولاً عن كل المشاكل، فهل يعقل أن الدولة التي خُربّت في كل جوانبها هي بسبب سيارة أو سيارتين تنفجران هنا وهناك؟ إن الدمار الكبير هو ما لحقنا جراء صراع السياسيين وأنانيتهم واستئثارهم وعدم تورعهم عن ارتكاب كل الوسائل الدنيئة بما فيها سفك الدم الحرام وهتك المقدسات والحرمات للوصول إلى مآربهم.



 ([1]) تاريخ اللقاء 22/ج1/1428 المصادف 8/6/2007.

 ([2]) تقدمت الإشارة إليه (صفحة 110) من هذا المجلد.

 ([3]) بقيت الشواغر الوزارية أكثر من عام دون أن يستطيع رئيس الوزراء نيل الثقة على مرشحيه لهذه المقاعد.

([4]) شكل المجلس الأعلى وحزب الدعوة والمنضمون إليهما مع الحزبين الكرديين تحالفاً رباعياً للمحافظة على بقاء الحكومة.