خطاب المرحلة (89)... المؤتمرات النسوية

| |عدد القراءات : 1780
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

المؤتمرات النسوية([1])

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

يسأل الإمام الصادق (عليه السلام) أحد أصحابه فيقول له (أتجلسون وتتحدثون؟ فقال الرجل: نعم يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (عليه السلام) تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا) وعن أحد أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) قال: قال لي أبو جعفر الباقر: أتخلون وتتحدثون وتقولون ما شئتم (ويتضح من السؤال ما كان يعانيه الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم من ضغط السلطات الجائرة ومراقبتهم لهم) قلت: أي والله، فقال: أما والله لوددت أني معكم في بعض تلك المواطن.

ورغم أن الخطباء يذكرون مثل هذه الروايات ويفسرونها بأنها تتعلق بالمآتم الحسينية والمجالس التي تتعلق بذكر مناقب أهل البيت (عليهم السلام) ومصائبهم –وهو صحيح- إلاّ أنها ليست مقتصرة عليها، فيمكن أن نفهم هذه الروايات بمعناها الواسع والشامل لكل المجالس التي تبين معالم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وفقههم وأخلاقهم ومناقشة القضايا التي تهم أتباعهم.

ومؤتمركم هذا من أوضح مصاديق هذه المجالس لإحياء الأمر والذكر ابتداء من الاسم المرتبط بالمصطفى والزهراء(صلوات الله عليهما) ومروراً بمضمون الأحاديث والنقاشات والخطابات وانتهاءً بما ينبثق عنه من توصيات وقرارات. 

فالأئمة يحبون مثل هذه المجالس ويأمرون بإحيائها ويتمنون لو كانوا مشاركين معكم فيها، ويظهر حرصهم الشديد على إقامتها بأي صورة حتى في أقسى فترات الضغط والمراقبة وخنق الحريات.

وحينما نتحدث في مثل هذا المؤتمر النسوي فإن موضوعات عديدة يمكن أن تكون محوراً ًللحديث، فمثلاً يمكن أن نتحدث عن دور المرأة في بناء العراق الجديد فإنه كما تعرفون فإن المرأة يراهن عليها الإسلاميون وأعداؤهم على السواء لأن كلا الطائفتين يعلمان أنهم لو كسبوا المرأة سيكسبون الجولة؛ لأن المرأة من حيث العدد تمثل نسبة تصل (58%) وهي تمتد أكثر من ذلك من حيث التأثير لأنها الأم والأخت والزوجة والبنت، وانتم تعلمون أن المرأة إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت –والعياذ بالله- فسد المجتمع، وهذا المحور من الحديث تناولته في كتاب (دور المرأة في العراق الجديد) فلا نكرر.

ويمكن أن نتحدث عن القضايا التي تواجهها المرأة وتشخيص الايجابيات والسلبيات حتى نعمل على تكريس الايجابيات ومعالجة السلبيات، فمثلاً على الصعيد الاجتماعي تواجه المرأة عدة قضايا، كتعسف الزوج في استعمال حق القيمومة، والمشاكل داخل العوائل، وأزمة السكن وانتشار ظاهرة العزوبية والعنوسة بحيث أن أرقام الشباب والشابات غير المتزوجين بلغت حدوداً مرعبة، وكثرة الأرامل والمطلقات وهكذا، وعلى الصعيد الأخلاقي نجد الهجمة الشرسة لنشر الرذيلة والفساد والتحلل من خلال الوسائل التقنية الجذابة والمثيرة التي دخلت كل شيء ابتداءً من جهاز الستلايت إلى الإعلانات الدعائية المنتشرة في الشوارع إلى الصور المنتشرة في أكثر الحاجات إلى الصحف والمجلات وغيرها، وهذا يشكل تياراً ضاغطاً يدفع نحو الانحراف الذي لا يقف عند حد إلا بمقدار ما يعصم الله تعالى.

كما أن توجهات المرأة أصبحت بعيدة عن الهدف الحقيقي والاتجاه الصحيح للتعامل، فصارت تهتم بالزينة الظاهرية وتتباهى بأفخر الثياب والحلي ومواد التجميل والمصوغات ونحوها وهذه مشكلة كبيرة.

وليس صحيحاً أن نقتصر بالنظر على المجتمع المرتبط بنا الذي هو ملتزم دينياً لتقييم خطورة مثل هذه القضية فتهوّنوا منها، لأنكن بفضل الله مؤمنات واعيات ملتزمات ولكن انظروا إلى كل أنماط ومستويات التربية للمجتمع.

وفي جانب التعليم فإننا نواجه جهلاً واسعا وأمية متفشية خصوصاً في العشائر والأرياف والمدن الصغيرة وحتى مراكز المحافظات وتصل في بعض المناطق إلى مئة في المئة حيث لا توجد امرأة واحدة متعلمة.

وفي جانب الصحة نجد أمراضاً خبيثة تنتشر بفعل مخلفات الحرب واليورانيوم المنضب، واستعمال المواد السمّـيّـة في صيد الطيور والأسماك، وتردي الأوضاع الصحية والخدمات بحيث تختلط أحيانا مياه الشرب بمياه الصرف الصحي ونلحظ هذه المعاناة بوضوح في مدن جنوب العراق، كما انتشرت حالات العقم والإسقاط بشكل يدعو إلى القلق والشك والريبة في أن مؤامرة تحاك ضد هذا الشعب لقطع نسله، خصوصاً إذا انضم إلى انتشار ظاهرة عدم التزوج، وكل هذه مشاكل ستراتيجية علينا أن ندرسها بدقة ونشخص مكامن الخلل ثم نضع الخطط الكفيلة بعلاجها.

وعلى الصعيد الفكري فإننا نشهد حملة واسعة لتشويه الأفكار وتضليل الآراء من أجل تنفير المرأة من دينها و أخلاقها وآدابها الاجتماعية ودعوتها إلى التحرر من كل هذه المعايير، لتصبح دميةً يتلهى بها الرجال فيسقطان معاً ويكونان آلة للمستكبرين ليحققوا مصالحهم اللامشروعة، فنجد ثلة من المتحللات صنائع شياطين الإنس والجن [يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراًً] (الأنعام:112) ويصيدون بشباكهم السذّج والجهلة من النساء رغم ضحالة وسطحية ما يتبجحون به وإمكان الرد عليه بيسر وسهولة لو توفر عند المقابل شيء من الثقافة والوعي. ومن الكتب النافعة في هذا المجال (فلسفة تشريعات المرأة) وغيرها.

وأما من الناحية الاقتصادية فنجد العوز والحرمان وعدم وجود الكفيل مما يدعو المرأة إلى الخروج والعمل في مهن لا تناسبها وتجعلها بين نارين نار الحاجة والعوز والفقر ونار المتحكمين بالعمل الذين يدعونها إلى إشباع غرائزهم البهيمية والتخلي عن شرفها ودينها، هذا غير المشاكل التي تحصل بسبب الاحتكاكات والمداخلات وتضييع الأسر والبيوت وتفكك العائلة.

فهذه كلها مشاكل كبيرة قد لا تبدو صورتها المرعبة واضحة الآن لأن مجتمعنا ما زال متماسكاً ومحتفظاً بأخلاقه ودينه، لكنها قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، وتنهي هذه التركيبة المنسجمة لمجتمعنا وتقوده نحو الانحلال والضياع والتشتت، كما حصل في أكثر الدول الإسلامية العربية القريبة منا في دول الخليج والدول العربية والإسلامية الأخرى فضلاً عن الغربية والأمم الأخرى، ما لم نحتط للأمر ونحسب له حسابه ونضع الخطط الاستتراتيجية لمعالجته.

وإني أعلم بوجود ثلة مباركة من الأخوات الرساليات ضمن هذا المؤتمر في مختلف الاختصاصات، وقادرات على إحاطة هذه القضايا بالعناية الكافية.

[وقُـل اعمَلوا فَسَيَرَى اللهُ عملَـكم ورسولُهُ والمؤمنون].



([1]) مقدمة الكلمة  التي تحدث بها سماحة الشيخ دام ظله في المؤتمر العام لرابطة بنات المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وجامعة الزهراء (عليها السلام) للعلوم الدينية الذي عقد في النجف الأشرف يومي 21-22 ج2 1426 الموافق 28-29/7/2005 وحضرته إدارات الفروع في المحافظات وممثلات الرابطة في البرلمان العراقي .