المرحلة (42)... بيان عن الجرائم التي ارتكبت في كربلاء والكاظمية ومدينة كويتا الباكستانية يوم عاشوراء

| |عدد القراءات : 2306
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بيان عن الجرائم التي ارتكبت في كربلاء والكاظمية ومدينة كويتا الباكستانية يوم عاشوراء([1])

بسم الله الرحمن الرحيم

مرة أخرى تحلّ بشعبنا نكبة كبرى نتيجة التقصير المتعمد لقوات الاحتلال التي تفكر بأمن نفسها فقط وليحصل بالشعب ما يحصل، بل إنها تعمل بشكل وبآخر على إدامة هذا الوضع المأساوي  وتهيئ له أجواءه وتعرقل كل محاولة وطنية وشعبية صادقة لضبط الأمن والاستقرار، من أجل أن تُديم المبررات الواهية لبقاء الاحتلال، ولإلهاء الشعب عن قضاياه المصيرية وزرع الفتنة بين أبنائه.

وهذا ليس غريباً منهم وهم عبدة المصالح وأتباع الهوى الأنانيون، لكن العجب لا ينقضي من أولئك المتعصبين المتحجرين الذين لبسوا الإسلام بالمقلوب فلم يميزوا بين إخوانهم وأعدائهم، فراحوا يخدمون أهداف المستكبرين وينفذونها لهم بجهلهم وحماقتهم مجاناً وبلا ثمن إلا خزي الدنيا وعذاب الآخرة وبئس الورد المورود، فهلا راجعوا نفسهم لحظة وتأملوا في أعمالهم وعرضوها على مقاييس الشريعة ليروا بأي ذنبٍ قتلوا هؤلاء المؤمنين؟ وبأي جريرة أخذوهم؟ وقد اجتمعوا ليجددّوا عقد البيعة والولاء مع رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) وذريته الطيبة الطاهرة؟ ويبرهنوا للعالم أنهم ماضون على طريق رفض الظلم والاستبداد والاستكبار والأنانية والحقد والكراهة والاستئثار؟ وأنهم ينشدون السلام والحب والحرية والعدالة والمساواة والتسامح والرحمة والإيثار؟ فلماذا كل هذا الحقد عليهم، ولماذا لا توجه هذه الأيدي الآثمة أسلحتها إلى الأعداء الحقيقيين الذي يملأون أراضيهم، ويهيمنون على قرارات بلدانهم ويتحكمون في ثرواتها وجاءوا إلى العراق الجريح المظلوم المضطهد الذي لم يضمد جراحه النازفة التي أدماها صدام الملعون، ومتى يفيق هؤلاء من تعصبهم الأعمى وحماقتهم الرعناء ويرحموا أنفسهم قبل الآخرين، فلماذا يضيّعون الدنيا والآخرة وماذا ينفعهم الندم حين يقدمون على رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) تجرُّهم زبانية جهنم بما اعتدوا على ذريته ومواليه.

إن كلمات الشجب والاستنكار غير كافية بل هي سلاح العاجز في مثل هذه المواقف، بل لا بد من خطوات عملية كان على الجميع القيام بها قبل الآن حتى لا نفقد هذا العدد الكبير من أعزائنا وأحبائنا، فالكيِّس من اتعظ بغيره وحسب للأمر قبل وقوعه ولا يحتاج إلى هذه المعاناة الطويلة لكي يصحو، فعلى الشعب أن يتمسك بالإسلام العظيم وعدم التفريط به واتباع تعاليمه، بحيث تُبنى حياتنا بكل تفاصيلها على أساس الإسلام وان يحافظ على وحدتنا الوطنية والدينية وسد الطريق أمام كل باغٍ يريد أن يحدث الشقة بين الإخوان.

وعلى أعضاء مجلس الحكم أن يكونوا شجعاناً وواعين وحازمين ومتجردين عن أنانيتهم ومراعين لمصلحة شعبهم، فيعملون بكل ما أوتوا من قوة على تقوية جهاز الشرطة وتزويده بأحدث التقنيات، ورفده بالعناصر الملتزمة النزيهة المخلصة من غير مجاملة أو محسوبية أو مصلحة شخصية، وأن يطالبوا بإعادة تشكيل وزارة الدفاع فوراً فإن الجيش سور الوطن، والدولة بلا جيش كالبيت بلا سور يطمع فيه كل غادي ورائح، خصوصاً وأن جيشنا العراقي يمتلك تأريخاً وأصالة وإبداعاً ولا نحتاج إلى جلب ضباط من الأردن ليدربوا هذا الجيش العريق، وهم قد رتعوا في عطايا صدام وأشربت قلوبهم حبَّه ولم تُعرف عنهم شجاعة ولا مشاركة حقيقية في معارك الأمة بل المعروف عكس ذلك.

فليس من المعقول يا أعضاء مجلس الحكم أن يجري كل ذلك وانتم ساكتون، بل الأعجب من ذلك أن يخلو قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية الذي سيُعمل به سنتين على الأقل من فقرة تشير إلى تشكيل وزارة الدفاع، فهل يبقى العراق طيلة هذه المدة نهباً للأعداء والغرباء الجهلة والمتحجرين القساة.

وإني وجميع الشعب مستعد للمساعدة في بناء هذه الوزارة لأننا نعرف الكثير من الضباط الملتزمين الأحرار الذين لم يبيعوا ضمائرهم للطواغيت، وتحملوا في سبيل ذلك صنوف العذاب وعرض كثير منهم استعدادهم للعمل عليَّ والمساهمة في تشكيل الوزارة، وأقدّم هذا العرض بين يدي المرجعيات الدينية والسياسية ليكون حجة عليهم أمام الله تبارك وتعالى.

وعلى قوات الاحتلال والمستكبرين جميعاً أن تفهم أن هذه الأعمال تعّمق حالة الرفض لهم وتقرب حالة الانفجار([2])، فليثوبوا إلى رشدهم وليتركوا هذا الشعب يبني نفسه ويقرّر مصيره كما يريد، فإذا أرادوا الحرية والسلام لشعوبهم فليعملوا على أن تعيش شعوب العالم بحرية وسلام([3]) فإن العالم كله اليوم (قرية صغيرة) لا يمكن التفكيك بين أجزائها، فإما أن تعيش كلها في خير ووئام أو تغرق كلها في فوضى وانتقام.

وعلى العلماء والمرجعيات الدينية والنخب المثقفة أن يربوا الناس على حب الخير والسلام والرحمة للعالمين جميعاً وليس على العصبية والتطرف، وأن يضعوا لهم الموازين الصحيحة لسلوكهم حتى لا يتصرفوا من غير بصيرة وتختلط عليهم الأمور، فيسمّون الجريمة وقتل الأبرياء وتدمير المؤسسات الوطنية (مقاومة) إن هذا لهو الضلال المبين.

إن الدماء التي جرت على الثرى الطاهر في كربلاء والكاظمية وفي مدينة كويتا الباكستانية وإن عز علينا وآلمنا وأضاف إلينا حزناً وغماً، إلا أننا نردد في هذا الموقف وكل موقف ما قاله صاحب الذكرى الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام): (إنه هوّنَ ما نزل بي أنه بعين الله) و(يا إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى لك العتبى يا ربِّ).

وقد لمسنا بركة هذا الدماء بإصرار المؤمنين على أداء شعائرهم وتضاعف أعدادهم وكلهم شوق للشهادة والالتحاق بالرفيق الأعلى ويتمسحون بالمصابين تبركاً بهم وغبطة لهم أنهم حظوا بشرف التضحية من أجل أن يبقى نور الله تبارك وتعالى حتى يظهره على الدين كله ولو كره المشركون والكافرون والجهلة المتعصبون.

وأسأل الله تعالى أن يتغمد الشهداء برحمته ويلحقهم بأوليائهم الطاهرين ويمنَّ بالشفاء والسلامة للجرحى والمصابين وأن يدخلنا في زمرتهم؛ لأننا ممن أحب عملهم وبادر إلى نصرتهم باليسير حين تبرعنا([4]) بالدم للمصابين ودعائي لذويهم بالصبر وحسن الجزاء وان يخلفهم الله تبارك وتعالى بما يقرُّ عيونهم ويُسرُّ قلوبهم.

وطلبي للمؤمنين أن لا يقصروا في تشييع الشهداء بالشكل الذي يرد كيد الأعداء إلى نحورهم، ويظهر لهم أننا جميعاً مشاريع استشهاد لنصرة هذا الدين العظيم حتى يرث الأرض ومن عليها عبادُ الله الصالحون وتسعد البشرية بدولة العدل الإلهي بقيادة الإمام المهدي  (عليه السلام) وإن غداً لناظره قريب.

 

محمد اليعقوبي

10 محرم 1425

 2/3/2004



([1]) قام تكفيريون حاقدون بعمليات انتحارية وإلقاء قذائف صاروخية وزرع متفرات استهدفت الحشود المتجمعة في مدينة كربلاء لإحياء مراسم عاشوراء يوم 10/محرم/1425 المصادف 1/3/2004 فاستشهد حوالي (85) وجرح أكثر من (250)، ولم تنثنِ عزيمة الموالين حيث عادت الأمور إلى طبيعتها مباشرة وانطلقت مسيرة عزاء (طويريج) المليونية كأروع ما يكون، ووقعت تفجيرات مثلها في الكاظمية ومدينة كويتا الباكستانية فاستشهد في الكاظمية (75) وجرح أكثر من (100) أما في مدينة كويتا فقد استشهد (45) وجرح أكثر من (70)، وقد توجّه سماحة الشيخ اليعقوبي فور علمه بالنبأ إلى مركز التبرع بالدم في مستشفى النجف العام وتبرع بقنينة دم مواساة للجرحى وإعلاناً لرفضه واستنكاره هذه العملية الخسيسة.

([2]) وقد حصلت هذه الحالة بعد أقل من شهر كما سيأتي بإذن الله تعالى.

([3]) هذه الاستراتيجية لو تبنّتها الولايات المتحدة لكانت أجدى سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً لحفظ مصالحها وأمنها بدل شنّ الحروب على الدول، ولم== ==تلتفت إليها وتتبناها إلا حوالي عام 2011 حين دعمت تحركات بعض الشعوب العربية في ما عرف بالربيع العربي وتهاوت فيه أنظمة مصر وتونس حين كتابة هذا الهامش.

([4]) بادر سماحة الشيخ (دام ظله) بعد علمه بالخبر إلى الذهاب إلى مركز التبرع بالدم في مستشفى النجف العام وتبرّع بقنينة للمساعدة في معالجة الجرحى.