خطاب المرحلة (2)... الشعب العراقي إيجابيات ومسؤوليات

| |عدد القراءات : 3623
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الشعب العراقي

إيجابيات ومسؤوليات(1)

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

لقد عانى الشعب العراقي الكريم ما لم يعانه شعب على مدى التأريخ، فقُتِل منهُ الملايين وسُجِن وشُرِّد منهم ملايين أخرى وما ذلك لنقص فيه وانحطاط على ما أرجو، بل لأنه الشعب الذي سيحتضن دولة العدل الإلهي في اليوم الموعود، وهذا يتطلب منه التعرض لأنواع البلاء وأشده حتى يكون مؤهلاً لنصرة الأمام لكل ما تتطلبه من أعباء وتضحيات جسيمة، وكانت المحنة([1]) الأخيرة قاسية على شعبنا المظلوم، عانى فيها الكثير من القتل والحرمان والترويع والتشريد، مما يضاف إلى سجل المآسي التي مرت به، ومع كل ذلك فإن المراقب للساحة بمنظار إسلامي واعي يشاهد حالات ايجابية مهمة لا ينبغي إغفالها أشير إليها باختصار:

1- التوجه إلى الله تعالى والالتزام بشريعته، حيث تجد المساجد والمشاهد المقدسة ممتلئة بالمصلين، وأصوات الذكر والدعاء وتلاوة القرآن وزيارات المعصومين (عليهم السلام) تتصاعد من كل مكان، وهذه العودة إلى الله تعالى والرجوع إليه هو العلاج للمشاكل والأزمات الذي نثبت به هويتنا وانتماءنا وشخصيتنا، فاستحق الشعب الكريم بذلك (النصر الإلهي) ورفع البلاء وإزالة كابوس الظلم كما حثَّ الله تعالى وضرب مثالاً عليه قوم يونس (عليه السلام)، قال تعالى مبتدءاً بأداة الحث والتحضيض لولا: [فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إيمانهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ] (يونس:98).

فهذا هو موقف المسلم ورده في الأزمات والمحن، وعن هذا الطريق يعلن هويته والجهة التي ينتمي إليها، فنحن ننتمي إلى هذه الأماكن المقدسة وهذه الشعائر الشريفة.

2- الطاعة الكاملة للحوزة العلمية الشريفة والالتزام بتعاليمها وأوامرها، فما أن أمرت الحوزة بترك السلب والنهب من الممتلكات العامة حتى امتنعوا، وحين أمرتهم بإعادة المسروقات أعادوها، وحين أمرتهم بالتوجه إلى محلات عملهم ووظائفهم لتسيير الخدمات للناس توجهوا، فالمجتمع إذن يعرف بوضوح قادته الحقيقيين الذين يعملون بإخلاص من أجل سعادته وضمان الحرية والعدالة له؛ لأنهم المتفهمون لشريعة الله تعالى والساعون إلى تطبيقها بالشكل الصحيح [أَفَمَن يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] (يونس:35).

3- الوعي التام لما يجري في الساحة وأهداف اللاعبين فيها، فكان موقفهم في المحنة الأخيرة يدل على فهم جيد، ولم ينجرف مع الأهواء والعواطف أو الإغراءات، ولا تأثر بالتضليل الإعلامي والسياسي، بل بقي موقفه متزناً ومتوازناً مما أذهل المراقبين للوضع والمتخصصين بقراءة المستقبل، وأفشل توقعات وتخمينات الذين تحدثوا كثيراً عما سيقع، وفق المعطيات التي بين أيديهم ووفق رؤيتهم، ولم يحسبوا لوعي هذا المجتمع المسلم وقوة أرادته أي حساب.

4- الوحدة وتراصّ الصفوف وتذويب الخلافات سواء كانت دينية أو شخصية أو اجتماعية، وهذه المسيرات الجماهيرية التي خرجت ولازالت تخرج وهي تطالب بتوحيد الأمة مهما كانت اتجاهاتها المذهبية أو الطائفية أو العرقية، حيث تسير الجموع متحابةً متآلفة قد جمعتها الأهداف المشتركة (عراق مسلم، حر، مستقل، تتحقق فيه العدالة وتكفل فيه حقوق الإنسان، لا استبداد فيه لأحد، ولا استئثار بثروات الأمة ولا تبديد لطاقاتها)، وحتى حينما كان يشعل المغرضون والجهلة فتنةً لكي يفرقوا بين الإخوة كانت النتائج تأتي بعكس ما يخططون له، وتكون نفس الفتنة سبباً للوحدة والتقريب وتناسي الاختلافات الجزئية.

وكل هذه النتائج الطيبة وغيرها مما لم نذكر هي من الرحمات الإلهية وألطاف صاحب العصر الأمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لهذا الشعب الذي جاهد وضحى من أجل الاحتفاظ بهويته الإسلامية وشخصيته الأصيلة.

ونحن مُطاَلبون أن نبقى على نفس الهمة والعزيمة بل نزيد منها لما ينتظرنا من تحديات بعدة اتجاهات:

1- السياسية: حيث يسعى الشعب لاغتنام الفرصة في تشكيل حكومة نابعة من صميمه ذات أرادة مستقلة لا تخضع للأجنبي وتوفر له حقوقه وتسعى لتحقيق آماله، في حين يريد الآخرون فرض الحكومة التي تخدم مصالحهم.

2- العقائدية والأخلاقية: فإن الانفتاح والحرية المدّعاة ستحمل معها الكثير مما يتنافى مع مبادئ الإسلام وتعاليمه، وسيكون ذلك مدعاة للتمحيص والابتلاء الشديد الذي لا ينجو منه إلا من امتحن الله قلبه بالإيمان وتمسك بدينه وأطاع ولاة أمره الحقيقيين.

3- الاجتماعية فإن النظام العالمي الجديد يتطلبُ نظماً وأوضاعاً اجتماعية لا تتلاءم مع تركيبة الأمة وثقافتها الأصيلة، وستتغير أنماط العلاقات والمعايير المتحكمة فيها.

أمام هذه التحديات العظيمة الذي شاء قدرنا أن نكون أمام مفرق طريقين فإما أن نؤدي واجبنا كما ينبغي ونرد الأمانة إلى أهلها فيؤتينا الله كفلين من رحمته، أو نقصر لا سامح الله تعالى فنظلم أنفسنا ومجتمعنا ونضع علامة سوداء في تأريخ أمتنا.

فما هي المسؤوليات الملقاة على عاتقنا في هذا الظرف العصيب، إنها باختصار:

1- الرجوع إلى الله تعالى والتمسك بشريعته وتنظيم حياتنا كلها في العبادات والمعاملات على أساس المنهج الإلهي السديد، والإكثار من ذكر الله تعالى والدعاء والاستغفار والاستعانة به واللجوء إليه [وَاستَعِينُوا بِالصَبْرِ وَالصَلاةِ] (البقرة:45).

2- تجديد البيعة مع إمامنا وولينا بقية الله في أرضه الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بوضع يدنا اليمنى بيدنا اليسرى، لتكون الأولى عن الإمام (عليه السلام) والثانية عن المبايع، وان تكون البيعة حقيقية بمعنى أن نطيعهُ ونعمل كل ما يرضيه ونتجنب ما يسخطه.

3- الحضور المكثف في المساجد لإقامة صلوات الجماعة والشعائر الدينية والتأكيد على أقامة صلاة الجمعة في كل مكان سواء في المساجد أو الساحات العامة، وان تكون خطبتا الصلاة واعية وبمستوى التحديات الموجودة في الساحة ومعبرة عن الواقع، فإنها رمز وحدتنا وشعار عزتنا.

4- المحافظة على الوحدة ونبذ الخلاف والتأكيد على القواسم المشتركة التي تجمعنا وهي كثيرة، أما الجزئيات المختلف فيها فيحتفظ بها كل واحد لنفسه، وقطع الطريق أمام كل من يحاول بذر الفتنة وشق عصا المسلمين.

5- الطاعة الكاملة للحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف، والالتزام بتوجيهاتها ومواقفها تجاه مختلف القضايا والأحداث، واعتبارها الممثل الشرعي للشعب والمعبر عن مطالبه وتطلعاته، فإنها ستسعى بمقدار جهدها لتحقيق هذه المطالب.

6- الاحتفاظ بهويتنا الإسلامية ورفض ومقاطعة كل محاولة لمصادرتها والتأثير فيها ومحاولة تمييعها بالوسائل المذكورة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

7- استمرار التظاهرات والمسيرات السلمية والتجمعات الجماهيرية التي تحمل شعارات واعية وحضارية ومعبرة عن مطالب الشعب، والتي (أولها) تشكيل حكومة تمثل جميع فئات الشعب وتياراته لتعيد الأمن والاستقرار و (ثانيها) وضع دستور للبلاد يقوم على أساس الإسلام ولا يخالفه بحيث يكون مصدر التشريع هو الإسلام وتدعوا إلى انتخابات حرة.

8- التجرد عن الأنانية وحب الذات والنظرة الضيقة بل الواجب هو العمل تحت الإطار العام الذي يجمعنا جميعاً.

9- عدم التقاطع في العمل مع كل المخلصين الذين يسعون لاسترداد حقوق الشعب المظلوم.

10- عدم التأثر بالإشاعات والأخبار التي لا تستند إلى أساس صحيح فيجب التأكد والتثبت من الخبر قبل نقله، قال تعالى: [إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا] (الحجرات:6).

وأنتم أيها المؤمنون بزحفكم المبارك المليوني إلى هذه الأرض الطاهرة كربلاء التي سال على ثراها دم سيد الشهداء قد تحملتم العناء والجهد وضحيتم بالكثير من أجل تكريس الأهداف التي خرج من أجلها الحسين (عليه السلام) وعبر عنها بقوله: (وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأسير بسيرة جدي وأبي صلوات الله عليهما ولآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) فاثبتوا على ما أنتم عليه والتي تتجسد في النقاط أعلاه ولا تتوانوا في طلبها حتى تتحقق، والله معكم ولن يتِرَكم أعمالكم.

(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد:7)



(1) كلمة الحوزة العلمية إلى الملايين من زائري ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) يوم الأربعين في العشرين من صفر سنة 1424 الموافق 23/4/2003 كتبها سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله).

([1]) المراد به حرب أمريكا وحلفائها على العراق لإسقاط صدام وما تلاها من تدمير البنية التحتية للدولة.