خطاب المرحلة (151)... إحياء اللغة العربية وآدابها

| |عدد القراءات : 1763
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

إحياء اللغة العربية وآدابها(1)

 يجد المراقب للمشهد الثقافي والإعلامي العراقي ضعف الاهتمام باللغة العربية وعلومها وآدابها ويصاب المتابع بالذهول حينما يستمع إلى المتحدثين وهم يخالفون أوضح قواعد اللغة العربية وأيسرها، وأصبحت الصياغات الأدبية للمقالات والكتب والنشرات ركيكة لا يتذوّقها الأديب، أما الشعر فعادت بضاعته كاسدة ولا يتعاطاه إنشاءً وإنشاداً إلا النادر والمجالس الأدبية لا تنال إقبالاً ولا تفاعلاً.

إن حاجتنا إلى ثورة أدبية لغوية ليس فقط لان اللغة العربية لغتنا ونعتز بها والقاسم المشترك لأبناء امتنا العربية لان الاهتمام بهذا المقدار شيء تشترك فيه كل الشعوب، ولكن الأهم من ذلك أنها لغة القران الكريم والسنة الشريفة للنبي وآله المعصومين (صلوات الله عليهم) فالابتعاد عنها وقلة الاهتمام بها يعني الانفصال عن هذا المعين الصافي للعلم والمعرفة والمنهج السليم للحياة.

إني أتحسس منذ مدة المؤامرات التي تستهدف اللغة العربية عن قصد وبدون قصد ولكل هدفه من ذلك ولا استثني منها حتى أروقة الدراسة في الحوزة العلمية الشريفة (وتلك شقشقة يعرفها من أخرم) ومن تلك المؤامرات ما أثير من ضجّة ساندها أدباء كبار كطه حسين في ثلاثينيات القرن الماضي حينما دعوا إلى جعل لغة التداول والمخاطبات اللهجة العامية وليست اللغة الفصحى ولو قدّر لهذه المؤامرة أن تنجح لما وجدت اليوم من يحسن اللغة العربية ويفهم كتاب الله وسنة رسوله. ناهيك عن التمزق الذي سيصيب الأمة لان كل فئة في المجتمع ستنغلق على لهجتها العامية وتضّيع اللغة الأم المشتركة كما فعل أتاتورك حينما نشر اللغة التركية ذات الحروف اللاتينية وهجر اللغة القريبة إلى العربية فانفصلت الأمة التركية عن أسلامها وقرآنها.

وها نحن اليوم نلمس الحواجز التي تنشأ بين العراقيين في شمال العراق من الأكراد وغيرهم وبين بقية أخوانهم من العراقيين بسبب الانفصال منذ عام 1991 وعدم تداول اللغة العربية بينهم فنشأ عندهم جيل لا يفهم العربية ولم يعُد يجد قاسماً مشتركاً بينه وبين أخوته العراقيين. بينما كانت اللحمة وثيقة حينما كانوا يدرسون في جامعاتنا ويعملون في مؤسساتنا ويختلطون بمجتمعنا العربي.

ما أعظم اللغة العربية وأدق أسرارها حينما اختارها الله تبارك وتعالى لتكون وعاءً للمعاني العظيمة التي يريد أن يبلّغ بها عباده من خلال القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي علومه حتى وصف في أحاديث المعصومين (سلام الله عليهم) بأن له سبعين بطناً من المعاني فأي لغة يمكنها أن تعبّر بجملة ما يفيد كل هذه المستويات من الفهم.

نقل سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) أن ثلاثة من العلماء دخلوا في الليلة الأولى من شهر رمضان على أحد العلماء العارفين لزيارته فشرح لهم آية شريفة بمعنى غير المعنى الظاهر المتداول فاعترفوا بوضوح إفادة الآية لهذا المعنى وعجبوا من غفلتهم عنه ثم دخلوا الليلة التالية فشرح لهم نفس الآية بتفسير آخر واعترفوا بوضوحه وتعجبوا أيضاً من عدم التفاتهم له وهكذا إلى نهاية الشهر، فما هذه الأسرار والعجائب التي استوعبتها هذه اللغة المباركة وأية جناية تلك التي ترتكبها الأمة حينما تذهل عن لغتها وتضيّعها بانسياقها وراء أهداف وغايات متدنية.

إن أثر لغتنا العربية وآدابها في خلق المجتمع العراقي الجديد يظهر جلياً من جهة كونها عاملاً مهماً لتوحيد المجتمع، وصهره في بوتقة واحدة يتسامى خلالها عن التشتت بسبب تنوعيه القومي والديني والطائفي والاجتماعي.

وكونها وسيلة التواصل مع تراثنا المعرفي الضخم وأنها أساس بنيته الأخلاقية والدينية باعتبارها لغة القرآن الكريم والسنة الشريفة.

وأنها وسيلة الإبداع والارتقاء بنا تتصف به من قدرة متميزة على تحقيق ذلك.

في ضوء ما تقدم تبرز الحاجة الفعلية إلى عدة خطوات:

(منها) إحياء من هنا برزت الحاجة إلى إحياء (مجمع اللغة العربية) الذي كان قبل عقود يضّم عباقرة الفن ممن نذروا أنفسهم لصيانة اللسان العربي ونشر علوم اللغة وآدابها فأسدوا للأمة خدمات جليلة.

(ومنها) إقامة الفعاليات الأدبية وتشجيع الأدباء والشعراء وتكريمهم ودعم الآثار الأدبية ونشرها وتكريم المبدعين والمساهمة في كتابة مناهج تعليمية مثمرة وتحسين أداء مدرّسي اللغة العربية ونحوها من الآليات كفيلة بإحداث هذه الحركة المباركة )

[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة:105)



 ([1]) نشر الخطاب في صحيفة الصادقين العدد 54 الصادر بتاريخ 10/صفر/1428 المصادف 28/2/2007.