خطاب المرحلة (104)... عمل القضاة والمحاميـن وفق الشريعة الإسلامية

| |عدد القراءات : 1939
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

عمل القضاة والمحاميـن وفق الشريعة الإسلامية

 استقبل سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) يوم الأحد 28 ذ.ح 1426 المصادف 29/1/2006  عدداً من المحامين من محافظة واسط وسألوه عن كيفية عملهم وفق الشريعة الإسلامية فأجاب سماحته: انه ليس فقط مجال القضاء الذي يحتاج إلى تصحيح وإنما كل واقع المعاملات بُني على غير منهج الإسلام فمثلاً البنوك تعتمد نظام الفائدة الربوية والتعامل معها يوجب إشكالات تحتاج إلى تقنين وتكييف الفقهاء.

وقد عمل الفقهاء على بيان طريقة التعامل مع هذه الحالات وقد اعترضت مرة قبل عشرين عاماً على هذا النمط من التفكير في إحدى مراسلاتي مع السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) واعتبرته ترقيعا للواقع الفاسد ويؤدي إلى ترسيخه والوقوع في آثاره السيئة التي أراد الشارع المقدس إنقاذ البشرية منها، فأيد (قدس سره) هذا وقال كلمة أعتبرها برنامج حياة (علينا أن نرتقي بمستوى الواقع الفاسد إلى الشريعة وليس أن ننزل الشريعة إلى مستوى الواقع الفاسد) لكنه دافع عن عمل الفقهاء باعتبار أنهم أمام مشكلة حقيقية تورط بها الناس، فعليهم أن يفكروا لإبراء ذمة المكلف على الأقل إن عجزوا عن تغيير الواقع الفاسد. 

وإذا أردنا أن نطبق هذه المقدمة على عمل القضاة والمحامين فنحن أمام حلّين أحدهما ستراتيجي يمثل حالة الطموح، والآخر مرحلي يقنن التعامل مع الواقع الموجود وفق الشريعة المقدسة: 

 فالأول: بان نسعى إلى تأسيس (معهد للقضاء) لا يكتفي بإعطاء مفردات القوانين الوضعية المطلوبة وإنما يزوّد القاضي بالأحكام الشرعية والقواعد الأصولية التي يحتاجها في عمله لاستخراج الحكم الشرعي المنطبق على الحالة المترافع عليها، هذا من جهة تأهيل القاضي، ومن جهة أخرى علينا أن نهذب القوانين وننقحها وننقيها من المخالفات للشريعة خصوصاً وقد نجحنا في تثبيت مادة في الدستور تشترط على كل القوانين عدم مخالفتها لأحكام الشريعة المقدسة، وهنا تقع المسؤولية على القضاة والمحامين في التعاون مع المرجعية الرشيدة لتأسيس مثل هذا المعهد ولمراجعة القوانين المعمول بها في المحاكم لمعرفة نقاط التقاطع مع الشريعة حتى نعمل على تصحيحها بإذن الله تعالى وهي فعلا تحتاج إلى إعادة نظر لأن كثيراً منها يعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي.

والثاني:  بأن نضع للقضاة والمحامين جملة من المحددات لعملهم ومنها:

أ- أن لا يتصدوا لقضية فيها حكم من مختصات الحاكم الشرعي، فليقوموا مثلاً بإجراء عقد الزواج الذي لا يحتاج إلى أزيد من إيجاب وقبول من الزوجين وإذن ولي الأمر للباكر، وكإيقاع الطلاق من قبل الزوج الحاضر مع اجتماع شروطه، أو نصب القيم الجامع للشرائط وهكذا.

أما القضايا التي فيها حكم سواء كانت في البداءة أو الجنايات ونحوها فيتجنبها لأن مسؤولية التصدي لإصدار الحكم شديدة، وقد نقلت الروايات الشريفة عقوبات تقشعر لها الأبدان لمن تصدى للقضاء وهو ليس جامعا لشروطه الشرعية حتى لو كان حكمه مطابقاً للواقع حتى في أبسط الأمور، كما روي أن طفلين تحاكما إلى الإمام الحسين (عليه السلام) لينظر أي الخطين أجمل فقال له أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام): احذر يا بني فإن هذا حكم والله مسائلك عنه يوم القيامة.

ب- أن لا ينظروا في قضية إلا بعد التأكد من حكم الشريعة فيها بمراجعة المؤهلين من علماء وفضلاء الحوزة الشريفة، أقول هذا وأنا أعلم صعوبة التطبيق وربما تعذره لأن القاضي لا يستطيع عدم النظر في قضية تمّت إحالتها عليه إلا لعذر مقبول من وجهة نظر القانون الوضعي كارتباطه بالمدعى عليه بعلاقة إيجابية أو سلبية تؤثر على الحكم، كما انه محدّد بالقانون الوضعي الذي ينظم عمله فإذا حكمت له الحوزة على خلاف المادة القانونية وأراد تطبيق الحكم الشرعي فإن محامي المدعى عليه سيستأنف الحكم ويحاججه بالقانون الذي يجب عليه أن يطبقه.

قد يقال إنه مع هذا التعذر فإن النتيجة انسحاب المؤمنين الملتزمين من جهاز القضاء، وبقاؤه في أيدي الفاسدين مما يشكل خطرا كبيرا على حياة الأمة ولكني أرى أن هذا سير بالاتجاه غير الصحيح، وإنما النتيجة الصحيحة هي أن نكون شجعانا وحازمين في طلب رضا الله تبارك وتعالى ونقف وقفة رجل واحد لتغيير القوانين المخالفة للشريعة وتأسيس واقع جديد يجنبنا الوقوع في معصية الله تبارك وتعالى، فالذنب هو ذنب الأمة حينما ولت أمرها من لا يستحق وأوقعت نفسها في هاوية الضلال وقد قالها أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا أصلحكم بفساد نفسي) فأين أنصارنا إلى الله تبارك وتعالى؟ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إلى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ] (الصف:14).

 

 

 

محمد اليعقوبي

28 ذي الحجة 1426

29/1/2006