خطاب المرحلة (140)... القيادة الحكيمة تضع أصابعها على العلة وتصف العلاج

| |عدد القراءات : 2938
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

القيادة الحكيمة تضع أصابعها على العلة وتصف العلاج

 تفضل سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) بالإجابة عن مجموعة أسئلة توجه بها مدير مكتب (صحيفة نيوزويك) الأمريكية في بغداد قدّم خلالها خطوطاً عريضة لكيفية تخليص الوضع في العراق من محنته ووعد بتقديم التفاصيل إن وُجدت إرادة حقيقية لدى الفرقاء والقوى المؤثرة في الساحة لإيجاد حل.

كما تناول سماحته جملة من القضايا المهمة في الشأن العراقي كالفدرالية ونظام الحكم المناسب بعد أن ابتدأ حديثه بموجز لسيرته الذاتية ووجّه في ختام حديثه رسالة إلى الشعب الأمريكي وهذا نصّ طلب مدير مكتب المجلة مع جواب سماحته.

سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي

السلام عليكم:

يود كادر مجلة نيوزويك في بغداد طرح الأسئلة أدناه على سماحتكم لتبينوا فيها آراءكم ولكم الحرية و المجال في بيان وجهة نظركم.

 

كيفن بيراينو

مدير مكتب نيوزويك -بغداد

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته:-

سأحاول الإجابة باختصار لعدم علمي بالمساحة المخصصة للأجوبة من المجلة و لوجود تفاصيل مهمة لما ترومون معرفته نشرتها في سلسلة (خطاب المرحلة) التي بدأت مع إرهاصات إسقاط النظام ألصدامي ووصل التسلسل الآن إلى (132) وهي و غيرها موجودة على موقعنا على الانترنت (www.yaqoobi.com)

 

خلاصة السيرة الذاتية

لسماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي

نيوزويك:- ممكن أن تذكروا للمجلة شيئا عن سيرتكم الذاتية وأين نشأتم ومن هو مثلكم الأعلى وكيف تأثرتم به؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: ولدت في النجف الأشرف عام 1960 يوم المولد النبوي الشريف وهي علامة فأل حسن لدى المسلمين، وانتقلت إلى بغداد عام 1968 مع والدي الذي كانت له مسؤوليات في العمل الاجتماعي الذي يديره المرحوم الشهيد السيد مهدي نجل المرجع الديني الأعلى السيد محسن الحكيم في الكرادة الشرقية، أكملت دراستي في بغداد حتى حصلت على البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1982 ولم ألتحق  بالخدمة العسكرية الإجبارية يومئذ لأني رفضت أن أكون جزءاً من المنظومة الظالمة التي كانت تخوض حرباً عدوانية على إيران وان كان موقعي أميناً ومغرياً ومكثت في البيت متخفيا لا اخرج إلا لضرورة عكفت خلالها على الاستفادة من المكتبة الكبيرة التي تركها لنا والدي المتوفى في نفس السنة. 

و في عام 1985 أتيحت لي فرصة الاتصال بشكل سري عبر عدة وسائط بالشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره) وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 خفت قبضة النظام نسبيا وصرت أتحرك بحرية وكذا بدأ السيد الشهيد الصدر الثاني تدريسه وبحثه وصرنا نلتقي مباشرة.

و في أحداث الانتفاضة الشعبانية عام 1991 جعلني رئيسا لإحدى اللجان الخمسة و هي السياسية و الإعلامية في اليوم الأخير قبل اقتحام قوات الحرس الجمهوري مدينة النجف و اعتقال السيد الشهيد.

وبعد الانتفاضة ارتديت الزي الديني مطلع عام 1992 والتحقت بالدراسة الدينية و قطعت أشواطها بسرعة حتى حضرت الدروس العليا عند كبار العلماء السيد الشهيد الصدر (خمس سنوات) و السيد السيستاني (خمس سنوات) و الشيخ محمد إسحاق الفياض (أربع سنوات) و الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي (سنتان).

وبعد استشهاد السيد الصدر عام 1999 و إغلاق مكتبه بحادثة مفتعلة أعدت النشاط الاجتماعي و التدريس و اللقاء بالناس في مسجد الرأس الشريف المجاور للصحن الحيدري حتى أصبح مركز إدارة وقيادة أتباع السيد الشهيد الصدر الثاني والحركة الإسلامية المتصاعدة مما أربك النظام وجعلني تحت المراقبة المكثفة.

ولم أعلن اجتهادي إلا بعد سقوط النظام مباشرة حيث أقمت صلاة الجمعة في صحن الكاظمين في بغداد في 25/4/2003 بحضور عشرات الآلاف امتلأ بهم الصحن الشريف و المساحة المجاورة له و دعوت الناس إلى المشاركة في تظاهرة يوم 28/4/2003 للمطالبة بدور أساسي للمرجعية الدينية و الحوزة العلمية و عراقيي الداخل (كما يسمونهم) في العملية السياسية و كانت من اكبر التظاهرات التي شهدها العراق الحديث امتدت عدة كيلومترات ما بين ساحة المسرح الوطني و ساحة الفردوس ، و تجدون تفاصيل أخرى في كتاب (الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه) و كتاب (محمد اليعقوبي من الذات إلى المجتمع) وكتاب ( الشيخ موسى اليعقوبي: حياته – شعره) وكتاب (قناديل العارفين) وغيرها.

ومثلي الأعلى هو قدوة كل البشر الذي جعله الله تعالى لنا أسوة حسنة حين قال تبارك وتعالى: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ] (الأحزاب:21) وهو محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين و الأئمة المعصومون من ذريتهم، وأراجع باستمرار سيرتهم وكلماتهم الشريفة لأستفيد منها وأتأسى بها وسجلت استفادتي من قيادتهم المباركة في عدة كتب وهي (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) و (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) و (شكوى القران).

 

كان مشروع حزب الفضيلة الإسلامي في ذهني

قبل سقوط صدام لعلمي بانهيار النظام

نيوزويك: ما هي الأهداف الاستراتيجية لحزب الفضيلة الإسلامي؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: كان مشروع تأسيس الحزب في ذهني قبل السقوط لعلمي بانهيار النظام و سقوطه و عرضت أفكارا مجملة على الدكتور نديم الجابري و عدد محدود من الإخوة لقوة بطش النظام وفتكه بأي مشروع من هذا القبيل، وبعد السقوط مباشرة ذهبت إلى بغداد و اجتمعت بعدد من الكوادر و انطلقت مسيرة الحزب و كانت هذه الكوادر (ومنهم الدكتور نديم الجابري) في مقدمة التظاهرة التي أشرت إليها قبل قليل.

وكان الهدف من تشكيله بلورة المشروع السياسي الذي يحقق مطالب الجماهير التي كانت في داخل العراق، وخصوصاً من أتباع المرجع الشهيد السيد محمد الصدر الذين كانوا لا يحسنون الظن بأكثر قيادات الأحزاب القادمة من الخارج، و يرونهم بعيدين عن الواقع و يعيشون حالة انفصال عن تطور الأحداث في العراق خلال عشرين عاماً، ولا حاجة إلى تذويب شخصيتهم في أولئك القادمين من دون أن يكون بديلاً عنهم وإنما هو مكمل لدورهم وخيمة لضم هذه الشريحة لذا فإن المراقب يجد في مسيرة حزب الفضيلة الإسلامي خصوصيات غير موجودة في غيرهم (راجع كتيب بعنوان: خصوصيات حزب الفضيلة الإسلامي كتبه الدكتور جاسم محمد)، وقد أشرت إلى الأهداف من تشكيله و المبادئ التي يستند إليها الحزب في عمله في عدة خطابات من سلسلة خطاب المرحلة ومنها خطاب (الأسس النظرية لحزب الفضيلة الإسلامي) و(العمل السياسي من الواجبات الشرعية) و(المبادئ الثابتة في السياسة) و(مبادئ الشفافية وعناصرها) وغيره، وألف الدكتور نديم الجابري كتاب (نظام الحكم المناسب في العراق) مؤيداً لهذا المشروع، وتستطيع أن تميز خط الحزب باختصار بأنه (عراقي- عربي- إسلامي- أنساني) بكل ما تعنيه هذه الكلمات من برامج واليات عمل وأهداف و مواقف و رؤى

 

كيف يمكن تفادي الحرب الأهلية

نيوزويك: هل يمكن تفادي الحرب الأهلية، وكيف؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: نعم يمكن تفادي الحرب الأهلية بالقضاء على أسبابها ومناشئها وتجفيف منابع إثارتها و تأجيجها وإدامتها و ذلك من خلال عدة خطوات :

أ- توفر القناعة لدى المحرضين عليها و الداعمين لها من الإطراف الداخلية و الخارجية بعدم جدواها و إنها تعود بالضرر عليهم [وَلا يَحِيقُ المَكرُ السَيّئُ إلا بِأَهلِهِ]، وأن ما يريدون تحقيقه – إنْ كان حقا وعدلا – فإنهم سينالونه بالحوار والعملية السياسية والمطالبة المستندة إلى الحجة والدليل، فإذا توفرت هذه القناعة وحصلت الإرادة الجدية لحل المشكلة فإنها ستحل فوراً، أما الصيحات و الدعوات التي نسمعها هنا وهناك فإنها منافقة وغير صادقة ولا مبتنية على أسس صحيحة و إنما يريد كل طرف تكريس مصالحه و التمدد على حساب الآخرين أزيد ما يمكن.

ب- نبذ الخطاب الطائفي و القومي و الأناني و الفئوي و التحول إلى خطاب أنساني يتسامى عن هذه النظرات الضيقة و أن يتقوا الله في هذه الأمة فقد اهلكوا العباد وخربوا البلاد.

جـ- قيام الخطباء والعلماء والمثقفين و أئمة المساجد وصانعي الرأي العام من إعلاميين و كتاب بخلق حالة عامة من الوعي ضد التطرف والتشنج و التعصب والعنف والطائفية ونحوها من أسباب الفتنة.

د- إنهاء حالة الاحتلال و اقتصار الجهد الدولي على المساعدة بالمقدار الذي يحتاجه العراقيون من دول العالم، فإن العراق بحاجة أكيدة إلى المساعدة لكي يداوي جراحه ويعمر بيته و يبني مؤسساته وينهض من الكارثة التي حلت به منذ عقود ويقف على قدميه من جديد ويجاري الدول المتحضرة، وهو قادر على الوصول إلى هذه المرحلة بسرعة لتوفر عناصر القوة و الازدهار والتقدم والثروة عنده.

هـ- إجراء إصلاحات سياسية جذرية و إعادة النظر في جملة من القرارات الخاطئة التي اتخذت (ومن) هذه الإصلاحات:-

1- تفكيك الائتلافات([1]) و التحالفات على أسس طائفية أو عرقية و السماح بتحالف الأحزاب و القوى السياسية على أساس البرامج السياسية لإنهاء حالة التخندق الطائفي.

2- إجراء انتخابات برلمانية تكميلية أو تعديلية كل سنتين في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ العراق لتسارع التغيرات و التحولات فيكون من الضروري امتصاص احتقان الذين لم تتوفر لهم فرصة المشاركة في البرلمان لسبب أو لآخر، لأن جزءاً من التوجه لحمل السلاح بسبب هذا الابتعاد الذي كان قسريا في بعض الأحيان فتستثمر التحولات السياسية لإعادة الفرصة إليهم من جديد.

3- إعطاء دور للأحزاب و القوى التي تتبنى المعارضة الايجابية البناءة لا يقل عن دور المشاركين في الحكومة من خلال المؤسسات الرقابية كهيئة النزاهة و ديوان التفتيش العام و ديوان الرقابة المالية و نحوها وهي مؤسسات بدرجة وزارة يمكن أن تقنع هذه الأحزاب المعارضة و تسحبها من تبني المواجهة المسلحة، وقد ذكرت جدوى و مبررات هذا المقترح وآلياته التفصيلية في خطاب صدر أخيراً من سلسلة خطاب المرحلة وهو منشور وتوجد مقترحات أخرى سأبينها بأذن الله تعالى عندما تتحقق الإرادة الجدية للحل.      

 

 

 

 

 

 

أنا أرفض حالة الاحتلال

جملة وتفصيلاً ويشاركني في هذا  الموقف كل حر شريف

 

نيوزويك: هل يساند سماحتكم جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وهل لديكم أية مخاوف من ازدياد إراقة الدماء إذا  هم رحلوا؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: أنا أرفض حالة الاحتلال جملة وتفصيلاً، ويشاركني في هذا الموقف كل حر شريف، ورغم معاناتنا التي لا نظير لها من صدام و جلاوزته حيث كنا في داخل العراق وفي قلب أحداثه بمرافقتنا للسيد الشهيد الصدر الثاني طيلة أربعة عشر عاماً حتى استشهاده حيث كنت على رأس من تسلم جسده الشريف ونجليه من المستشفى و صليت عليهم و دفنتهم مع ثلة قليلة لا تتجاوز عدد الأصابع وواصلت مشروعه من بعده على مرأى ومسمع أولئك الأشرار.

أقول: رغم كل ذلك فإننا لم نكن نرحب بالقوات الغازية؛ لأننا و إن كنا نكره صداماً ونريد زواله إلا أن القلق ينتابنا من قدوم القوات الأجنبية وتواجدها على أراضينا، وقد بينت في بعض خطاباتي وجوه هذا القلق، وحينما أتت كنا نأمل أن يقتصر دورها على ما أعلنته من مساعدة الشعب العراقي في بناء دولة حرة كريمة مبنية على أسس العدالة و الازدهار، وكنت من المبادرين إلى تقديم مشروع الحكومة الانتقالية في العراق قبل تأسيس مجلس الحكم لإعادة السيادة إلى العراقيين (وهو منشور ضمن سلسلة خطاب المرحلة)([2])، ولكن أصواتنا لم تكن مسموعة وتراكمت أخطاء الاحتلال و المتصدين للعملية السياسية حتى وصلت بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن.

ولم أتوقف عن تقديم المشاريع البناءة التي فيها إنقاذ لكل الأطراف المتورطة في القضية العراقية ولكن [يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون] (يس:30)  ويدفع الثمن دائما الأبرياء المستضعفون فنعم الحكم الله و الخصيم محمد (وعند الله تجتمع الخصوم).

وكنتُ من المبادرين للمطالبة لتشكيل وزارة الدفاع في صلاة الجمعة التي دعونا إلى إقامتها في ساحة الفردوس  وشارك فيها الآلاف في آذار /2004 عندما تأخر تشكيلها بغية الإسراع في بناء قوات مسلحة عراقية كفوءة ومجهزة لتستطيع حفظ امن البلاد و تنتهي ذرائع وجود الاحتلال.

لكن الخطوات بقيت متعثرة و الآليات غير فعالة و كل الأطراف تفكر في مصالحها أولا و قبل كل شيء، ولا أحد يفكر بمصير العراق و أهله ولا زلت أجد أن الحل فيما ذكرت من المطالب و إنهاء حالة الاحتلال بالشكل المدروس الذي ذكرناه و شرحناه في عدة خطابات.

 

على الإرهابيين أن يعلموا أنهم بجرائمهم البشعة يحققون عكس أهدافهم التي يدّعونها من طرد الاحتلال ورفض التقسيم

 

نيوزويك: ما هو موقفكم تجاه الفدرالية؟ وهل يدعم سماحتكم القانون الجديد لإنشاء الأقاليم؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: أصدرت عدة خطابات لبيان موقفنا من الفيدرالية كما ورد في صحيفة الصادقين التي تنشر أحاديثي وكلماتي تفاصيل عن القضية و بينتها لكبار المسؤولين الذين زاروني فراجعوها جميعا على موقعنا في شبكة الانترنت، وخلاصة الموقف أن الفيدرالية ليست مطلبا لنا فنحن نريد عراقاً موحداً وحكومة مركزية فاعلة في ممارسة الصلاحيات الموكولة إليها في الدستور، مع إعطاء إدارة لا مركزية بصلاحيات واضحة وواسعة في الدستور أيضا للحكومات المحلية في المحافظات، وأن تقدم الحكومة المركزية كل ما يساهم في إنجاح و تقوية الحكومات المحلية.

وبنفس الوقت اعتقد أن الفيدرالية يمكن أن تكون حلا أخيرا لمشاكل البلاد إذا استعصت على الحل لا سامح الله، ولا أجد مشاكل البلاد مستعصية على الحل إلا إذا أوصل أعداء الأمة والجهلاء والمتحجرون والانتهازيون و الأنانيون الحالة إلى هذه النقطة، لذا فعلى الإرهابيين والقتلة أن يعلموا إنهم بجرائمهم التي يرتكبوها بحق الشعب وعلى رأسها المجزرة التي ارتكبت يوم أمس بحق أبناء مدينة الصدر البطلة المظلومة المحرومة([3]) إنما يحققون عكس أهدافهم التي يزعمونها فأنهم يكرسّون الاحتلال الذي يزعمون أنهم يقاومونه؛ لأنهم يوفرون الذرائع له وإنهم يسدون كل باب للتعايش السلمي و التسامح والتواصل فينحصر الخيار بالفيدرالية والتقسيم ونحوها من الخيارات المرة وهم يزعمون إرادة وحدة العراق ومعارضة تقسيمه فليثوبوا إلى رشدهم ولينظروا إلى نتائج أعمالهم ببصيرة

 

نظام الحكم الذي ينبغي أن يسود في العراق

 

نيوزويك: كيف ينبغي أن يحكم العراق؟ وهل يمكن أن يكون أي بلد كنموذج لهذا الحكم سلبا أم إيجاباً؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: إن نظام الحكم الذي ينبغي أن يسود العراق هو النظام الذي يحترم إرادة الإنسان ويعطيه الحرية الكاملة لاختيار من يحكمه وشكل الدولة التي يريدها و الدستور الذي ينظم عمل مؤسساته و الحقوق و الواجبات للفرد والدولة، وان تحقق له الفرصة الكاملة للتغيير والتبديل لكل ما لا يصلح له في ضوء آليات يكفلها الدستور، وإن كثيراً من الأنظمة السائدة في (الدول الديمقراطية) مناسبة للعراق بعد التعديل في تفاصيلها بالشكل الذي يناسب ثقافة وأخلاق وتقاليد الشعب العراقي وليس من الضروري استنساخ تجربة أي بلد آخر؛ لأننا نمتلك من الأصالة والعمق في التاريخ ومصادر العلم والمعرفة والكفاءات المتميزة ما يغنينا عن التبعية لأحد من دون أن نستغني عن كل تجربة ايجابية فنستفيد منها.

 

التعديل الحكومي المرتقب إذا كان حقيقياً فسنساهم فيه

 

نيوزويك: ما هي المقترحات التي تدعمونها لرئيس الوزراء السيد نوري المالكي وعلى أي منها تعترضون؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: لقد ولِدت حكومة الدكتور المالكي بعد مخاض عسير وطويل مما جعلها هزيلة وضعيفة وممزقة، وهذا ما تنبأنا به من خلال العقلية التي أدارت بها الكيانات السياسية مفاوضات تشكيل الحكومة إذ لم يكونوا يتصرفون كإخوة أبناء بلد واحد يريدون أن يساهموا في بناء عراق جديد، وإنما كانوا فرقاء متخاصمين يحاول كل منهم أن ينتزع من الآخر أزيد من حقه لذا أمرت كتلة الفضيلة بالانسحاب من الحكومة إذ لا يشرِّف أحدا أن يكون جزءاً منها وهي بهذه العقلية، ورغم ذلك فقد دعوتُ أعضاء كتلة الفضيلة إلى التصويت بـ (نعم) في البرلمان لنيل الثقة بالحكومة من اجل إعطائها فرصة للعمل لعلها تنجح، واستمر موقفنا الساند للدكتور المالكي وهذه كلها مواقف نبيلة لا تشهد لها مثيلا في عالم السياسة، وعندما علمنا بسعي الأستاذ المالكي لتغيير وزاري طلبتُ من كتلة الفضيلة لقاءه وزعماء الكتل السياسية ليعلنوا له موقف الحزب بأن التغيير إذا كان حقيقياً ولمصلحة البلد والشعب فإن الحزب يشارك في التشكيلة الجديدة، أما إذا كان من باب ذر الرماد في العيون فإن الحزب يحافظ على كرامته وينأى بنفسه عن هذه العملية

 

نيوزويك: هل تؤيدون إنشاء حكومة دينية – تعتمد على حكم الشريعة – في العراق؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: استند في كلامي إلى قول الإمام الرضا (عليه السلام) ثامن الأئمة المعصومين عندنا فقد روي قوله (إنما يحتاج الناس من الأمراء عدلهم) فنحن لا نهتم بالتسميات و الشعارات المرفوعة التي أضرت بنا كثيرا عبر التاريخ، وإنما المطلوب لنا إيجاد نظام حكم وفق الأسس التي ذكرناها إجمالا في جواب السؤال السابق و وضع تفاصيلها أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده الخالد الذي كتبه لصاحبه الوفي مالك الأشتر لما ولاه مصر ، أما هذه المصطلحات كالحكومة الدينية و نحوها فهي مستحدثة ولا أصل لها ونحن إنما أمنا بالدين واتبعناه في حياتنا فلأننا رأيناه يحرر الإنسان من عبودية الإنسان و طاعة الشهوات والنزوات المهلكة ولأنه ينظم حياتنا بالشكل الذي يحقق لنا السعادة والأمن والاطمئنان وإعمار الحياة بكل ما هو مفيد ونحن مع أي نظام يحقق لنا هذه الأهداف بغض النظر عن التسميات.

 

نيوزويك: فيما لو  كنت قائدا للعراق هل ستكون حكومة العراق حكومة دينية؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: إن القيادة ليست شيئا يُدّعى ولا ينال بالقهر والتسلط بالقوة وإنما هي علاقة تنشأ بين القائد والآخرين يحددها عاملان هما حاجة الآخرين إلى الشخص وإحسانه إلى الآخرين، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره) وقيل لأحد العلماء ما هو الدليل على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: (حاجة الناس إليه واستغناؤه عن الناس) فكلما كان الإنسان معطاء  في حياته ومحسنا إلى الناس كل أشكال الإحسان فإن حاجة الناس إليه ستزداد وستختاره لقيادتها ، على إننا تعلمنا من أئمتنا المعصومين عليهم السلام الزهد في المناصب واحتقار الدنيا التي تُنال بالظلم والعدوان والمكر والخديعة، ولا نرى المناصب إلا وسيلة للاحسان إلى الناس ورفع الظلم عنهم وإسعادهم وتوجد كلمات جليلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا الصدد في نهج البلاغة لا ينبغي لأحد أن يغفل عنها.

 

يوجد عتب كبير لدى شعوب العالم على الشعب الأمريكي

 لأنه لا يؤثر على حكومته لتغيير سياساتها الظالمة

 

نيوزويك: هل هناك ما يثير إعجابك بأمريكا، وهل هناك من لفت أنظارك من القادة السياسيين الأمريكيين أو غيرهم؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: يجب أن افرق في تقييمي بين الإدارة الأمريكية والشعب الأمريكي، فإن الشعب الأمريكي يساهم في بناء حضارة إنسانية راقية تحظي بإعجاب العالم كله ويحمل الكثير من الخصال الطيبة كاحترام الإنسان واعتباره أثمن شيء في هذه الدنيا مما يدعوهم إلى التفاعل مع قضايا الشعوب، ويعجبني فيهم تذويبهم لكل خصوصياتهم وانتماءاتهم الأصلية وتمسكهم بحب وطنهم ومصلحة شعبهم، كما أسمع كثيراً عن المصداقية في التعامل لدى شعوب الغرب المتحضرة، وهذه كلها وأزيد منها مما تعلمناه من الإسلام على لسان نبينا العظيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكن الفرق بيننا في المنطلقات والنوايا فإن كثيراً من الغربيين يطلبون الأهداف القريبة العاجلة، ونحن نطلب إضافة إليها الأهداف السامية أعني رضا الله تبارك وتعالى والفوز بالجنة، كما أن حضارة الغرب المادية تستبطن عوامل الفناء والخراب ونبهتّهم إليها في أكثر من خطاب منها (الأيدز: نذير انهيار الحضارة الغربية) ورسالتي إلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما اخذ بنصيحة مجلس حكمائه في منع الحجاب في المدارس الرسمية وغيرها.

ولا زلت أتذكر حين مطالعتي لكتاب (كيف تكسب الأصدقاء) لـ(ديل كارنيجي) الذي أحترمه كثيراً، أتذكر التطابق الكبير بين ما ورد فيه و التعاليم التي نقلتها أحاديث أهل البيت (سلام الله عليهم) ولا اعتقد أن ما توصل إليه نتيجة خبرة إنسانية متراكمة وإنما استفاده بشكل مباشر أو غير مباشر من التعاليم الإلهية للأنبياء والرسل والأئمة عليهم صلوات الله فإن الإنسان عاجز لوحده عن الوصول إلى ابسط التصرفات الحياتية كدفن جسد الميت حتى بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه في قضية قتل أحد ولدي نبي الله آدم للأخر فتعلم من الغراب ودفن جثة أخيه المقتول بحسب ما حكاه القران الكريم.

أما الإدارة الأمريكية فإن الكراهية لها تزداد لدى شعوب العالم بسبب ما ترتكبه من سياسات ظالمة وجرائم بحق الشعوب وكيلها بمكيالين و يوجد عتب كبير لدى هذه الشعوب على الشعب الأمريكي انه لا يؤثر بشكل فاعل على سياسة إدارته المفروض انه انتخبها بكل حرية وهي تدعي تمثيله .

في الختام أأمل أن تُقرأ أجوبتي بعمق وتأمل لأن فيها خيراً كثيراً للجميع وبمقدار نجاحكم في إيصالها فإنها ستكون مثار فخر و اعتزاز ونبل لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



([1] ) حظيت هذه الفكرة باهتمام واسع من لدن الإعلاميين والمحللين والسياسيين وأثارت جدلاً وحوارات عبر الفضائيات استمرت عدة أسابيع بشكل لم يسبق لحدث أو فكرة أن ينال مثله وترك أثره الكبير حيث وجد حِراكاً سياسياً فاعلاً وانفصلت عدة كتل صغيرة من الكتل الكبيرة  ومهدت للقضاء على الاقتتال الطائفي الناتج من التخندق الطائفي ، مما فضحت هذه الدعوة التي أعقبتها في== ==شهر آذار انسحاب حزب الفضيلة الإسلامي من كتلة الائتلاف  زيف المتسترين بلباس الطائفية السنية والشيعية لتحقق مآربهم الشخصية، حيث كشفت الخطوة أن الصراع سياسي على السلطة والثروة ويتلبس بالدين والطائفة للخداع. وهو ما قلناه في بيان عن وثيقة مكة، واستثمرت القوى المهيمنة على السلطة في العراق هذه الفكرة لتشكل تحالفاً رباعياً أو خماسياً يتجاوز الانتماء العرقي والطائفي ، وأعلن قيادي في المجلس الأعلى عن تشكيل جبهة تضمهم والحزب الإسلامي السني والتحالف الكردستاني، وفهم على أنه خطوة لإسقاط حكومة المالكي.

([2])  وقد تقدم في المجلد السابق من هذا الكتاب.

([3] ) وقعت عدة انفجارات متزامنة في مدينة الصدر يوم الخميس 1/ ذ . ق/ 1427 المصادف 23/11/2006 بينها ثلاث سيارات مفخخة وقذائف صاروخية في عدة مناطق من المدينة وناهز عدد الضحايا (202) والجرحى(250)  وأدان الجمع هذه العملية واعتبرها إفرازاً طبيعياً للاحتقان السياسي والخطاب الطائفي المتشنّج، وأعقبتها أعمال انتقامية متبادلة في أحياء مختلفة من بغداد.