خطاب المرحلة (106)... أي خدمة للأعداء قدمها مرتكبو جريمة بقيع سامراء

| |عدد القراءات : 2646
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم 

 أي خدمة للأعداء قدمها مرتكبو جريمة بقيع سامراء(1)

 يوماً بعد يوم يتسامى أتباع أهل البيت (سلام الله عليهم) ويزدادون بهاءً وكمالاً بما يظهرون من حكمة وضبط نفس وترفّع عن الإساءة إلى الآخرين وبدأ العالم يلتفت إلى هذه المدرسة التي غُيّبت طيلة أربعة عشر قرناً.

وبالمقابل يتسافل الآخرون وينزلون إلى درجات الحضيض بما يرتكبون من جرائم تتقزز منها الإنسانية وتقشعرّ لها الأبدان.

لقد قدّم المجرمون الذين أقدموا على تفجير الروضة العسكرية الشريفة أعظم خدمة للمعسكر المعادي للإسلام والذي قاد حملة من نشر الصور المسيئة إلى شخصية النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنه لا يستطيع المسلمون –بعد هذا- أن يستنكروا مثل هذه الأفعال إذا قام من ينتسب إلى الإسلام بهذا الاعتداء الشنيع على أئمة الإسلام- وليس الشيعة فقط- فيعذر غير المسلمين أنفسهم على ما فعلوا.

وقدّموا خدمة إلى الصهيونية التي تسعى لإزالة كل مقدّس لدى الشعوب حتى تبقى بلا قيم وثوابت مما يسّهل استعبادهم بقيم ومعايير يضعونها لهم، وهو ما أرادوا تحقيقه من نشر الرسوم المسيئة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقدموا خدمة عظيمة للاحتلال الذي لا يزال يرفع ورقة الحرب الأهلية والوضع الأمني غير المستقر وعجز القوات العراقية عن حماية المواطن والمؤسسات والمقدسات لتبرير وجوده.

وقطعوا الطريق على المسلمين للمطالبة بأي حق فإذا أراد الصهاينة أن يهدموا بيت المقدس بحجة البحث عن هيكل سليمان فماذا سيقول المسلمون وقد دمروا بأيديهم هذه الحضرة الشريفة التي ضمت جَسدي إمامين معصومين؟ هذا ما جنوه بجهلهم وحقدهم وعصبيتهم الجاهلية والطائفية واقتفوا به أثار أسلافهم الذين فتحوا لهم باب الجرائم وانتهكوا كل المقدسات ولم يُبقوا خطوطاً حمراء لأي مقدس، فاعتدوا على بيت النبي الطاهر (صلى الله عليه وآله وسلم) وبنته وقتلوا أئمة الإسلام، حتى الرضيع لم يسلم من بطشهم وساقوا عقائل النبوة سبايا وهدموا البيوت وقطعوا الأرزاق وداسوا الأجساد الطاهرة بحوافر الخيل وجروها بالحبال في الشوارع، فما الذي يقعد أبنائهم عن القيام بجريمتهم الأخيرة؟

صحيح أن الذين نفذوا الجريمة لهم هدفهم الخاص لكن كان ورائهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أكثر من جهة لها أهدافها الخاصة، فمنهم من أراد نقل التركيز الإعلامي من قضية الإساءة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسوم التي بدأت تهدد فاعليها إلى ساحة أخرى، ومنهم من أراد تدمير العملية السياسية في العراق، ومنهم من أراد إفشال الحكومة ومنهم من أراد إظهار حقده الطائفي الدفين، ومنهم من أراد إلقاء الفتنة بين السنة والشيعة في العراق ومن ثم ليعممها إلى الدول المجاورة.

لكن المرجعية الشريفة كانت واعية لهذه المؤامرة وهي تعلم جيداً إن الفعل لم يقم به أهل السنة في سامراء، بل أنهم كانوا أول الغاضبين على هذا الفعل، وظهر ذلك من حشدهم الثائر في الصحن الشريف عقب الحادث، وإنما قام به تكفيريون جهلة متعصبون وصداميون مجرمون سخروهم بالتضليل والتشويش وخلط الأوراق، وساعدهم على ذلك فتاوى بعض المحسوبين على علماء الدين من مرتزقة وطائفيين ووعاظ سلاطين.

ولكن هؤلاء الأشرار يتخفون بين تلك الشريحة الكبيرة ولا يمكن أن نتورط بدم بريء من أجل الوصول إليهم وإنما علينا أن نصل إلى المجرمين بدقة تعذرنا أمام الله تبارك وتعالى وهذا ما دفعنا إلى دعوتكم إلى أن تكونوا أكثر صبراً وحكمة !

خذوا الدرس من أمير المؤمنين فإنه لما فلق أبن ملجم هامته الشريفة التفت إلى أقربائه وذويه وقال (لا ألفينكم يا بني عبد المطلب تخوضون في دماء الناس تقولون قتل علي بن أبي طالب) كما فعل الذين أظهروا المطالبة بدم عثمان واستبطنوا الحرص على السلطة والحكم، وإنما يؤاخذ المجرم فقط بجريمته ! فهذا منطقنا لأننا أصحاب دين وإيمان بالآخرة ونؤمن بالجزاء على ما يكتسبه الإنسان من أعمال ولا يمكن أن نصلح دنيانا بفساد أخرتنا وإن كان هذا يكلفنا كما كلف أئمتنا وقادتنا من قبل.

وإذا اشتعلت فتنة طائفية فأنها ستحرق الجميع ويذهب فيها الأبرياء والحديث الشريف يقول (إن دم المؤمن أشد حرمة عند الله من الكعبة) فلا بد أن نحمي دماء الأبرياء من القتلة البشعين الذي قتلوا في نفس اليوم الحزين (47) من أتباع أهل البيت قرب النهروان وهم متوجهون إلى بغداد للمشاركة في مراسم العزاء والاستنكار.

إن بقاء الثلة الصالحة المؤمنة التي تديم الوجود المبارك لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) هو أعظم رد على كل الأعداء لأنهم يريدون إخلاء الساحة منهم كما فعلوا بعد قتل الشهيد الصدر الأول (قدس سره) عام 1980 ونجحوا في فصل الناس عن دينهم حتى أذن الله تبارك وتعالى بانبعاث الحياة وانتفاض الروح من جديد , ألم يقل صدام أني لا أسلم العراق إلا أرضاً جرداء بلا إنسان، وها هم أيتامه يكملون صفحات جرائمه فكونوا منهم على وعي وحذر.

وإذا كان في يوم ما تكليف المؤمنين هي التضحية في سبيل الله فأنهم سوف لا يقصرون ولا يترددون وسيكونون كما قال الشاعر:

لبسوا الدروع على القلوب واقبلوا       يتهافتون على ذهاب الأنفسِ

وهذا يتطلب منهم إدامة الروح الثورية والتواجد في الساحة والتواصل مع تعاليم دينهم تعليماً وتطبيقاً، والحذر والوعي لما يحاك لهم من مؤامرات، والالتفاف حول قيادتهم الرشيدة التي هي أمان لهم من الوقوع في المزالق.

لقد كان الحضور المليوني للمؤمنين في الساحة عقب الحادث والالتزام بوصايا المرجعية الرشيدة رسالة مهمة أوصلتها الأمة إلى كل المراقبين وعلى المتصدين استثمارها في الاتجاه الصحيح، وأولها الحزم في محاكمة الجناة والاقتصاص من القتلة والمجرمين وإسكات الأصوات المحرضة على الإرهاب وقتل الشعب سواء كانوا يحملون لافتات سياسية أو دينية أو اجتماعية وأن يحافظ الجميع على حرمات الشعب ومقدساته وعلى رأسها الإنسان.



([1])  من حديث سماحة الشيخ مع موكب أبناء كربلاء الذين جاءوا لتعزيته يوم السبت 26 محرم 1427 المصادف 25/2/2006بمصيبة تفجير الروضة العسكرية الشريفة في سامراء يوم الأربعاء 23/محرم/1427 المصادف 22/2/2006، حيث قام نواصب حاقدون على أهل بيت العصمة والطهارة، وخطط لهم صداميون مجرمون بزرع متفجرات ضخمة في القواعد الأساسية لبناء الروضة العسكرية وفجّروها صباح ذلك اليوم، هذا والائتلاف الشيعي الحاكم في غفلة عن حماية مقدساته لانشغاله في الصراع على تشكيل الحكومة فإنا لله وإنا إليه راجعون.