خطاب المرحلة (118)... أداء الائتلاف محرج للمرجعية الرشيدة أمام الجماهير

| |عدد القراءات : 1967
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

أداء الائتلاف محرج للمرجعية الرشيدة أمام الجماهير

 

استقبل سماحة الشيخ اليعقوبي السيد منوشهر متكي وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية و الوفد المرافق له([1]).

 وقال السيد متكي أنه جاء إلى العراق لأمرين:

 (الأول ) تهنئة الحكومة الجديدة التي شكلت برئاسة الأستاذ نوري كامل المالكي.

(الثاني) إعلان استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لنقل خبراتها ومواصلة التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية و العلمية وغيرها، وأن إيران قد خصصت مليار دولار كاعتمادات للقيام بالمشاريع التي يحتاجها العراق وتشمل قطاعات الكهرباء والصحة و النقل وغيرها، وقد أجريت اتفاقيات و حوارات حول هذه المواضيع أمس مع المسؤولين، وتوجهنا اليوم من بغداد إلى كربلاء لنجعله يوم زيارة و عبادة، وبعد زيارة العتبات المقدسة أردنا أن نزور العلماء وها نحن نتشرف بذلك، ولا شك أن الدور الذي تقومون به سماحتكم ورجال الدين الأفاضل يصب باتجاه الاستقرار و الهدوء لأبناء الشعب العراقي بمختلف فئاته، وقد تحصل انقسامات هنا وهناك، فتقومون سماحتكم باتخاذ التدابير اللازمة لحل تلك الانقسامات مما فيه خير ومصلحة الشعب العراقي. 

نحن مسرورون جدا لهذا اللقاء ونستفيد من آراء سماحتكم حيال الظروف القائمة في العراق، ونعرب عن استعدادنا للقيام بأي واجب علينا.

وهنا تحدث سماحة الشيخ اليعقوبي ورحب بضيفه الكريم وشكره على هذا التواصل وابتدأ بالتعليق على جعل اليوم يوم عبادة وقال إن كل أيام المؤمن وساعاته هي عبادة ما دامت تثمر خيراً للبشرية وإعماراً للحياة و لا تقتصر العبادة على العبادات المعروفة المعينة، بل إن الأجر والثواب الذي رصده الله تبارك وتعالى للأعمال المثمرة اجتماعيا أكثر بكثير مما ورد في الطقوس العبادية المفروضة كما في الحديث (إن إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام) لان فيه حفظ وحدة المجتمع وتآلفه وتماسكه، أو ما ورد في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارها تؤدي وظيفة اجتماعية من أنها بها تقام السنن وتحفظ الفرائض وتحل المكاسب وتأمن الطرق وغيرها.

وهذه الفعاليات سميتها (الواجبات الاجتماعية) بدلاً من (الواجبات الكفائية) بحسب المصطلح المشهوري لأن الشارع المقدس كما لحظ الفرد كفرد وخاطبه بتكاليف كالصلاة والصوم والحج، فإنه لحظ الأمة ككيان واحد وكلفها بتكاليف، ومثل هذا اللحاظ موجود في أحاديث كثيرة كتشبيه الأمة بركاب السفينة فلا يحقّ لأحدهم أن يتصرف كفرد ويقلع خشبته ويقول هذه ملكي لان النتيجة غرق الجميع، بعض الأحاديث يشبه المؤمنين بالجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.

ومن هذه الواجبات التي خوطبت بها الأمة كان هو العمل السياسي لإيصال الثلة الصالحة إلى قيادة البلد وإدارة مفاصله وهو أهم الواجبات الشرعية كما دلت الآية الشريفة على أن نصب القيادة الصالحة للأمة تعدل كل أعمال الشريعة الأخرى [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه] (المائدة:67) لذلك كان موقفنا من دعم العملية السياسية بهذه القوة، وكانت فتوانا أقوى الفتاوى حيث جعلنا وجوب المشاركة في الانتخابات أهم من وجوب الصلاة والصوم؛ لأن وجود الحكومة الصالحة هو الذي يحفظ الصلاة والصوم، و إذا كان على رأس السلطة أشرار منحرفون فاسدون فإنهم سيحاربون الصلاة والصوم، كما رأينا من أفعال صدام وعانيتم انتم من بطش وقسوة الشاه المقبور حتى انه منع النساء من ارتداء الحجاب الذي هو أوضح الشعائر والشعارات الإسلامية.

واندفعت الأمة للمشاركة في الانتخابات بشكل مثير للإعجاب والفخر وأذهل العالم طاعة لمرجعياتها ووصل به عدد من الإخوة إلى البرلمان وشكلوا حكومة.

وهنا ينفتح السؤال : هل إن أداء الإخوة الذين انتخبناهم كان بمستوى ذلك الدعم والطرح القوي و الأهداف التي تأملتها المرجعية منهم وحماس الجماهير المنقطع النظير؟ أقول بكل أسف: لا وهذا الشعور بخيبة الأمل لا اختص به أنا بل هو شعور عام لدى كل المرجعيات الدينية، وليس الآن بل حتى قبل الانتخابات الأخيرة، لذلك لم تكن متحمسة لدعم الائتلاف، فيها وربما سمعتم منهم هذا خلال زيارتكم لهم، وأنا حينما أتحدث معكم بهذا الكلام لا اعتبره إدخالا للأجنبي في شؤوننا الداخلية لأنني اعتبر الشعبين العراقي والإيراني واحدا لانتمائهم إلى مدرسة أهل البيت الرصينة وقوة و شائجهم الاجتماعية والتاريخية، ولو كان غيركم لما تحدثت معه بهذا لأنه أمرٌ يخصنا وعلينا أن نصلحه فيما بيننا.

فتجربة الإخوة في الحكم كانت مزيداً من التداعيات والأداء السيئ والتنازلات المهينة، والسكوت عن الظلم و الاستمرار في حالة الخراب والفقر والحرمان والاضطهاد والاستئثار بالثروات، وعدم المبالاة بالناس، ووقعت المرجعية في حرج شديد أمام جماهيرها لأنها لا تستطيع أن تبرر لهم أفعال السلطة التي دفعت الجماهير لانتخابها بكل تلك القوة والحماس.

إن الإخوة في الحكم يستعملون المرجعية كورقة رابحة يحققون بها مآربهم الشخصية، وبعد أن يحصلوا عليها لا يكترثون لأقوالها، ومثل هذا الشعور بالخيبة و الإحباط لدى المرجعية يدفعها إلى رفع اليد عن دعم العملية السياسية؛ لأنها لا تستطيع أن تكون مظلّة شرعية لعملية منحرفة ظالمة، ولا يصح منها أن تكون أداة لكي يحقق بها المستأثرون مآربهم على حساب المستضعفين والمحرومين الذين ضحوا بأرواحهم وتحملوا الإرهاب والقتل وخرجوا إلى صناديق الاقتراع ليجلسوا هؤلاء المستأثرين الأنانيين الذين لا يفكرون بالشعب على أرائك الحكم والسلطان !! وإذا حصلت مثل هذه النتيجة ورفعت المرجعية يدها عن دعم العملية السياسية فإن كارثة ستحل بمصير هذه الطائفة المحرومة.

نحن نعتقد أن الائتلاف العراقي الموحد ليس حاجة آنية أريد منها الفوز بعدد من المقاعد في البرلمان أو تحصيل اكبر عدد من المواقع في السلطة، بل هي حاجة ستراتيجية لضمان حقوق مسلوبة منذ ألف و أربعمائة عام لا تقتصر على السياسية فقط، بل تشمل الثقافية والاجتماعية والدينية والأخلاقية والاقتصادية فلا يجوز للإخوة في الائتلاف أن يفرطوا بوحدته وعزته وقوته، وأن يكون أداؤهم بمستوى الآمال التي عقدت عليهم وان لا ينحرفوا عن الأهداف التي من اجلها شكل الائتلاف.

لقد بذل أبناء المرجعية الرشيدة أقصى الجهود في دعم قائمة الائتلاف، وكانوا من أكثر الفئات حماساً لكسب أصوات الناخبين فأداروا المراكز الانتخابية في المناطق الساخنة، و ذهبوا بصناديق الاقتراع إلى أقصى نقاط البادية والصحراء الغربية ليضيفوا كل صوت ممكن إلى قائمة الائتلاف، فيجب أن تحفظ حقوقهم وتحترم جهودهم وإلا فستحل كارثة حقيقية والعياذ بالله.

وشكر السيد وزير الخارجية سماحة الشيخ على حسن ظنه ونظرته العلمية للتطورات في العراق، وأكد أهمية القضية التي تحدث عنها سماحته وأردف قائلاً إنني سمعت كلمة من الإخوة في الائتلاف تقول إن الحكومة يمكن إذا سقطت أن يشكل الائتلاف حكومة أخرى، ولكن إذا سقط الائتلاف فمن يمكن أن يشكل حكومة؟!

وتفاءل من خلال النظرة التي وجدها لدى سماحة الشيخ بالمحافظة على الوحدة وتعزيز الانسجام بين فئات الشعب العراقي وقال : نحن لا نريد أن نتدخل في الشأن العراقي بل نتمنى القوة والرفعة و التقدم للعراق كما نتمناه لإيران.

وفي ختام اللقاء وجه السيد وزير الخارجية دعوة إلى سماحة الشيخ اليعقوبي لزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الفرصة التي يراها مناسبة، وبعث سماحة الشيخ بواسطة السيد وزير الخارجية برسالة إلى سماحة آية الله السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية في إيران (دام ظله الشريف) عبّر فيها عن مشاعره الطيبة الصادقة تجاه قيادة وشعب الجمهورية الإسلامية الإيرانية.



([1]) كان ذلك يوم السبت 29/ع2/1427 المصادف 27/5/2006.