خطاب المرحلة (105)... كيف نفهم الإساءة إلـى أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وآله

| |عدد القراءات : 2642
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 كيف نفهم الإساءة إلـى أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وآله([1])

 قامت صحيفة دانمركية بنشر رسوم كاريكاتورية تسيء إلى شخصية خاتم الأنبياء وسيد الرسل وأشرف الخلق أجمعين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)ثم تلتها صحف ومجلات أخرى في دول أوربية عديدة، وأعلنت شركة أمريكية أنها ستطبعها على قمصان للبيع.

ومما أدّى إلى تفاقم المشكلة عنجهية رئيس وزراء الدنمارك ورفضه الاعتذار معتبراً ذلك من حرية التعبير عن الرأي، هذا الصنم المقدس لديهم الذي يريدون أن يؤلهونه ليكون سلاحاً لتحطيم كل المقدسات والقيم الإنسانية العليا التي اتفق عليها البشر، كجزء من حركة (العولمة) التي تعني عندهم تعويم كل الثوابت الأخلاقية والدينية والاجتماعية وتذويبها وتحطيمها، وجعل الشعوب جميعاً خالية من المحتوى والانتماء ليسهل تطويعها وقيادتها بالاتجاه الذي يريدون، ثم أقاموا ما يسمونه بمؤسسات المجتمع المدني تحت واجهات متعددة لتقود الشعوب بهذا الاتجاه. 

ومن قبل هم أساؤوا إلى القرآن الكريم والكعبة الشريفة والى الشعائر الإسلامية المباركة، واليوم يشوهون صورة النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي بشّرت به دياناتهم وورد ذكره في كتبهم بكل ثناء وتبجيل فما الذي دفعهم إلى ذلك؟

1- قلقهم من انتشار الإسلام الذي بدأ يغزوهم في عقر دارهم وتشير الإحصائيات إلى تصاعد نسبة الغربيين -خصوصاً من النساء- الذين يعتنقون الإسلام حين وجدوا فيه الحياة الحرة الكريمة السعيدة فاعتقدوا أن تشويه صورة نبي الإسلام ينفّر شعوبهم من الإيمان به والالتحاق بمسيرته.

2- ضعف الحكومات الإسلامية واستسلامها أمام مشاريع الغرب مما جعلهم لا يكترثون لمشاعرهم ولا يعبأون بهم ولا يقيمون لهم وزناً، حتى أن الرئيس الأفغاني (المسلم!) وقف في ذروة الأزمة إلى جنب رئيس الوزراء الدنماركي يبرر العملية بحرية الرأي التي يتمتع بها الغرب ونحن لا نفهمها! ثم تمتم بكلمات خجولة طالباً مراعاة حرمة الرموز الدينية، وهؤلاء المهزومون الضائعون هم الذين جرأوا علينا عتاة الغرب وشذاذ الآفاق.

ومما يُذكر في المناسبة أن رئيس تحرير صحيفة أمريكية كان متحمساً لليهود والدفاع عنهم على عكس الموقف من المسلمين فقيل له هل أنت يهودي أو أصلك يهودي أو صحيفتك يمولها اليهود؟ قال: لا قيل له فلماذا هذا الحماس والاندفاع لنصرتهم دون المسلمين الأحق بالنصرة؟ قال: لأنني إن أحسنتُ للمسلمين لم يشكرني ولا واحد منهم عبر الهاتف أو البريد الالكتروني أو أي شيء، وإن أسأت لهم لم يعترض عليّ أحد بينما إن أحسنت إلى اليهود بكلمة أشاد بعملي الآلاف، وإن أسأت اعترض علي مثلهم فمصلحتي مع هؤلاء.

هذا هو حال حكام المسلمين اليوم ماتت مشاعرهم وذهبت نخوتهم وغيرتهم وأعماهم حب الدنيا والتشبث بالسلطة.

3- لقد أساء المسلمون؟! قبل غيرهم إلى نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حين شوّهوا تعاليمه وعرضوا الإسلام بهذه الصورة البائسة فيقتلون الأبرياء من النساء والأطفال ويفجّرون أماكن العبادة ويخرّبون الديار لا لشيء سوى الحقد على البشرية والفرار من الذات المتمزقة، يفعلون كل ذلك باسم الإسلام وتحت شعارات الإسلام.

وهم بذلك يقدّمون أثمن هدية وأمضى سلاح إلى العدو مجاناً، لذا سوف لا يجد الأعداء صعوبة في تشويه صورة نبي الإسلام الذي لم تتعرف شعوبهم عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا من خلال أفعال المنتسبين إليه صدقاً أو كذباً، فأي جريمة يرتكبها هؤلاء الحمقى والجهلة والمتحجرون في حق النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

4- إن الصهيونية العالمية تسعى لدقّ إسفين بين الشرق المسلم والغرب المسيحي لإضعافهما وإشغالهما بهذه المواجهة حتى تتفرغ لإنجاز مشروعها في السيطرة على مقدّرات العالم وهي تحرّك عملاءها في كلا المعسكرين لإشعال هذه المواجهة.

إن الصحيفة نفسها تلقّت عام 2003 رسوماً تسيء إلى السيد المسيح (عليه السلام) لكن رئيس التحرير رفض نشرها وكتب رسالة إلى الرسام يذكر فيها أن هذه الرسوم تستفزّ مشاعر الكثيرين فما عدا مما بدا؟!

إن مشروع الصهيونية العالمية ستتراتيجي طويل ولا يُستبعد أن يكون أحد أهدافهم من دقّ الإسفين التمهيد لمنع الغرب المسيحيين من الالتحاق بحركة الإمام المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بحسب ما دلّت عليه الأخبار الشريفة.

وقد تنادى لدعم هذه الحركة رموز الاستكبار العالمي فالرئيس الأمريكي بوش يبدي أثناء لقاءه بالملك الأردني المسلم امتعاضه من ردود فعل العالم الإسلامي ويدعو حكوماته إلى وقف هذه الحركة، وشركة أمريكية تطبع الصورة على قمصان للبيع! ووزير إيطالي ينشر هذه القمصان؟ والاتحاد الأوربي يهدد الدول التي تقاطع البضائع الدنماركية ويعتبر نفسه هو المستهدف؟ والبرلمان الأوربي ينعقد ويعلن تضامنه مع الدنمارك؟ والمنسق الأعلى للسياسة الأوربية يصل إلى القاهرة ويلتقي بشيخ الأزهر لمعالجة الأزمة لكنه لا يعتذر عن الإساءة ! هذا غير قيام الصحف والمجلات في عدة دول في أوربا وغيرها بنشر تلك الصورة المسيئة! فهل يعقل إن هذه الحملة الهوجاء هي لمجرد حرية التعبير عن الرأي؟

وفي ضوء الالتفات لهذه الأمور نستطيع تحديد واجبنا بعدة خطوات:

1- أن يعي المسلمون إن سلوكهم وتصرفهم ينعكس سلباً أو إيجاباً على الإسلام نفسه لعدم إمكان التفكيك بين النظرية والتطبيق فإن أي أيديولوجية إنما يتم التعرف عليها من خلال معتنقيها، فعلى المسلمين أن يكونوا دقيقين في عرض صورة الإسلام النقية كما أوصانا الإمام الصادق (عليه السلام): (كونوا لنا دعاة صامتين) (كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً) خصوصاً وإن تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات اختزلت العالم كله في قرية واحدة بل في غرفة واحدة وتفاصيل هذه الفكرة في بحث (الأسوة الحسنة).

2- أن تأخذ الشعوب الإسلامية زمام المبادرة من حكوماتها وأن تفرض إرادتها على هؤلاء المهزومين، وقد أثمرت حركتهم عن الانصياع تدريجياً لمطالبهم، واضطر بعض المسئولين في الحكومات للخروج مع التظاهرات تحت الضغط الشعبي، وتحركت القيادات الأوربية لتطبيع الوضع من جديد وقدّمت الدول الإسلامية مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وقّعته (57) دولة يدعو إلى سن قانون يمنع الإساءة إلى المعتقدات والرموز الدينية.

3- أن يتوحد المسلمون ويلتفتوا إلى قواسمهم المشتركة وهي عظيمة وإحداها حب نبيهم، وكم كان جميلاً حين هبّ العراقيون في جميع مدنهم للانتصار لنبيهم الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلّفوا وراء ظهورهم الخلافات والتقسيمات التي حاول أن يزرعها الطائفيون والمصلحيون والمتحجرون وبقية قائمة الأعداء الطويلة.

4- أن يشخّص المسلمون أعداءهم بدقة ولا يكونوا كالثور في حلبة مصارعة الثيران كل همه على الخرقة الحمراء ولا يلتفت إلى خصمه الحقيقي وهو الرجل الذي يطعنه بالخناجر حتى يقتله، فليس أعداؤهم المسيحيين حتى يقوم البعض في لبنان والعراق بتفجير الكنائس وحرقها والاعتداء على الأبرياء وإنما أعداءهم أولئك المستكبرون الذين يريدون الاستئثار بخيرات الشعوب واستعبادهم والويل لمن لا يقدم فروض الطاعة لهم، قبّحهم الله.

5- الاستمرار في حوار الحضارات وعرض المعادل الموضوعي الذي يقدمه الإسلام.

وتوجد عدة إصدارات تثري هذه النقاط وتشبعها بحثاً منها (نحن والغرب) و(الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) و(المعادل الموضوعي بين النموذج الإسلامي والغربي) و(نظرة في فلسفة الإحداث) و (سلسلة خطاب المرحلة).

6- الضغط على المعتدين بالمنطقة التي تؤلمهم وتسبب لهم الصداع وباللغة التي يفهمونها، ومنها مقاطعة بضائعهم لذا رأينا ثورته حين طبقت الشعوب هذا السلاح الماضي ومنها فضح جرائمه إعلامياً وتنفير الشعوب منه. ومنها الدعوة لإقامة معرض لكشف زيف محرقة اليهود المدّعاة من قبل النازيين.

جعلنا الله وإياكم في زمرة الصالحين محمد وآله الطيبين الطاهرين وممن ينصرهم بنفسه ولسانه ويده وفكره وسلوكه والحمد لله رب العالمين وصلى اله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

 

 

محمد اليعقوبي

19 محرم 1427

18  شباط 2006م



([1]) تقرير بتصرف لحديث سماحة الشيخ مع وفد مصلّي الجمعة في ناحية الحر بكربلاء يوم 15 محرم 1427 المصادف 14/2/2006، ولحديث سماحته مع وفد ناحية الإمام في قضاء المحاويل في محافظة بابل يوم 19 محرم 1427.