خطاب المرحلة (88)...السادة العلويون قوة وعزة للأمة

| |عدد القراءات : 2235
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

السادة العلويون قوة وعزة للأمة(1)

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

توجد في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ولدى أتباعهم عناصر عديدة تشدّهم إلى الإسلام الأصيل وتحافظ على هويتهم وكيانهم وسلامة مسيرتهم رغم ما تعرضوا له من قتل وتشريد وسجن، ومنها وجود المرجعية الدينية وتراث ضخم من الروايات المأثورة عن المعصومين (عليهم السلام) في كل حقول الحاجة البشرية كالعقائد والأخلاق وأحكام الفرد والجماعة، ومنها وجود العتبات المقدسة بين ظهرانيّهم للأئمة الطاهرين ولأبنائهم البررة وأصحابهم النجباء، ومنها المنبر الحسيني الذي واصل ذكر مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) وحقهم وساهم بشكل فعال في هداية الناس ووعظهم وإرشادهم. 

وقد عمل الأئمة المعصومون على تنبيه أمتهم لهذه العناصر التي تحفظ كيانهم وهويتهم وأوصوا الأمة بالالتزام بها، ونستطيع أن نُفرد بحثاً كاملاً للروايات الواردة في كل منها ولكنها ليست محل البحث. 

 ومن عناصر قوة وعزة الأمة، وجود ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين ظهرانيها، تلك الذرية التي تفرعت من الشجرة الطيبة علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء (عليهما السلام)الذين جعل الله تبارك وتعالى أجر الرسالة مودتهم فقال عز من قال: [قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] (الشورى:23).

لقد وجه الأئمة شيعتهم إلى الاهتمام بذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والاعتناء بشأنهم وتكريمهم، حتى ورد في بعض الأحاديث أن مجرد النظر إليهم عبادة، ولكنهم لم يغفلوا تنبيه نفس الذرية إلى أن يكونوا صالحين سائرين على نهج جدّهم الأكرم صلى الله عليه وآله، ففي الرواية (عن الحسين بن خالد  عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: النظر إلى ذريتنا عبادة. قلت: النظر إلى الأئمة منكم أو النظر إلى ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: بل النظر إلى جميع ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عبادة ما لم يفارقوا منهاجه ولم يتلوثوا بالمعاصي)([2]).

أن ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتمتعون بمنزلة اجتماعية عظيمة لو استثمرت ووظفت لحركة الأمة نحو التغيير والإصلاح فإنها ستكون فاعلة جداً، ونحن نشاهد إن نزاعاً قبليا شرساً تعجز حتى الحكومة عن حله يمكن أن يحل بتوسط أحد السادة العلويين، وأن أموراً مستعصية في العلاقات الاجتماعية يمكن أن تنفرج بشفاعة ذرية الزهراء (عليها السلام) وغيرها من مظاهر هذه القوة، أما العزة فتظهر جلية حين يكون على رأس مجموعة أو وفد خصوصاً إذا كان يرتدي الزي الروحاني.

وقد عزز القرآن الكريم والسنة الشريفة هذه المكانة بآية المودة المتقدمة والروايات الكثيرة التي يمكن تحصيلها من مصادرها، ثم ضم الشارع المقدس إلى هذه القوة الروحية والاجتماعية قوة مالية حيث فرض لهم نصف الخمس الذي تجبيه قيادة المسلمين ومرجعيتهم، وهي مبالغ هائلة تبلغ المليارات سنوياً، فلا بد من الالتفات إلى هذه القوة وإثارتها واستثمارها وخصوصاً بانتمائهم إلى الحوزة العلمية الشريفة وتحصيلهم علوم أهل البيت (عليهم السلام).

لقد التفت أعداء أهل البيت إلى هذه المكانة القدسية المؤثرة في حياة الأمة فخافوهم على دنياهم، واتبعوا عدة أساليب للتخلص من هذه القوة الرافضة للظلم والفساد والانحراف، ومن تلك الأساليب:

1-  التصفية الجسدية بالقتل والسجن والإقامة الجبرية تحت مراقبة الجلاوزة، كل ذلك لقطع صلتهم بالأمة وحرمانها من توجيهاتهم وبركاتهم.

2-  تضليل الأمة بأن أبناء فاطمة (عليها السلام) ليسوا ذرية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يصح أن يقال لأحدهم يا ابن رسول الله لأنهم أبناء بنت وبنو البنت لا يعدون أولاداً. وقد وقف الأئمة وأتباعهم البررة بشدة في مواجهة هذه المؤامرات وقد ذكرنا تفاصيلها في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

وقد صدّق الله نبيه إذ قال: (كل نسب وسبب مقطوع إلا نسبي وسببي) وها هي الذرية المباركة يبلغ عددها الملايين تنتشر في بقاع الأرض كالنجوم المتلألئة في سماء الشرف والعزة والكرامة والولاء للإسلام ولنبيه العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولآله الطيبين الطاهرين.

 وما تأسيس نقابة السادة العلويين إلا خطوة على طريق تفعيل دور هذه الركيزة الأساسية في قوة وعزة الأمة، وامتثالاً لآية المودة وتقرباً إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أدخلنا الله وإياكم في شفاعتهم وحشرنا في زمرتهم إنه ولي النعم.

ومن المؤسف([3]) أن يلتفت أعداؤنا إلى عناصر قوتنا قبلنا، قبل سنتين أو أكثر بقليل تناقلت وسائل الإعلام نبأ عقد مؤتمر للأشراف في ايطاليا، وهذا المصطلح يطلق عند أبناء العامة على السادة العلويين من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشارك فيه ممثلون عنهم من عدة دول في العالم وفي حينها قُدر عدد السادة المنتشرين في أرجاء الأرض كافة بثلاثين مليون شخص.

وهنا أقول من المؤسف حقاً أن يلتفت الأعداء إلى عناصر قوتنا ومنها وجود ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما لهم من مكانة اجتماعية وقوة روحية ونحن غافلون عنها، والمفروض أن نلتفت نحن إليها ونستقرأها ونشخصها لكي نعززها ونرسخها ونستثمرها، أما الأعداء فالتفاتهم إليها يدعوهم إلى دراسة كيفية سلخنا من هذه القوة وحرماننا منها، أو على الأقل تمييعها وإضعافها وإفراغها من محتواها، وإذا استطاعوا تحويلها لحسابهم وتوجيهها لخدمة مصالحهم  فهذه غاية المنى بالنسبة لهم.

 وإذا كان الفرد الواحد من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمتلك ما اشرنا إليه سابقاً من قوة التأثير والنفوذ في المجتمع والقدرة على حل المشاكل والتوفيق بين الآراء وإيقاف الصراعات ونحوها، فكيف لو استثمر وجود كل هذه الملايين منهم المنتشرين في كل أرجاء المعمورة؟

من هنا كان إنشاء (نقابة السادة العلويين) ضرورياً لتفعيل هذا الدور وإبراز هذه القوة للأمة ورعايتها وتنميتها، وأنا لا أطالبها-وهي فتية في بداية تأسيسها-أن تقوم بكل المهام التي نتأملها منها، لكنها يمكن أن تبدأ بالمتيسر والضروري وهو رعاية فقراء السادة ومساعدتهم وتزويج شبابهم، ثم تؤدي خدمة أكبر وهي فضّ النزاعات وحل الخصومات بشفاعتهم وكذا التوسط في مشاريع الخير؛ لأن شفاعة السادة ووساطتهم مقبولة، ومن ثم يتوسع حتى إلى المشاركة السياسية والتأثير في الحياة العامة ومن أولى بهم في حمل رسالة جدهم المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

وأنا متفائل بمستقبل هذه النقابة ليس على الصعيد الشيعي فقط ولا عموم المسلمين بل حتى عند غيرهم؛ لأن محبتهم ومودتهم أجر رسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) [قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] (الشورى:23)، واستجابة دعوة جدهم إبراهيم الخليل (عليه السلام) [فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ] (إبراهيم:37)، فبمجرد أن يسمع العالم غير المسلم فضلاً عن المسلم أن هؤلاء يرتبطون بلُحمة النسب برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه سيميل قلبه إليهم ويتأثر بهم.

ويوجد أكثر من شاهد على ذلك فيُروى أن سبايا الحسين (عليه السلام) لما أدخلوا على يزيد بن معاوية في قصره بدمشق ومعهم رؤوس الحسين وأصحابه البررة، وكان يزيد يظهر الاحتفال بالنصر والتشفي بهم، كان رسول ملك الروم حاضراً فسأل عن هؤلاء الأسرى فقيل أنهم عيال الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتعجب وأستنكر فعلهم، وقال أنه يوجد عندنا أثر لحافر دابة عيسى (عليه السلام) في أرضنا فبنينا عليه كنيسة ونحج إليها كل عام وأنتم تفعلون كل هذا بابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال الآن علمت أنكم على باطل وتشهّد الشهادتين.

ويروى أن أبا حنيفة أمام المذهب الحنفي دخل على الإمام الصادق(عليه السلام) وبيده قضيب فقال الإمام (عليه السلام) هذا قضيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فذهل أبو حنيفة وبالغ في الاهتمام به وراح يضعه على عينيه وصدره ويقبّله ويشمه، فالتفت إليه الإمام (عليه السلام) وقال هلا فعلت بهذا -ومسك جلده الشريف – مثل هذا الاهتمام وهو من لحم ودم رسول الله وفي كلامه (عليه السلام) ما لا يخفى على اللبيب من إلفات النظر.

فهذا الولاء والانشداد أمر فطري وهذا التأثير حالة واقعية، وقد ركز عليه الأئمة عليهم السلام وعززوها ودعوا الأمة إلى الالتزام بها، وأضافوا لهذه القوة الروحية والاجتماعية بعداً آخرا وهو فرض نصف الخمس لهم بما يمثل ذلك من قوة مالية هائلة خصوصاً في العصور الحالية حيث انتعشت الحالة الاقتصادية ووجدت الثروات الهائلة.

وقد رفع التشريع الإسلامي من شأنهم حين نزههم عن قبول الصدقات من غيرهم لأنها (أوساخ الناس) كما عبّرت الأحاديث الشريفة وهو مثال لتقريب الفكرة، بمعنى أن أخراج الزكاة من المال لما كان تطهيراً له بنص الآية الشريفة له [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا] (التوبة:103) فهو يشبه إزالة الأوساخ عن المال والبدن ليكون نظيفاً وطاهراً.

وهذه التشريعات والامتيازات ليست بلا مقابل فلا بد أن يفهم السادة العلويون عظمة المسؤولية الملقاة عليهم ومطالبتهم بالمضاعفة من قبل جدهم (صلى الله عليه وآله وسلم)، بأن يكونوا أمناء على رسالته ومحافظين عليها ومدافعين عنها ومتمثلين بها.

يروى أن الإمام الحسين كان يذهب إلى الحج ماشياً على قدميه تعظيماً للبيت الحرام وكان لا يسلك الطريق العام فقيل له في ذلك، فقال (عليه السلام): أخشى أن آخذ من رسول الله أكثر مما أعطيه، لأن هذا التكريم الذي ألقاه من الناس قد لا استحقه لأنني لم أقم بواجبي بمقداره، هذا وهو الحسين عليه السلام فماذا يقول غيره؟

فهذه الأمانة والمسؤولية أرجو أن تعطى أبعادها الكاملة من خلال نقابتكم كتنظيم، لأنكم تعلمون أن أي عمل إذا لم يكن منظماً ولم يكن مجموعياً لا يؤدي دوراً كاملاً، ومن هنا تأتي أهمية نقابة السادة في أنها تنظم عمل السادة وتستثمر هذا الوجود المبارك لأولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في إعطاء العمل الرسالي دفعة قوية وحيوية حاول أعداء الإسلام من جبابرة ومتسلطين وطواغيت وحاسدين [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ] (النساء:54) نزع هذه القوة من روح الأمة وجسدها، فقتلوهم واستأصلوا حتى الرضعان وشردوهم في بقاع الأرض بعيداً عن مدينة جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقبورهم الآن في أفغانستان وإيران وجمهوريات وسط آسيا فضلاً عن العراق وسوريا، واتبعوا أسلوباً آخر وهو تضليل الأمة وخداعها بأن ذرية علي وفاطمة عليهما السلام ليسوا أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنهم بنو بنت وبنو البنت ليسوا أبناء وهم بنو علي الذي هو ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فالعباسيون أقرب منهم لأنهم بنو عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال مروان بن أبي حفص:

أنّى يكون وليس ذاك بكائنٍ                لبني البنات وراثة الأعمامِ

ويروي الصدوق عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه بات متألماً من هذا القول.

وقال ابن المعتز العباسي:

ونحن ورثنا ثياب النبي
لكم رحمٌ يا بني  بنــته
قتلــنا  أمـــية في دارها

 

فكم تجذبون بأهدابــها
ولكن بنو العم أولى بها
ونحن  أحـــق بأســلابها


 

وهذا هو تفكيرهم الضحل وأهدافهم التافهة، فهم لا يفقهون معنى وراثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلافته وقد ردّ أئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم باستدلالات متينة وحجج دامغة حفظت لهذا الحق قوته وبقاءه وأشرنا إليها في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

فمشروعكم هذا- أيها الأخوة- مبارك ويستحق أن تكرّسوا له أنفسكم حتى يتوسع بنشاطاته ويأخذ مساحته اللائقة بشأنه وسيوفقكم الله تبارك وتعالى ويسدد خطاكم ويُنجح مساعيكم لما فيه خير الأمة.



([1]) كلمة سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي في المؤتمر الأول لنقابة السادة العلويين في النجف الأشرف يوم 20  جمادي الثانية المصادف 27/7/2005.

([2])  وسائل الشيعة: كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة، باب 165، ح1.

([3]) من حديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع الأمانة المركزية لنقابة السادة العلويين في النجف الأشرف يوم 23 رجب 1426 ونشر في صحيفة الصادقين على الصفحة الثالثة من العدد (31) الصادر بتأريخ 11 شعبان 1426 المصادف 15 أيلول 2005.