خطاب المرحلة (141)... فقدان العلماء يدعونا إلــى التخطيط الجدي لإعداد البدائل

| |عدد القراءات : 1649
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحيم الرحمن  

 فقدان العلماء يدعونا إلــى التخطيط الجدي لإعداد البدائل([1])

  اعتاد المحتفلون برحيل أحد العلماء أن يستشهدوا بالحديث الشريف (إذا مات العالم ثلم الإسلام ثلمةً لا يسُّدها شيء أبداً) وهو تعبير صادق عن عظم المصاب ونكبة الأمة بفقدان علمائها ، ولكن الحديث الشريف لم يقف عند هذا الحد و إنما بيّن للأمة كيفية سد هذه الثلمة بقوله (إلا عالمٌ مثله) ليعلّم الأمة أن عليها عدم الاكتفاء بالانفعالات العاطفية للتعبير عن شعورها إزاء هذه الخسارة وإنما عليها أن تعَّد وتهيئ البديل عن ذلك العالم الراحل ليقوم مقامه ويواصل مسيرته في تربية الأمة وقيادتها بحكمة نحو الكمال.

 ولا يبدأ هذا الإعداد والتهيئة من حين وفاة العالم لان هذا الإعداد يتطلب ما لا يقلّ عن ثلاثين عاماً إلا لبعض الأفذاذ الذين توفرت لهم ظروف خاصة و قابليات نادرة ، ولا تستغرب من هذه المدة فإن درجة الاجتهاد الذي هو أحد شروط المرجعية وقيادة الأمة، وصفة العدالة التي تعني أعلى درجات السيطرة على أهواء النفس ونزغاتها والانضباط بتعاليم الشريعة حتى على مستوى المستحبات والمكروهات، وصفة الوعي والنضج والبصيرة بشؤون الأمة وتفاصيل الحياة وتجارب القادة وغيرها من الصفات والشروط مما يعُسُر إدراكه إلا بلطف الله تعالى وجهد طويل. ويمكن تقريبها على مهنة الطب فإن الطبيب يدرس ست سنوات في كلية الطب غير دراسته الابتدائية والإعدادية ثم يقيم سنة في المستشفيات و أخرى في القرى والأرياف ثم يعود إلى المستشفيات كمقيم أقدم ويمارس لوناً من ألوان الاختصاص مدة ثم يدرس عدة سنوات لنيل شهادة البورد في ذلك الاختصاص ويدرس ما بعد الاختصاص ومع ذلك فانه لا يشار إليه ضمن الرموز الطبية المرموقة حتى يمارس اختصاصه عدة سنوات ويثبت كفاءة ومهنية عالية ونزاهة وإخلاص ليكون في مصاف المرجعيات الطبية، وقد تستغرق هذه الرحلة أكثر من ثلاثين عاماً منذ بداية التحصيل ، هذا وهو يتعلق بطب الأبدان الذي مهما كان دقيقاً فانه يبقى محدوداً في تفاصيله ومساحة تأثيره فكيف بطب الأرواح ورعاية شؤون الأمة وقيادتها إلى الكمال والسعادة في الدارين.

لذا فإن على الحوزات العلمية الشريفة أن تخطط باستمرار لمستقبلها وتحسب كل الاحتمالات فإن عدد المجتهدين اليوم الذي لا يتجاوز عدد الأصابع إنما هو حصيلة ألاف من طلبة العلوم الدينية كانوا قبل أربعين عاما في النجف الأشرف فكم سيكون لدينا يا ترى من المجتهدين بعد عشرة أو عشرين عاماً مع هذا الوضع البائس الذي تعيشه الحوزة العلمية اليوم؟ هذه هي المسؤولية التي يجب أن نستشعرها ونتحملها باستمرار ويزداد الالتفات إليها والشعور بمرارتها في مثل هذه المناسبات حينما نجتمع لنتبادل التعازي بمناسبة رحيل العلماء العظماء.

حينما استشهد أستاذنا السيد محمد الصدر (قدس سره) في 3/ذ.ق/1419 المصادف 19/2/1999 عشت ومعي كل المحبين والموالين عواطف جياشة أشرت إليها إجمالا في كتابي (الشهيد الصدر الثاني كما أعرفه)، ولكن ذلك لم يكن عائقاً عن التفكير في آليات العمل لما بعد ذلك الحادث الأليم حيث إن كثيرا من القنوات التي تحرك بها السيد الشهيد (قدس سره) وعلى رأسها صلاة الجمعة أصبحت متعذرة فقد ابلغنا جلاوزة النظام ونحن في مجلس العزاء بمنع إقامة صلاة الجمعة في الكوفة، وقد كان بعض الأخوة معنا في المكتب رغبوا إليَّ في إقامتها باعتباره (قدس سره) قد اختارنا لإمامة الصلاة في مسجد الكوفة في حياته ويكون هو (قدس سره) أحد المأمومين فيكون من الأولى إمامتها بعد استشهاده ، لكننا لم نجعل العواطف والانفعالات هي مصدر القرار و أمامنا تجربة الإمام السجاد (عليه السلام) حينما خطب في الكوفة بعد استشهاد أبيه الحسين (عليه السلام) ووبّخهم وعّرفهم بعاقبة فعلتهم الشنيعة فعرضوا عليه النصرة والثورة على ابن زياد ولكنه (عليه السلام) كان له دور طويل يؤديه خلال (34) عاما ورسالة عظيمة يؤديها للأمة لا تبتني على ردود الأفعال العاطفية.

وقد عشتُ مثل هذا الضغط الجماهيري الذي كان يطالبنا بالسير بنفس آليات السيد الشهيد (قدس سره) في تلك الأيام، إضافة إلى ضغط الطغاة والقتلة المجرمين الذين كانت سيوفهم تقطر دماً وتراقب الحركات و السكنات وتتحسب لكل خطوة وحركة.

إضافة إلى ضغط التقاليد والمعايير الحوزوية التي عانى منها السيد الشهيد الصدر (قدس سره) منها قبلي وحاصرته ومنعت جزءاً من عطائه.

ورغم كل ذلك فقد  وضعت برنامجاً لعملي في تلك الأيام العصيبة على شكل نقاط ورؤوس أقلام تصل إلى العشرة ثم بعد أشهر وضعتُ تفصيلات هذه النقاط([2]) وسرتٌ عليها بمقدار ما يسّره الله تبارك وتعالى بلطفه وكرمه وحسن توفيقه وتفاجأ العالم كله بعد السقوط بسعة و قوة الحركة الإسلامية المباركة في العراق وما كان لذلك أن يتحقق ويستمر لولا رعاية الله تبارك وتعالى وتوفيقه لثلّة من عباده الصالحين العاملين المخلصين



 ([1]) تقرير بتصرف لحديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد مدينة الصويرة الذي زار سماحته يوم 7/ ذ.ق/1427معزياً بالذكرى الثامنة لاستشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سره) ووفاة المرجع الديني في مدينة قم المقدسة الميرزا جواد التبريزي (قدس سره) الذي وافاه الأجل يوم 28/شوال/1427 المصادف20/11/2006  عن عمرٍ ناهز (83) عاماً، ومن حديث سماحته مع عدد من أعضاء أمانة حزب الفضيلة الإسلامي في محافظة بابل يوم 8/ ذ.ق/1427

([2]) طُبعت بعد سقوط النظام بكراس عنوانه (المعالم المستقبلية للحوزة العلمية) ويمكن ملاحظة تأريخ كتابتهِا في نهايتهِ وهو لا يتضمن طبعاً مشاريع ما بعد سقوط النظام.