خطاب المرحلة (156)... ندرة المواقف النبيلة في عالم اليوم

| |عدد القراءات : 1740
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

ندرة المواقف النبيلة في عالم اليوم

 أشاد سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بالموقف النبيل لمدرّسي ثانوية غماس المسائية في ناحية غماس([1]) بمحافظة الديوانية حين دفعوا من جيوبهم الخاصة أكثر من نصف تكاليف الدراسة لفتح مرحلة دراسية حيث لم يتمكن الطلبة الراغبون بالدراسة المسائية إلا من تأمين اقل من نصف تكاليف فتح صف جديد، هذا مع أن رواتب المعلمين والمدرسين لا تكاد تذكر من تدنّيها وربما يذهب أكثرها إلى أجور النقل.

وقال سماحة المرجع اليعقوبي: إن هذه المواقف السامية تـُعدَّ شيئاً مثالياً في عالم اليوم لندرتها ولابتعاد الناس خصوصاً السياسيين عن القيم الإسلامية النبيلة التي لم تقف عند حدود المطالبة بالمساواة والعدالة للجميع وإنما دعت إلى الإيثار، قال تعالى: [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] (الحشر:9)، وحادثة معركة القادسية التي خاضها المسلمون الأوائل ماثلة أمامكم حينما طلب جريح ينزف شارف على الهلاك ماءاً فجاء الساقي ليسقيه فسمع جريحاً آخر يطلب ماءً فامتنع الأول عن الشرب وقال اسقِِ أخاك فلما جاءه سمع جريحاً ثالثاً يطلب ماءً فلما جاءه مات ولم يدركه فرجع إلى الثاني فوجده قد مات ورجع إلى الأول فوجده قد مات.

على هذه المثل الإنسانية العليا ربّى النبي والأئمة الطاهرون من بنيه (صلوات الله عليهم أجمعين) أتباعهم وأمتهم ، لكن حبّ الدنيا والابتعاد عن القيم الروحية والمعنوية أدّى إلى قساوة القلب والانهماك في حب الذات والأنانية وهذا ما تنبّأ به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لامته حينما قال لهم (كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) وقد تعجّبوا من وقوعه لكن هذا ما وقع مع شديد الأسف.

والذي ينعكس بشكل مثير للاشمئزاز على تصرفات السياسيين الذين اندفعوا بنهم للاستئثار بثروات الشعب مما أدى تضارب المصالح وتقاطعها وبالتالي استعمال السلاح لتأمين تلك الهيمنة والاستبداد، وراح العراق وشعبه ينزفان دماً وخراباً نتيجة احترابهم هذا ولو تجردوا شيئا يسيراً عن أنانيتهم وعملوا بقانون العدالة والشراكة الحقيقية ولا أقول الإيثار لجنـّبوا شعبهم وبلدهم هذه الكوارث.

إن موقفكم النبيل هذا سوف يعترض عليه أكثر الناس وربما يقابلونه بالسخرية لا لأنهم لا يفهمون عظمته وإنما لأنهم يحسدونكم على مثله ويفشلون في الانتصار على أنفسهم والارتقاء إليه فيحاولون هزيمتكم وثني عزيمتكم حتى تنزلوا إلى مستواهم، وهذا موقف أبناء الدنيا من كل القمم السامية، قال تعالى [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ] (النساء:54)، وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسيرها (نحن الناس المحسودون) وهذا هو سر محاربة ملل الكفر للإسلام مع يقينهم بأن في تعاليمه سعادة الفرد والمجتمع، قال تعالى: [وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء] (النساء:89).

فلا تهنوا ولا تحزنوا ولا تكلُّوا ولا تملّوا وامضوا في مشاريع الخير فـ [إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ] (النحل:128)، ولا يغرنّكم فعل هؤلاء المتصدين لحكم البلاد فإن الطواغيت من قبلهم جمعوا أكثر مما جمعوا وكانوا أكثر أموالا وأعزَّ نفيرا ثم ماذا كانت عاقبتهم؟

قال تعالى مؤدّباً نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) : [وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى] (طه:131).



 ([1]) التقاهم سماحته يوم 13/ع2/1428 المصادف 1/ 5 /2007.