خطاب المرحلة (50)...توجيهات في ذكرى زيارة الأربعين عام 1425

| |عدد القراءات : 4909
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

توجيهات في ذكرى زيارة الأربعين عام 1425(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

لقد حاول أعداء أهل البيت (عليهم السلام) عبر التاريخ أساليب شتى ثني الموالين لهم (عليهم السلام) عن الاستمرار بإحياء شعائر الله تبارك وتعالى، وقد وصلت هذه الأساليب حد القتل والسجن وتقطيع الأعضاء وتغريم الأموال الباهظة، وفي كل ذلك يخرج أولياء الله منصورين ولا يزيد الظالمين إلا تبارا والمؤمنين إلا إصرارا على مواصلة نهج أهل البيت (عليهم السلام)، وما درى هؤلاء الأعداء أن شيعة أهل البيت عليهم السلام خلقوا من فاضل طينتهم (عليهم السلام) –كما أخبروا هم (عليهم السلام)- قبل الخلق والخليقة، فهم يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم، وأن هذه الشعائر تمدهم بالإيمان وحرارة الولاء التي كلما خبت زادتها هذه الشعائر اتقاداً، وما بقاء الدين عامراً في أمتنا رغم المحن الكثيرة إلا ببركات الحسين (عليه السلام).

وما هذا الحماس الديني الذي تنبض به قلوب المؤمنين إلا من آثار إقامة الشعائر الحسينية.

وقد ظنوا أن تفجيرات يوم عاشوراء التي جددت لنا تلك الفاجعة ستمنع المؤمنين من الاستمرار في أداء مراسيمهم، فخابت ظنونهم فورا حيث انطلقت مواكب الهرولة ملبية نداء الحسين (عليه السلام) (هل من ناصر ، هل من معين) بأعداد ضخمة، فاقت حد التصور بعد التفجيرات مباشرة.

ثم عادوا وهددوا زوار الأربعين، وهاهي الآلاف المؤلفة تنطلق قبل موعد الزيارة بأيام في مواكب راجلة لترد على أولئك المجرمين، وتؤكد انتماءها لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومواصلتها لنهجهم القويم، وما أشبه اليوم بالبارحة ففي مثل هذه الأيام من صفر   1397 هـ  المصادف شباط 1977 حاول جلاوزة البعث المقبور بكل وحشية لقمع مواكب المشاة التي انطلقت من النجف الأشرف، واستعملوا الدبابات والمدرعات وكانت الطائرات تُغير على الموالين وهم في هذه الصحراء المكشوفة، إلا أن المسيرة استمرت ووصلوا إلى كربلاء وسلموا الراية إلى الإمام الحسين (عليه السلام) وأخيه أبي الفضل العباس فاحتضنهم (عليه السلام) بدعائه ولطفه ورعاية ولده الإمام الحجة المنتظر (عليه السلام). 

هذا الولاء والإخلاص والإصرار على مواصلة النهج الحسيني هو صمام الأمان لبقاء الدين حياً، فلا تقصروا في أدائه ووعي أهدافه الحقيقية التي لا يحتاج التعريف بها إلى مؤونة كبيرة، فلقد لخصها صاحب الثورة الإمام الحسين (عليه السلام) بكلمات دقيقة (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (صلى الله عليه وآله) ولآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً).

فعلينا جميعاً أن نعمل لكي تكون زيارة الأربعين ناجحة في تحقيق الأهداف التي أرادها أهل البيت (عليهم السلام)، من حثّ شيعتهم على هذه الفعاليات، كما كانت زيارة الأربعين في العام الماضي ناجحة وفق كل الاعتبارات، فبالرغم من أنها حدثت بعد سقوط صدام بأيام وكان البلد يشهد فراغاً أمنياً وسياسياً حيث لا دولة ولا قانون ولا جيش ولا شرطة ولا أي قوة لتحمي الأمن وتبسط النظام ومع ذلك فقد أدت اللجان الشعبية دورها بأكمل وجه ولم يقع أي حادث أمني بل ولا حادث مروري رغم كثافة الناس والسيارات، وهذه من المعجزات التي يفخر بها شعبنا ولا يستطيع الارتقاء إليها كل شعوب العالم التي تدعي التحضر وسيادة القانون، وكانت الشعارات واعية وهادفة ومعبرة عن مطالب الشعب الحقيقية التي بينتها لهم مرجعيتهم الدينية الحكيمة، فنريد زيارة هذا العام كسابقتها وقد أعلنا بوضوح عن مطالب الشعب في خطاب صلاة الجمعة في ساحة الفردوس وما تلاها من الخطابات، فلا بد أن تكون مسيرتنا ضمن الحدود التي ترسمها المرجعية الواعية ولتحقيق تلك الحالة النموذجية علينا:

1- التعاون الكامل  مع اللجان الشعبية التي تشرف على حفظ النظام والأمن للزائرين والمتطوعين الذين يقدمون الخدمات الأساسية لهم.

2- عدم تواجد النساء في مناطق التجمعات الكبيرة لصعوبة تفتيشهن أو توفير الكادر النسوي للقيام بهذه المهمة فقد تندس بينهن بعض النسوة المستأجرات للأعداء وتكون وسيلة لتنفيذ جرائمهم الشيطانية.

3- الوعي الكامل لأهداف الثورة الحسينية والاستفادة من الخطباء والمرشدين في كل مناسبة سواء أثناء الطريق أو في أماكن التجمعات.

4- أن يستغلوا هذه المناسبة للتعبير عن مطالبهم المشروعة وقد أجملناها في ستة نقاط في خطبة صلاة الجمعة الأولى في ساحة الفردوس وما أضيف إليها في خطابات المرجعية الدينية الحكيمة .

5- أن ينظم الذهاب على شكل مواكب وتجمعات لا أفراد متفرقين مهما كثروا لتكون أكثر هيبة وعزّة، ومن الأفضل أن يكون على رأس كل موكب خطيب ومرشد، وأن تبرز شمولية المشاركة بإبراز بعض الخصوصيات كالطوائف والأديان الأخرى، وكذا بالنسبة إلى طلبة الجامعات إذ ينبغي لهم التنسيق فيما بينهم وبين اللجنة المنظمة في جامعة كربلاء وأن يعلنوا أسماء الجامعات والكليات والمعاهد التي يمثلونها ليؤكدوا باستمرار انتماء الجامعات للإسلام .

6- أن تسود بينهم روح الأخوة والتآلف والتراحم بل الإيثار كما وصفهم الله تعالى [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ] (الحشر: 9) ليكونوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن الله تعالى وصف من هو مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عبر الأجيال ولا تختص بالمعاصرين له (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنهم [أشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً] (الفتح: 29).

7- أن لا يقصر المتمولون في رعاية الزوار وتهيئة مستلزماتهم من غذاء وسكن وغيرها ليظهروا للعالم أن أهل البيت (عليهم السلام) علموا شيعتهم أن يكونوا أقدر من أفضل جيوش العالم في تقديم الإسناد والخدمات اللوجستية كما يسمونها . كما أن نفس الصيغ المتعددة للشعائر إنما هي عبارة عن تدريبات عنيفة على الجهاد والتضحية في سبيل الله تعالى.

وليتذكروا دائماً أن كل ما يصيبهم من شدة وعنت وبلاء وصعوبات وجهود وتضحيات وإنفاق فإنما هو في عين الله تعالى وسيجزي به أفضل الجزاء كما قال تعالى: [وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ] (سـبأ: 39) وهي شاملة لكل إنفاق وأعلاها الجود بالنفس لذلك كان الإمام الحسين (عليه السلام) يردد يوم عاشوراء (هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى) وقد وعد الله تبارك وتعالى وهو اصدق القائلين : [أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى] (آل عمران: 195) وقال عز من قائل : [ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ] (التوبة: 120).

فطوبى لكم هذه النعمة الإلهية التي منّ الله تعالى بها عليكم والتي لا يعادلها شيء، فحينما شكى أحدهم للإمام (عليه السلام) وقال له : إني لا أملك شيئاً فقال : بل عندك أثمن من الدنيا وما فيها . قال : وما ذاك يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . قال (عليه السلام) : عندك ولايتنا أهل البيت. فهل تتخلى عنها لو أعطوك الدنيا وما فيها . قال الرجل الموالي : لا يا ابن رسول الله حتى لو بذلوا لي أكثر من ذلك . قال (عليه السلام) : فإذن عندك خير من الدنيا وما فيها .

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على اشرف خلقه الذي كان سبب هدايتنا ونجاتنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .

محمد اليعقوبي

13 صفر 1425 الموافق 4/4/2004



([1]) صدرت قبيل الزيارة لإلفات نظر الزوار الكرام.