خطاب المرحلة (97)... الموقف من الانتخابات

| |عدد القراءات : 2009
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الموقف من الانتخابات(1)

 س/ من المعلوم أنكم دعمتم الانتخابات السابقة وأوجبتم المشاركة فيها وكانت فتواكم أقوى ما صدر من المرجعيات الدينية حين قلتم أن هذا الوجوب أهم من وجوب الصلاة والصوم , فهل مازال الوجوب على حاله بالنسبة للانتخابات المقبلة؟

بسمه تعالى: إن ذلك الموقف لم يكن دعائياً ولا إعلامياً وإنما كان مبنياً على أسس شرعية في ضوء نظريات (الفقه الاجتماعي) الذي بيّنا أسسه ومعالمه في كتيب (الأسس العامة للفقه الاجتماعي) وقد شرحناها في عدة بيانات من سلسلة (خطاب المرحلة)كالبيانات (42) و(55) وغيرها، ومما قلناه أن المستفاد من ذوق الشريعة اهتمامها بالواجبات الاجتماعية أكثر من الفردية فمثلاً ورد عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) (إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام) لما فيه من حفظ وحدة الأمة وعزتها وقوتها ومنعها من التفكك والتشرذم ووردَ (فضل العالم على العابد كفضل الشمس على سائر النجوم لأن العلم يبني المجتمع والحضارة ويَقوِم حياة البشرية أما العبادة فذات مردود فردي غالباً وإن كان لها أثر اجتماعي إذا كانت مقبولة.

وورد من الفضائل والآثار العظيمة لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي فريضة اجتماعية تجب على مجموع الأمة ما يذهل ويحفز كل إنسان لأدائها بالشكل الذي يتيسر له.

فالمشاركة بالانتخابات باعتبارها الوسيلة المتيسرة الآن لإيصال المؤمنين الصالحين الكفوئين النزيهين إلى موقع السلطة ومفاصل الدولة من الوظائف الاجتماعية التي عرفت أهميتها وبوصول هذه الثُلة تحفظ الصلاة والصيام وإذا وصل غيرهم فلا تبقى صلاة ولا صيام كما عشنا في زمان صدام المجرم وسائر الطواغيت حين عطلت المساجد وقتل المؤمنون وشردوا.

والشاهد الآخر على هذه الأهمية قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ..] (المائدة:67) فجعل الله تبارك وتعالى تعيين القيادة وتنصيب ولاة أمر المسلمين في كفّة والرسالة كلها بكفّة أخرى، وإن لم تنجح الأمة في اختيار قادتها الحقيقيين وإيصالهم إلى المواقع التي يستحقونها فإنها ستضيّع الشريعة كما حصل خلال القرون المتمادية، ولم يبق على دين الحق إلا النزر اليسير من هذه البشرية الضالة المتعبة.

والخلاصة إن لهذه الأهمية أكثر من وجه:

أنها وظيفة اجتماعية وهي أهم من الأعمال الفردية.

أنها أعظم وسيلة لتطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعظم آلياتها فالنصح والإرشاد والموعظة قد تهدي واحداً أو مئة لكن وصول الرجل الصالح إلى موقع القيادة يغيّر حال الملايين فوجوب المشاركة من وجوب هذه الفريضة.

أنها الوسيلة المتيسرة لتعيين القيادات الصالحة للأمة التي علمت  الشريفة أنها تعادل الرسالة كلها.

بوصول الثلة الصالحة تحفظ الصلاة والصيام وسائر الشعائر المقدسة وأحكام الدين بالمقدار المتيسر وبوصول غيرهم تهدم هذه المعالم وحفظها واجب.

نعم، قد يحصل خطأ في التطبيق بمعنى عدم كفاءة بعض العناصر المختارة أو تقصيرها أو سوء تصرفها أو عدم الدقة في اختيارها لكن هذا خطأ في التطبيق ولا يجوز أن ينعكس على أصل الوجوب.

والعراق اليوم أصبح ساحة لمواجهة عالمية تتصارع فيها معسكرات متعددة:

الأول: أمريكا التي تريد أن تتحكم بمصير العالم وتمنع من قيام قوة عالمية كبرى تنافسها وتهدد مصالحها وتحالف معها من يريد أن يركب قطار المصالح قبل أن تفوته.

الثاني: الدول التي تخشى التفرعن الأمريكي وتخاف من السقوط في قبضتها والتحكم فيها من خلال السيطرة على مصادر النفط والثروات الأخرى والمواقع الجغرافية الستراتيجية ومن هذه الدول فرنسا وألمانيا وروسيا.

الثالث: المتحجرون التكفيريون الطائفيون الذين امتلأت قلوبهم غيضاً وحنقاً من ظهور صوت الحق المعبّر عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

الرابع: الدول الإقليمية التي تخشى من نجاح التجربة العراقية وإطلاق حرية الأمة وإرادتها بينما يريدون هم أن يواصلوا مسيرة الاستبداد والظلم والاستئثار.

الخامس: الصداميون المجرمون الذين يحلمون من خلال إرباك الوضع في العراق وخلق الأزمات زرع اليأس والإحباط في نفوس العراقيين بالعودة إلى مواقع السلطة التي وظفوها للجريمة والأطماع غير المشروعة والأعمال الصبيانية ونهب ثروات الشعب.

السادس: مرضى النفوس والأنانيون والنَهِمون في جمع المال ولو على حساب البائسين.

هذه القوى كلها تتصارع في العراق والضحية الأولى هو الشعب العراقي نفسه، فعليه أن يتوكل على الله تعالى ويقف وقفة الشجاع الواثق بنفسه القادر على دحر كل هؤلاء وإعادة الأمور إلى نصابها من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وقطع الطريق على كل الطامعين والمجرمين والأعداء.

وقد أشرنا إلى آليات العمل عبر سلسلة طويلة من خطاب المرحلة ومن ضمنها وجوب التصدي للعملية السياسية على من يجد في نفسه الكفاءة والنزاهة والقدرة على خدمة بلده وشعبه، وأن يعرّف نفسه للأمة كي تختاره ويؤدي واجبه ومنها وجوب المشاركة في الانتخابات لإيصال مثل هؤلاء إلى مواقع السلطة والحكومة حتى تتحرر الأمة من ظلم هذه المعسكرات الظالمة.

مضافاً إلى ما ذكرنا في بيان سابق أن المرحلة الآتية هي مرحلة وضع النقاط على حروف الدستور، وهي مهمة خطيرة يمكن أن تفرغ الدستور من كل مضامينه الايجابية التي حققها ممثلو الشعب في لجنة كتابة الدستور. كما أن وضع النقطة أعلى الحرف أو أسفله أو حذفها منه تغيّر معناه جذرياً.

وبصراحة فإني أريد من كل شخص أن يحسّ أن الإدلاء بالصوت في صناديق الاقتراع هو حق له يعزّز انتماءه للوطن ويفعّل دوره في بناء مستقبل الأمة فيندفع بإصرار وحرص بل بفرح وسرور للتمتع به ولا نريد أن يشعر أنه واجب مفروض عليه لا بد من أدائه رغماً عليه وفرق كبير في المشاعر بين ممارسة الحق وأداء الواجب.

س2: هل أوجبتم التصويت لقائمة معينة في الانتخابات المقبلة؟

ج: بسمه تعالى: قلت قبل قليل أن المشاركة في الانتخابات حق قبل أن تفرضه استحقاقات المرحلة وتوجبه، وما دام حقاً فلكل إنسان الحريّة في طريقة الاستفادة منه وممارسته ولا نفرض عليه توجّهاً معيّناً، ومن جهة أخرى فإننا نطمح أن يرتقي الوعي السياسي والقدرة على الاختيار لدى الأمة إلى المستوى الذي يصبح فيه مؤهلاً لاختيار الأكفّاء الصالحين القادرين على إعادة الحق إلى أهله، ومن جهة ثالثة فإننا نريد من الأمة أن تتحمل مسؤوليتها في اختيار قادتها من دون توسط المرجعية الدينية ليكون هؤلاء القادة مسؤولين أمامها مباشرة وحريصين على تحقيق مطلبها والفوز برضاها، أما تصدي المرجعية لتحديد الأسماء فإنه يجعل المرجعية بين المطرقة والسندان فمن جهة لا ترضى على الكثير من أداء المتصدين للحكومة ولا تستطيع الدفاع عنهم أمام استياء الناس وإلحاحهم في قضاء مطالبهم، ومن جهة لا نستطيع رفع اليد عن دعم المتصدين لأهمية المرحلة التي ذكرتها فيقع العبء والحرج على المرجعية، فالصحيح المسؤولية المباشرة للمتصدين أمام الشعب ويكون للمرجعية دور المراقبة والتوجيه والنصح والدعم والتأييد لكل ما هو حق ومفيد.

ولكن لأن التجربة جديدة على الشعب وهو لم يستعد لها ولم تكف المدة لاستيعاب هذا التطور، ولأن المرجعية هي أنزه جهة وأجمعها لخصال الخير والرحمة والحرص على الأمة والترفع عن الدنيا والمصالح الشخصية والفئوية، ولما تتسم به من الحكمة والرشد والوعي، فإن الأمة تتوجه إليها وتطلب منها المساعدة.

وفي ضوء هذا نقول إننا يجب أن ننتخب كتلة صالحة قوية لا تقل المقاعد التي تحصل عليها بإذن الله تعالى عن (92) مقعداً أي (الثلث زائد شيء)([2]) لكي يكون صوتها مسموعاً ولا يمكن تجاهلها أو إقصاؤها وتهميشها، أما لو كانت المقاعد أقل من الثلث فيمكن للآخرين أن يتحالفوا ويحققوا نسبة الثلثين الكافية لتشكيل الحكومة ويعزلوا الثلة الصالحة.

ولا أريد بهذا الكلام أن أحرم الآخرين من الإدلاء بأصواتهم لرجال صالحين رشّحوا أنفسهم بقوائم متنوعة -وإن كان هذا يشتت الأصوات ويوزعها على كسور لا تكفي للحصول على مقعد فتهمل وبإهمال هذه الكسور تضيع فرصة للحصول على مقاعد عديدة فيما لو كانت منضمّة إلى أصوات الكتلة القوية الكبيرة - لكنني أدعو هؤلاء الرجال الصالحين أن ينضموا إلى الكتلة القوية بعد الانتخابات لتقوى شوكتهم وتصبح لهم اليد العليا في القرار السياسي ولا يتفرقوا وتذهب ريحهم.

ونشير هنا إلى ضرورة اهتمام الكيانات السياسية بنشر المراقبين في مراكز الاقتراع لأنني علمت أن خططاً رهيبة محكمة وضعت لشراء الأصوات وتغييرها أو تحريفها أو منعها من الاختيار الحر وغيرها من الانتهاكات.

[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة:105)

 

محمد اليعقوبي



([1])  يأتي هذا البيان ضمن نفس سياق البيان السابق وفي فترته الزمنية.

([2])  ستأتي الإشارة إلى نتائج الانتخابات في هامش (صفحة 191).