خطاب المرحلة (19)... نصيحة إلـى المدافعين عن العلمانية في العراق

| |عدد القراءات : 2697
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

نصيحة إلـى المدافعين عن العلمانية في العراق

 بسم الله الرحمن الرحيم

 عقدت في بغداد يوم الخميس 18/9/2003 ندوة الإعلان عن تأسيس (لجنة الدفاع عن العلمانية في المجتمع العراقي وقد اعترف مؤسسها عصام شكري في لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية مساء نفس اليوم بعدم حضور معظم الفعاليات السياسية والاجتماعية المدعوة وعدم استجابتهم للدعوات الموجهة إليهم، مما يعني أن عصام غريب عن هذا المجتمع وتوجهاته وميوله الذي يرفض اللادينية والتخلي عن المبادئ والقيم والأخلاق السامية التي يربيها الدين في النفوس وتنعكس على السلوك وأنه (يغرد خارج السرب) كما يقول المثل، وقد كانت الدعوة لحضور الندوة صريحة في الكشف عن نوايا اللجنة فإنها تروج لـ (حرية اختيار الملبس دون قيد أو شرط) وعند هذه اللجنة إن المجتمع المؤمن الغيور (يترنح اليوم تحت ضربات سيوف تيارات الإسلام السياسي الشاذة) وبسبب ذلك فإن (مدنية المجتمع العراقي نفسها تمر اليوم بأزمة حقيقية) وتطالب بـ(حرية الإلحاد) كالإيمان.

ولو أن هذه الأفكار تقال في دول الغرب لكان الأمر طبيعياً بالنسبة لهم أما أن تكون حقوقاً يراد المطالبة بها في العراق المسلم الغيور الذي عبر بملء أرادته في المسيرات والاحتفالات والشعائر أن خياره الإسلام وأنه يرفض أي مسخ أو تمييع أو إفراغ لهويته الإسلامية التي تعبر عن عقيدته وأخلاقه وتقاليده. فهذه العلمانية المزوقة بالمصطلحات البراقة الخداعة كالحرية والمساواة وحقوق الإنسان لهي اعتداء صريح على هوية هذا البلد وانتمائه العربي والإسلامي.

إن الحرية لا تعني الانفلات من الضوابط فإنها حينئذ عين الهمجية فلكل دولة قانون ينظم حياة الشعب فيها ولا ترضى سلطاتها بتجاوز هذا القانون وقانون هذا الشعب هو الإسلام بعقيدته وأفكاره وسلوكه وأعرافه وتقاليده لأن الإسلام من صنع الله تبارك وتعالى خالق الإنسان والعارف بما يصلح عيوبه ويسعد روحه وجسده وينظم حياته وعلاقاته بالآخرين، أما القوانين الوضعية فهي من صنع البشر الناقص الذي لا يستقر له رأي فيحذف اليوم ما ثبته بالأمس ويعدل غداً ما يقرره اليوم وهكذا فأيهما أولى بالاتباع؟ [أفَمَنْ يَهْدِي إلى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] (يونس: 35) فماذا يريدون من حرية الملبس بلا قيد ولا شرط إلا العري والانسلاخ من الحياء والعفة والعودة إلى الحيوانية.

وهل علموا معنى المساواة حتى جاؤوا يحررون المرأة ويعيدون لها حقوقها؟ إن المساواة ظلمت عند العلمانية التي يروج لها الغرب، حيث امتهنت كرامة المرأة وأصبحت سلعة رخيصة يتداولها الرجال بأبخس الأثمان، وما أن يذهب جمالها وجاذبيتها حتى ترمى كالعلبة الفارغة لا يعبأ بها أحد ولا يعطف عليها أحد، أما المرأة في الإسلام فهي معززة مكرمة يجب على الرجل رعايتها وإسعادها وإكرامها، وجعل الحقوق والواجبات متساوية على الرجل والمرأة [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أو أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ] (آل عمران: 195). [وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أو أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً] (النساء:124).

نعم، إن حقوق الرجل وواجباته لا تماثل كلياً حقوق المرأة وواجباتها وهذا لا ينافي المساواة، كما لو أن رجلاً يملك عقاراً ونقداً ومعملاً كل منه بمليون دينار وأراد أن يوزعها على أولاده الثلاثة فأعطى أحدهم العقار والآخر النقد والآخر المعمل بحسب ما يناسب شأنهم وقدراتهم فهو قد ساوى بينهم لكنه لم يماثل في العطاء من أجل مصلحتهم حيث راعى ما يصلح حالهم وهذا هو شأن الإسلام.

ولا أدري إن كانت ليلى محمد (الناشطة) في شؤون المرأة وإحدى حضور الندوة، والتي تحدثت للإذاعة البريطانية قائلة إن العلمانية هي الطريق لتحقيق الحرية والمساواة ملتفتة إلى هذه المعاني وتخالفها عن عمد أم لا؟! وظاهر اسم أبيها أنها مسلمة، فهل قرأت كتاب الله يوماً وهو يقول [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أنفسهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً] (النساء:65). فالذي يشرع أحكاماً وحقوقاً خارج الشريعة فإنه يخرج من ربقة الإيمان.

إن الإسلام هي الشريعة الوحيدة التي وازنت بين متطلبات الفرد والمجتمع، بل وازنت قوى الفرد نفسه فللروح حقوق وللجسد حقوق وللنفس والعقل كذلك وكفلت حقوق الآخرين، وإذا وضع الله تبارك وتعالى حدوداً يمنع تجاوزها فذلك لمصلحة الإنسان نفسه الجهول الذي كثيراً ما تختلط عليه الأمور فلا يميز بين ما يضره وما ينفعه، كما أن القوانين الوضعية تضع حدوداً تعاقب على تجاوزها وتقول إن حرية الفرد تنتهي عند حدود حرية الآخرين وإنما الفرق في مفردات ومصاديق هذه الحقوق، فلماذا التباكي على الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، ألم يسمع هؤلاء بفصل الدستور التركي العلماني لمريم قاوقجي عضو البرلمان التي انتخبها الشعب لامتناعها عن خلع الحجاب؟ وقرار الإذاعة السويدية بفصل مذيعة فيه كانت ترتدي الحجاب؟ فهل هذه هي حرية التعبير عن المعتقد والسلوك، بينما تقرأ في كتاب الله الخالد [لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ] (البقرة:256) ويوفر الحماية الكاملة للمشركين إن أرادوا الاستماع إلى كلمة الحق ثم يوصلهم إلى مكانهم الآمن ليختاروا ما يريدون بحرية كاملة [وَإِنْ أحد مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ] (التوبة:6)، فهل الحرية موجودة في الإسلام أم عند الغرب رافع لواء العلمانية الذي يريد اليوم أن يخضع العالم بالترغيب والترهيب لرؤيته السياسية والاقتصادية والأخلاقية تحت عنوان (العولمة) أو (النظام العالمي الجديد)، وصنع آليات متعددة لذلك كصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومجلس الأمن والقوة العسكرية الهائلة.

وإنك لو فتشت عن سبب لهاث هؤلاء المنتمين إلى هذه اللجنة وراء العلمانية وتشدقهم بها لوجدت عدة أسباب:

1ـ انسياقهم وراء الشهوات وأهواء النفس [إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ] (يوسف:53) يريدون إشباع غرائزهم بإشاعة الفوضى الجنسية واللاأخلاقية باسم الحرية والعلمانية.

2ـ إنهم ينفذون ما يملي عليهم أسيادهم من شياطين الأنس الذي يرون الإسلام معارضاً لمصالحهم ولا يرضخ لاستعبادهم فيريدون تمييع هذه العقيدة وبالتالي إخضاع الشعوب بهذه العناوين المضللة

3ـ انبهارهم بالتطور والتقدم الذي وصل إليه الغرب فراحوا يقلدونه في كل شيء فأخذوا منه أسوأ ما عنده من الرذيلة والانحطاط الخلقي وأخذ الغرب منهم أعز ما عندهم وهو دينهم وأخلاقهم.

4ـ حبهم للظهور والشهرة من خلال تسويق هذه الأفكار المرفوضة ولو من باب (خالف تعرف).

إن مثل هذه العلمانية تعني معاداة الدين والسعي للقضاء عليه وليست حالة وسطى بين الدين والكفر [وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ] (المائدة:44) وفي آية أخرى (الفاسقون) وفي ثالثة (الظالمون).

ومن الغريب أن تصدر مثل هذه الدعوات اليوم، في الوقت الذي أعترف فيه الغرب غير المتدين بحاجته إلى العودة إلى الدين والأخلاق لأنه العلاج الوحيد لأمراضه الجسدية والاجتماعية والنفسية كجرائم السرقة والقتل والاغتصاب والأمراض الفتاكة كالأيدز حيث فشلت كل العلاجات في القضاء عليه ولا زالت نسبته في ازدياد ولا يقضي عليه إلا بث المواعظ والأخلاق السامية والعقائد الصحيحة كالإيمان بالله واليوم الآخر وتربية المجتمع على الفضيلة وهذه كلها تكفل بها الإسلام.

فنصيحتي الأكيدة لهؤلاء ولغيرهم أن يثوبوا إلى رشدهم وينظروا في مصلحة أنفسهم وأمتهم ولا يكونوا عاراً تلحقهم اللعنة، وليلغوا إلى الأبد لجنتهم هذه ويغيروها إلى لجنة إنسانية اجتماعية تعتني بنشر الفضيلة والأخلاق السامية ورعاية الأسر المتعففة والمحرومة خلال العقود الطويلة من الظلم والاستبداد والاستئثار، وليعلم المؤمنون أن هذه العلمانية مهما زوّقوا لها من ألفاظ ومصطلحات فهي لا تعني إلا نبذ الدين والأخلاق والانحلال من القيم والمثل العليا، وإني لكم ناصح أمين فلا تكونوا ممن قال فيهم الله تبارك وتعالى  [يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون] (يس:30).