خطاب المرحلة (46)...إنجازات ترتبت على تفعيل دور المثقفين وطلبة الجامعات

| |عدد القراءات : 3814
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

إنجازات ترتبت على تفعيل دور المثقفين وطلبة الجامعات(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.

من القضايا التي شغلتني كثيراً خلال هذه الفترة عدم حضور المثقف في الساحة وهو خطر عظيم على الأمة أن ينزوي مفكروها وعلماؤها وعقولها الواعية، ولا أدري إن كان هذا غياباً منهم أو تغييباً لهم؛ لأن أعداء الأمة والأنانيين لا يريدون أن تقاد الأحداث من قبل النخب الواعية المخلصة لان مثل هؤلاء لا يخدمون مصالحهم ولا ينقادون لهم، فلا بد من تغييبهم، لكن عقول الأمة لا يجوز لهم أن تغيب أو تستسلم بل عليها أن تبقى في الطليعة لتقود الأمة نحو ساحل الأمان والسعادة والخير.

وإن مثل هذه القضية -أعني غياب أو تغييب المثقف- تحتاج إلى ملتقى موسع وندوات وحوارات لمعرفة الأسباب وآليات تفعيل دور المثقف في قضايا الأمة، لكن بركات ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) اختصرت كل تلك الجهود فخلال أيام انقلبت المعادلة وعادت الجامعات بأساتذتها وطلبتها إلى واجهة الأحداث وتسلموا زمام المبادرة، فبدأوها بمواكب الوعي الحسيني العظيمة والمهيبة التي احتشدت في كربلاء المقدسة ليلة العاشر من محرم، ثم تلاها الإضراب الطلابي الناجح يوم السبت الماضي والفعاليات الواسعة الأخرى كالمشاركة في هذه الصلاة المباركة، مما جعل أروقة الجامعات قلب الأمة النابض الذي تتدفق منه الحياة في جسدها ودب الحماس والنشاط في قلوب الأساتذة والطلبة الجامعيين وانتبهوا إلى دورهم المهم ومسؤوليتهم العظيمة في رسم مستقبل الأمة.

وان من نتائج هذا الانقلاب الكبير قوة التأثير والسرعة في تحقيق النتائج، لأن أصحاب القرار يخشون من تحرك هذه الشريحة وأنهم يحسبون لألف جامعي يتظاهرون أكثر من عشرة آلاف من عامة طبقات الناس، فلا بد من إدامة هذه الحركة الواعية وتعميمها إلى الجامعات الأخرى، ولكن بالطريقة الحضارية من دون إخلال بالأصول والآداب العامة، ومن تلك الأشكال الواعية مشاركتكم في الشعائر الدينية والمواظبة عليها ومنها هذه الشعيرة المقدسة التي حضرتم لأدائها لكنني أقول لكم وبصراحة أن حجم المشاركة كان غير كاف للضغط على مصادر القرار حتى يرضخوا لمطاليبكم، ولكن الإخلاص والصبر يعطيان زخماً للعمل وقوة أكبر في التأثير فالصبر يضاعف قوة الواحد إلى اثنين قال تعالى [فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ] (الأنفال: 66).

والإخلاص الذي هو نتيجة المعرفة بالله تعالى التي هي معنى الفقه تضاعف القوة إلى عشرة قال تعالى [إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ] (لأنفال: 65).

لذا فقد تحققت خلال الأيام السابقة استجابة لعدد من المطالب الذي ناديتم بها خلال صلاة الجمعة المباركة في الأسبوع الفائت ودعمها الإضراب الطلابي الناجح يوم السبت ومنها:

1- أعلن السبت عن البدء بتشكيل وزارة الدفاع وإتمامها خلال شهرين وهو ما كان معرضاً عنه، لكننا ركزنا المطالبة بها وتأسيسها وبناء الجيش العراقي الذي هو سور الوطن من العناصر الكفوءة الملتزمة التي لم تتورط بظلم أبناء البلد ولا الجيران وهم كثر، وهنا أضم صوتي إلى أبناء مدينة الناصرية الفيحاء الذي يطالبون بأن يكون وزير الدفاع منهم، وأن يكون من أتباع الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)([1])؛ لأن مدينة الناصرية وتيار الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) غُيّبوا في تشكيلة مجلس الحكم والوزراء رغم ثقلها في الساحة العراقية، وأن يبنى جيش وطني مستقل غير تابع لأحد.

كما إنني الفت النظر هنا إلى مؤسسات التصنيع العسكري التي غيبت عن علم وعمد لأنها رمز الإبداع العراقي والقدرة على التفوق بما تمتلك من عقول كبيرة وهمم عالية، ونحن وان كنا نتألم لكون هذه المؤسسات في يد العصابة المجرمة في الزمان السابق وقد وظفها لتلبية نزواته الصبيانية وأعماله الشريرة، إلا أنها تبقى ثروة وطنية عظيمة ولكنهم لا يريدون للعراق أن يكون مبدعاً متفوقاً ولو سمحوا لها بإعمار العراق لأنجزت الأعمال بفترة اقصر وكلفة أقل جربناها في عام 1991م حيث أعيدت الخدمات الحيوية والبنية التحتية خلال أشهر رغم الدمار الذي أحدثه عدوان الحلفاء على العراق والذي استمر أكثر من أربعين يوماً وما تلاه من أحداث الانتفاضة الشعبانية المباركة وقمع قوات الحرس الجمهوري لها. ونريد الاحتفاظ بها أفراداً وشركات ولكن تحوَّل وظيفتها إلى ما فيه خدمة الشعب وهم قادرون على التكيّف بسرعة لإسداء أي تكليف يكفّرون به عن خدمتهم للنظام البائد.

2- طالبنا بالإعداد الفوري لانتخابات حرة مباشرة يشارك فيها الشعب لاختيار البرلمان والحكومة ولجنة كتابة الدستور، وقد بدأ مجلس الحكم يوم الاثنين الماضي بمناقشة آليات الانتخاب وتفاصيل العملية الانتخابية، ونحن نريد إجراءها في موعدها المحدد وعدم المماطلة فيها أو خلق أجواء تعرقلها.

3- إننا والكثير من المخلصين اعترضوا على كثير من الفقرات لأنها منافذ للضرر بالوطن وبمصالح الشعب كالفقرتين (جـ، د) من المادة الحادية عشر التي أعطت الحق للعراقي الذي أسقطت عنه الجنسية العراقية لأسباب سياسية أو دينية أو عنصرية أو طائفية أن يستعيدها وله الحق أن يحمل أكثر من جنسية واحدة، وهذه المادة وان كان فيها إنصاف لكثير من الذين هجروا وسفروا وأسقطت عنهم الجنسية ظلماً وعدواناً، إلا أنها تتيح الفرصة لعدد كبير من الذين انتموا للكيان الغاصب للقدس واخلصوا له ولو على حساب الإضرار ببلدهم الأصلي العراق، فلا بد من إضافة قيود تمنع مثل هؤلاء من اكتساب الجنسية العراقية وبالتالي تمكينهم من مقدرات العراق والتغلغل بين أبنائه، وقد وعدوا بإضافة مثل هذه القيود كإحراز الولاء للوطن في الملحق الذي يشرح هذا القانون والذي سيصدر لاحقاً.

4- إننا قلنا بضرورة المشاورة والتنسيق وعرض الأفكار على ممثلي المرجعية الحقيقية للشعب قبل إصدار القرارات وهو أجدى من توقيعها ثم الاعتراض عليها، وقد رحب من زارنا من أعضاء مجلس الحكم أو ممثلوهم باستضافة ممثل المرجعية في مشاورات المجلس والاستئناس بآرائه وتوجيهاته.

5- إن حق النقض الذي ضمنته الفقرة (جـ) من المادة الحادية والستين الذي أعطى الحق لثلثي ثلاث محافظات أن يوقفوا إرادة الأكثرية سوف لا يستخدم؛ لأن القضايا المعروضة ستحل بقرارات توفيقية بين الأعضاء، وقد هددنا بقدرة المرجعية على تعبئة ثلثي ثلاث محافظات فنستطيع إيقاف أي مادة في الدستور لا نراها منسجمة مع مبادئنا وحقوقنا.

فلا تعتقدوا أن هذه الفقرة هي لمصلحتهم فقط فالصحيح هو إلغاؤها والعمل بأسس الديمقراطية التي يؤمنون بها ونحن نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم.

إن هذا الذي تحقق وان كان يدل على حالة ايجابية ومرونة في الحوار وتفهم وجهات نظر الآخرين، إلا انه ما زال غير كاف لإقناع الجماهير المؤمنة الذي ينبغي لها أن تستمر في رفضها للمواد والفقرات التي تغمط حقوقها وتكون باباً للإضرار بمبادئ الأمة وحقوقها ومصالح الوطن، وعلى عقول الأمة من مفكرين ومثقفين وعلماء أن تستثمر هذا التوجه الشعبي الكبير لتزيد من وعيه وتبصره بقضاياه المصيرية وأن تعلمه الحضور الدائم في الساحة لأن وقوفه كالمتفرج وترك الساحة للآخرين يفوت عليه مستقبله.

أسأل الله تعالى أن يرعاكم بلطفه ورحمته ويمدكم بنصره وتأييده.

 

 

محمد اليعقوبي

26 محرم 1425

  الموافق 18/3/2004



(1) خطبتا صلاة الجمعة التي أقيمت في ساحة الفردوس للمرة الثانية يوم 27 محرم 1425 الموافق 19/3/2004 بإمامة الشيخ يوسف الكناني وحضور الآلاف من أبناء بغداد وبعض المدن القريبة لتعريف الأمة بما حقق حضورها في الجمعة السابقة والاضراب الطلابي من انجازات.

(1) بكلا شقيه سواء رجعوا إلى السيد الحائري أو الشيخ اليعقوبي.