خطاب المرحلة (9)... شبابنا والتحديات الراهنة

| |عدد القراءات : 3556
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

شبابنا والتحديات الراهنة(1)

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على نبيه وآله الميامين.

أحبكم أيها الشباب حباً خاصاً لأنكم وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقوله (أوصيكم بالشباب خيراً، فإنهم أرق أفئدة)، وأنقى نفوساً؛ لأنكم ما زلتم قريبين إلى الفطرة لم تلوثكم الذنوب كثيراً، كما أنكم نشأتم في ظل الصحوة الإسلامية المباركة التي اتسعت في العقدين الأخيرين، ووسع مداها سيدنا الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) بحركته الإصلاحية العظيمة، وكان ثمنها غالياً بدمه هو والدماء الطاهرة للشهداء الأبرار.

واهتم بكم أيها الشباب لأنكم المحرك الرئيسي لحياة الأمة، والدم الذي يجري في عروقها، وانتم معيار صلاح الأمة وفسادها -والعياذ بالله- فكلما كانت شريحة الشباب بخير وصلاح وفاعلية ووعي والتفات لما هو مهم كانت الأمة جميعاً بخير وصلاح، ولأن فيكم الطاقة والحيوية والحماس والاندفاع والتفاعل والعاطفية والحب والمودة والصدق والإخلاص والتواضع فكل هذه الخصال الحميدة تجدها عند الشباب لذا تجد الاستجابة الفعالة للدعوات الإصلاحية         -كرسالة الإسلام- أكثر ما تكون بين الشباب، وإن النهوض بواقع الأمة والأخذ بيدها في مواجهة التحديات إنما يكون على يد الشباب.

وأخشى عليكم لأن سهام الباطل وحملات الإفساد والتضليل أكثر ما توجه إليكم لأهميتكم في كيان الأمة.

أيها الأحبة: إننا أمام أخطار وتحديات عديدة وضخمة وجديدة علينا ومعقدة مما يضاعف المسؤولية علينا ويدفعنا إلى مضاعفة الهمة لنخرج من عهدة المسؤولية وقد فزنا برضا الله تبارك وتعالى وشفاعة أوليائه العظام.

وأولى هذه التحديات هي الأخلاقية فقد بدأ الفساد والانحراف بالانتشار من خلال الوسائل الإعلامية المتنوعة، والبدء باستعمال المخدرات والإدمان عليها والتي هي منشأ لكثير من الجريمة والفساد، كما أن وجود الغزاة الأجانب في أوساط المجتمع بما اعتادوا عليه من حياة حيوانية منفلتة من القيم والأخلاق يعتبر تحدياً أخلاقياً وعاملاً مساعداً على تشجيع الانحلال الخلقي وهم يوزعون بسخاء المجلات والصور المنافية للحياء والعفة والشرف والدين.

وثانيها التحديات الاجتماعية: فإن تعقيد الحياة التي يخططون لها، ودمج العراق في نظام العالم الجديد سيضيّع في دوامته الكثير من العلاقات الاجتماعية والتقاليد والأعراف الحميدة التي بني عليها مجتمعنا المسلم، وستبنى العلاقات على الأسس المادية والمصالح ومقدار النفع الحاصل، وليس على الأسس الإسلامية والإنسانية فلا يبقى من وجهة نظرهم معنى لصلة الرحم أو لزيارة المؤمنين أو قضاء حوائجهم لأنه لا مصالح لهم توجد فيها. كما أن المجتمع يعاني من التمزق والتشتت الذي يضعفه ويذهب بقوته ويشغله بأمور هامشية وقد حصل هذا التفرق إما للخلاف في أمور دينية أو تحزّبات سياسية أو عرقية أو عشائرية ونحوها.

وثالثها: العقائدية والفكرية والثقافية فإن الانفتاح المزعوم سيجلب معه الكثير من التشكيكات والشبهات التي تحاول خلخلة العقيدة في عقل المسلم وتشوش فكره وتجعله أسير الأوهام والشكوك.

ورابعها: السياسية، فأننا نعيش حالة (احتلال) بكل ما تعنيه الكلمة من الذل والصغار وسلب الإرادة وعدم الاستقرار، وهم وإن ادعوا أنهم جاءوا لتحرير الشعب العراقي ومساعدته على التخلص من الظلم والاستبداد، والشعب فعلاً محتاج إلى من يمد له يد المساعدة ليسترد عافيته إلا أن فعل قوى الاحتلال يخالف ذلك، ومن تلك التحديات أن البلد يعاني من فراغ سياسي وغياب الدولة والسلطة والقانون وفقدان الأمن والاستقرار وعدم وجود مؤسسات لإدارة شؤون البلد وصعوبات حياتية أخرى، وكلما يحاول الشعب أن يحل هذه الإشكاليات ويضع صيغة لإدارة نفسه بنفسه، فإن الأمريكان يعرقلونها ويؤجلونها ليبقى المبرر لوجودهم، وليستمروا في نهب ثروات الشعب المسكين، أو يعينوا إدارات عميلة خاضعة للأجنبي وربما مرتبطة بالنظام السابق ومتورطة في ظلم الناس.

وخامساً: الاقتصادية، فإن المجتمع ما زال يعاني منذ ثلاث عشرة سنة من الفقر والجوع والمرض والحرمان حتى من أبسط حقوقه في الحياة وفرص العمل وهذه الطبقة المحرومة هي أولى من ينظر إليه في المرحلة الجديدة.

وسادساً: السكانية، أو ما يسمى الديمغرافية حيث نقل كثيرون عن وجود عملية منظمة لشراء العقارات وإنشاء المؤسسات من قبل الأجانب وإسكانهم مما يؤدي إلى تغيير التركيبة السكانية، وقيل إن اليهود مهتمون بهذا الأمر وبدأت لهم وجودات علنية على الأرض من خلال مستشفى وفندق في بغداد، وربما سيصل الحال بشعبنا أن يكون مشرداً ولاجئاً يبحث عن أرض تؤويه بعد أن فرط بأرضه المباركة بثمن بخس مهما كان مقداره كبيراً في نظر أهل الدنيا، لذا كانت فتاوى العلماء واضحة وصريحة بحرمة عملية البيع هذه وإنها من الكبائر.

أمام هذه التحديات الضخمة ماذا سيكون واجباً:

1- تعميق صلة الأمة بالله تبارك وتعالى وتقوية إيمانها بإسلامها من خلال الوعظ والإرشاد والتوجيه، وبيان محاسن الإسلام وإبراز نقاط قوته في العقيدة والسلوك، وقيادة الحياة في كل جوانبها، وإبراز نقاط الضعف في المناهج الوضعية ويكون ذلك من خلال تكثيف الخطب والمحاضرات والندوات وسائر قنوات التوعية الأخرى.

2- انفتاح الحوزة على جميع شرائح المجتمع خصوصاً طلبة الجامعات والمدارس بزيارات منتظمة لتنبيههم إلى المخاطر المحدقة بالأمة ودورهم الكبير في مواجهتها ولتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتقوية موقفهم.

3- نبذ أسباب الفرقة والخلاف والالتفات إلى القضايا المصيرية التي تهمنا جميعاً على حد سواء، فإن أعداءكم يحاربونكم لا لأنكم سنة أو شيعة أو من مقلدي سين أو صاد ولا لأنكم من هذه العشيرة أو تلك أو هذه المدينة أو تلك، بل يحاربونكم جميعاً على حد سواء لأنكم مسلمون، فاجتمعوا في مواجهتكم لهم على هذا المحور وهو الإسلام، ولا تنشغلوا بالخلافات الجزئية وتنازلوا عن الكثير من حقوقكم من أجل عزة الإسلام ووحدة المسلمين وتأسوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) الذي يقول: (لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين وكان الظلم عليّ خاصة).

وقد أعلنت بالأمس أمام أهل بغداد وأكرره اليوم لتتبينوا موقفي (إن جماعة الفضلاء ليست بديلاً عن المرجعية الشريفة ولا تتقاطع معها بل هي آلية من آليات عملها)، وأعلن أمامكم إني وهذه الجماعة سوف نعمل في إطار المرجعية الشريفة خصوصاً المتحركة منها في الساحة ولا نتجاوزها، ما دامت وافية بحاجة الأمة من أجل تحقيق وحدة الموقف الإسلامي عموماً والشيعي خصوصاً، فإن من عناصر قوتنا في هذه المرحلة العصيبة من حياة الأمة أن تتوحد المواقف وتنسق الأعمال وتتقارب الرؤى، وهذا لا يتنافى مع ما أعلناه من قبل ببراءة الذمة بمراجعتي والأخذ مني، كما من الضروري التعاون وتوحيد المواقف مع القوى الإسلامية الأخرى العاملة في الساحة وعدم التشنج باتجاهها، فإن لها رصيدها في العمل السياسي والجهادي، وهي تريد أن تشارك بمقدار ما في تحصيل حقوق الشعب ورد اعتباره، وان التقاطع معها مما يضعف الصوت الإسلامي ويجعله عاجزاً عن فرض أرادته وقول كلمته بقوة، فالأمر يتطلب الكثير من التنازل والمرونة وغض الطرف لتحقيق هذه الوحدة.

4- السعي لتشكيل إدارات محلية نزيهة كفوءة لم تتورط في ظلم الناس تنتخب من قبل الشعب، بإرادات كاملة من دون تدخل أحد أو استبداد أحد واستئثاره لتقوم: بحفظ الأمن والاستقرار وأعمار البلد، وإعادة الحياة إلى مرافقه المختلفة وتوفير القرار في الدوائر والمؤسسات والنقابات والاتحادات واحترام أرادة أعضائها ومنتسبيها في اختيار من يديرهم.

وكذلك الإسراع في تشكيل الحكومة الانتقالية لتتولى ترتيب الدولة سياسياً وإدارياً وأعادتها إلى مصاف الدول المتحضرة، وما زال المحتلون يعرقلون مثل هذه المساعي بحجج واهية كعدم وجود آلية للانتخاب ولا جهة مشرفة عليه.

إن شعبنا قادر على تنظيم أدق انتخابات وأنزهها في ظرف أيام ومن دون الحاجة إليهم وبالخطوات التالية:

- تحديد الأشخاص والجهات المتنفذة في كل مدينة بحسبها كالحوزة العلمية أو رؤساء العشائر أو القوى والحركات السياسية أو الشخصيات المعروفة والموثوقة بها جماهيرياً فيدعون جميعاً لتشكل منهم لجان انتخابية.

- تجنيد عدد من الشباب المثقفين متطوعين أو غيرهم لإحصاء عدد السكان وتحديد المشمولين بالانتخاب باستجواب الموطنين وتطبيق المعلومات التي يدلون بها على ما في البطاقة التموينية.

- تقسيم المناطق بحسب الكثافة السكانية وتحديد عدد الممثلين لكل تجمع، ففي انتخابات البرلمان يكون لكل مائة ألف إنسان ممثل واحد مثلاً، وفي المجلس البلدي يكون لكل 50 ألف مثلاً ممثل واحد، إضافة إلى رؤساء الدوائر العاملة في المحافظة وتقسيم عمله إلى وحدات متخصصة فوحدة للصحة وأخرى للتعليم وأخرى للأمن وأخرى للمالية وأخرى فنية وهكذا.

- توزيع المراكز الانتخابية والأشراف على عملية الانتخاب من قبل نفس المتطوعين واللجنة المشرفة وفرز الأصوات وتحديد الفائزين.

ولا نحتاج في إجراء هذه العملية إلى تدخل أي أحد أجنبي، وهذه إحدى الأطروحات الممكنة ويمكن التفكير([1]) بغيرها والمهم هو إثبات إن الأعذار التي يذكرها المحتلون لإعاقة انتخاب الإدارات غير مبررة أبداً.

5- الاهتمام بقضية الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والدفاع عنها والعمل على الاستعداد لاستقباله والفوز بنصرته وتحديد تكاليفنا تجاهه وفي عصر غيبته، ومن هذه التكاليف أقامة الشعائر الدينية الجماعية باستمرار من صلاة الجمعة أو الجماعة أو مآتم حسينية أو احتفالات أو مجالس ذكر ودعاء والحضور المستمر في المساجد وفتح حلقات الدروس في العقائد والأخلاق والسيرة والتفسير.

6- التعاون والتكافل الاجتماعي كمشروع صندوق (الزواج رحمة) الذي أسس قبل مدة ونشرت أفكاره في كتاب (الزواج والمشكلة الجنسية)، وقام بتزويج العشرات من الشباب المؤمنين كرد عملي إيجابي على الفساد، وفتح بعض المشاريع الاقتصادية لتوفير فرص العمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتستمر الحوزة الشريفة إن شاء الله تعالى في دعم هذه المشاريع وتفعيلها وتشجيع المؤمنين على المساهمة فيها.

7- الالتزام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل الجميع وليست هي مسؤولية الحوزة فقط، فإن إحياء هذه الفريضة سيكون سبباً لبركات كثيرة ورادعاً عن مفاسد كثيرة بينّاها وأشرنا إلى اهتمام القرآن الكريم والأئمة المعصومين بهذه الفريضة في مناسبات سابقة.

8- أن تأخذ المرأة دورها في حملة التثقيف والتوعية، فتساهم المؤمنات المثقفات في الجامعات والمدارس والجمعيات النسوية والمراكز الثقافية وبكل الوسائل المتاحة في التنبيه إلى المشاكل الموجودة في هذه  الصنف من المجتمع وكيفية علاجها وقد أشرنا إلى الكثير منها في كتب عديدة.

أسأل الله تعالى أن يؤجركم على عنائكم هذا، ويجعلكم حصناً حريزاً للإسلام وجنوداً مخلصين لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وأن يشملكم بلطفه ورحمته ويتولاكم برعايته.

وأطلب أن تتوقف([2]) مثل هذه الوفود عن المجيء فقد كفيتم ووفيتم وأديتم ما عليكم وبقى ما علينا وهو كثير، فلا تحملونا أزيد من ذلك، وأسأل الله تعالى أن يكتب الأجر للأخوة الذين لم يأتوا على حسن نياتهم..

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ

وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] (آل عمران: 200).



(1) الكلمة التي ألقاها سماحة الحجة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على جموع أهل البصرة الذين وفدوا لمبايعته وإعلان الولاء له يوم الثلاثاء 23 ربيع الثاني 1424 المصادف 23/6/2003.

([2]) نُضِّجَ المشروع أكثر وقُدِّمَ لاحقاً كما سيأتي صفحة 112.

([3]) لهذا الطلب منشآن:

1- عدم رغبة سماحة الشيخ (دام ظله) في التصدي العلني للمرجعية لإعطاء الفرصة للموجودين.

2- طمأنة بعض المرجعيات التي أقلقها هذا التوجه الشعبي الكبير نحو سماحة الشيخ فصدرت منها أقوال وأفعال غير لائقة.