خطاب المرحلة (96)... الشعب العراقي مدعو إلـى صنع مستقبله في الانتخابات المقبلة ووضع النقاط على الحروف

| |عدد القراءات : 1864
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الشعب العراقي مدعو إلـى([1])

صنع مستقبله في الانتخابات المقبلة ووضع النقاط على الحروف

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الشعب العراقي مدعو إلى صنع مستقبله في الانتخابات المقبلة ووضع النقاط على الحروف، ولا تقل الانتخابات المقبلة أهمية عن سابقتها بل هي أهم منها لأننا قلنا أن من مناشئ أهمية تلك الانتخابات أنها ستفرز ثلة قادرة على وضع دستور ينظم حياة الشعب العراقي ويرسم مستقبله وقد تمت هذه العملية وخرج الدستور بالشكل الذي أمكن التوافق عليه بين مكونات الشعب العراقي، وقد قلنا انه لا يخلو من نواقص وثغرات وطالبنا بتعديلها وقد تم بفضل الله تعالى إصلاح جملة منها، لكن طبيعة الرغبات والطلبات المتصارعة والمتزاحمة تقتضي أن يتنازل كل طرف عن بعض مطالبه ويتقدم نحو الآخر الذي يفعل نفس الشيء إلى أن يلتقوا عند نقطة التوافق.

وقد يجد السياسيون أنفسهم في هذه المرحلة التأسيسية أنهم مضطرون إلى هذا النمط من السير في العملية السياسية نظراً للضغوطات الكبيرة التي تمارسها قوى داخلية وخارجية لحرمان اتباع أهل البيت من نيل حقوقهم وإعادة الوضع إلى سابقه، وتمارس الدول الإقليمية والكبرى وأذنابهم في الداخل مختلف وسائل الترغيب والترهيب القوية والفاعلة للوصول إلى هذه النتيجة، لكن فضل الله تبارك وتعالى وألطاف صاحب العصر (عليه السلام) والحكمة التي يجب أن تتصف بها مواقفنا هي التي تحفظ وترعى هذا الوجود المبارك والمستمر لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

لكن هذا الجهد كله كان هو البداية والمنطلق لمسيرة المستقبل الزاهر، والذي تحقق هو كتابة أصل الدستور وبقيت تفريعاته وقوانينه التي يمكن أن تبدل مضمونه كليا وتفقده معناه وتسلب كل المكاسب التي تحققت فيه، فمثلا حينما نكتب الحرف (ح) فإنك تقرأه حاءاً لكن يمكن أن تضع نقطة فوقه ليصبح خاءً أو تحته فيصبح جيماً ويتغير معناه تماماً لذا فإن مرحلة (وضع النقاط على الحروف) هي التي تقطف الثمرات وتحقق النتائج وتؤدي المعنى المطلوب.

ولمزيد من الفائدة أقول وان كان خارج الموضوع أنه يمكن فرض وجه مناسب لفهم ما ورد في ذيل قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (جمعت علوم القران كلها في الفاتحة وجمعت علوم الفاتحة كلها في البسملة وجمعت علوم البسملة كلها في الباء وجمعت علوم الباء كلها في النقطة وأنا تلك النقطة) بأن يقال في بيانه أنه (عليه السلام) هو المظهر لعلوم القرآن الحقيقية ومن دونه (عليه السلام) تبقى المعاني ظاهرية مجملة أو مطلقة وعنده (عليه السلام) البيان التفصيلي وهو القادر على وضع النقاط في مكانها الحقيقي من الحروف ليوضح معانيها الحقيقية.

فالجمعية الوطنية المقبلة مسئولة عن وضع النقاط على حروف هذا الدستور وتنظيم قوانينه التفصيلية، لأن أكثر من خمسين مادة ذيلت بعبارة (وينظم ذلك بقانون)، مثلا حينما اعترضنا على تعريف العراقي بأنه من ولد من أب عراقي أو أم عراقية وقلنا أن ترك عبارة (أم عراقية) على إطلاقها غير صحيح ويسبب مشاكل ذكرناها في بيان سابق فلابد من إلحاقها بعبارة (وينظم ذلك بقانون) لوضع قيود لهذا التعريف يجنبنا تلك الإشكالات، وقد تحقق هذا التعديل ويمكننا حينئذ إقرار تلك القيود في قانون تكتبه الجمعية الوطنية المقبلة.

وأمام هذه المهمة الخطيرة والتحديات الواسعة التي تواجهها الأمة، فهي مسئولة عن صنع مستقبلها بيدها بالمشاركة الايجابية الفاعلة في الانتخابات إذا تخلت عن واجبها وتواكلت وتخاذلت فسيصنع غيرها هذا المستقبل وسوف لا يكون في صالحها بالتأكيد.

إني أعلم بوجود استياء من أداء الحكومة وتقصيرها واعلم أن توزيع المقاعد لم يكن مناسبا لثقل الكيانات في الساحة، وأعلم أن أسماءً في القوائم الانتخابية ليسوا مرضيين عند هذا الطرف أو ذاك وأنا اسلم بصحة كل هذه الإشكالات، لكن هذه كلها مطالب جزئية يجب تذويبها في المصلحة العامة لأنك حينما تذهب إلى صناديق الاقتراع فانك لا تنتخب شخصاً بعينه ولا حتى القائمة في محافظتك وان كنت تعطيها صوتك وإنما تنتخب كياناً وخطاً واتجاها سوف يجمع كل هؤلاء المرشحين، ولا شك أنه يضم الكثيرين ممن يمثلون وجهة نظرك ويدافعون عن حقوقك وتأمنهم على مستقبلك فحينما تعطي صوتك في السماوة لقائمة ليس لحزبك فيها مقعد فإن هذا لا يضر؛ لأن الآخر يعطي صوته لك في البصرة أو الناصرية التي لك فيها أكثر من مقعد وبالتالي سوف يجتمع كل هؤلاء تحت مظلة الجمعية الوطنية.

وأعتقد أنهم جميعاً متوافقون على المبادئ الأساسية كوحدة العراق وسيادته الكاملة على أراضيه، وطرد المحتل وبناء مستقبل زاهر للشعب واحترام حقوق الإنسان والمساواة أمام القانون والتوزيع العادل للثروة، وقطع يد الإرهاب والاقتصاص من القتلة والمجرمين ومراعاة ثقافة الشعب ودينه وأعرافه وغيرها، ومادامت هذه المبادئ متفقاً عليها لدى الائتلاف فما الضير في أن يكون زيد أو عمرو أعضائه.

هذه الأخلاق وان كانت ستحرمنا من مصالح معينة ويعتبرها السياسيون اللاهثون وراء المصالح الشخصية والفئوية (مثالية) لا واقع لها، لكنها هي سياسة أهل البيت (عليهم السلام) التي ربّوا شيعتهم عليها، ونحن مدعوون إلى الالتزام بها أن كان ذلك صعبا على النفس لكن اعتبروها خطوة في طريق (الجهاد الأكبر) وسوف لا يفوتكم الكثير والعاقبة للمتقين.

لقد كانت مشاركة العراقيين في الاستفتاء على الدستور([2]) قوية وفعالة فاقت الحسابات التي توقعت تراجع المشاركة بسبب الاستياء من أداء الحكومة وضغط الإرهاب والضجيج الإعلامي المعادي، لكن نسبة المشاركة بلغت(63%) أي أكثر من نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة وأكثر بكثير من حجم المشاركة من حجم الانتخابات([3]) في دول مستقرة كمصر التي بلغت (23%) في انتخابات الرئاسة و(52%) في الولايات المتحدة مما يعني أن الشعب العراقي واعٍ لدوره وأهمية صوته وتأثيره في تغيير التوازنات في العملية السياسية.

ونأمل منهم أن يكونوا بنفس الاندفاع والهمة و الحماس للمشاركة في الانتخابات المقبلة واختيار الأفضل من حيث الكفاءة والنزاهة والإخلاص، وعلى القادة السياسيين أن يقدروا لهذا الشعب وقفاته الشجاعة والمباركة ويعملوا بكل تفانٍ وإخلاص لإسعاده ورفع الظلم عنه وإيصال حقوقه إليه، وعلى المثقفين والمفكرين والخطباء والمبلغين مواصلة الجهد لرفع مستوى الوعي لدى الأمة حتى تتمكن من ممارسة حقها بدقة وتختار الأصلح، وأن يفهم الناس أن هذا حق لهم وينبغي أن يكونوا حريصين به كسائر حقوقهم ولا يحتاج أن نوجبه شرعًا لكي يندفعوا للمشاركة.

 

محمد اليعقوبي

3 شوال 1426

6/11/2005



([1])  من حديث لسماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من المؤمنين من مختلف المدن العراقية لحثهم على المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة بعد ما وجد إعراضاً من شرائح واسعة من المجتمع عن المشاركة بسبب سوء أداء الحكومة والهجمة الإعلامية المضلّلة.

([2])  جرى الاستفتاء على الدستور في يوم السبت 11 رمضان 1426 المصادف 15/10/2005 حيث هب أكثر من عشرة ملايين من أصل حوالي (15.5) مليون عراقي ممن يحق لهم الانتخاب بمناظر مثيرة وبذلوا جهوداً كبيرة للوصول إلى مراكز الاستفتاء لوجود حظر على حركة السيارات ورغم معارضة القوى الإرهابية والمعادية لتحرر الشعب والضجيج الإعلامي المضلل الذي قامت به الفضائيات.

([3])  المقصود بها عملية انتخابات رئيس الجمهورية في هذا العام أما الانتخابات التشريعية في مصر والتي بدأت مرحلتها الأولى يوم الأربعاء 6 شوال 1426 المصادف 9/11/2005 فلم تزد نسبة المشاركة عن 24% رغم التحشيد الإعلامي والتعبئة الجماهيرية للأحزاب المشاركة والحكومة.