إحياء الشعائر الحسينية سبيل للهداية

| |عدد القراءات : 13140
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 إحياء الشعائر الحسينية سبيل للهداية (1)

الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على أكرم خلقه عليه وأحبّهم إليه محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

إنه لمن الألطاف الإلهية والتأييد الرباني هذه المسيرة المليونية الكبيرة بما تتضمنه من مشاهد إعجازية؛ حيث يشارك فيها الشيخ المسنّ والمرأة الضعيفة والأطفال الصغار حتى الرُضّع الذين تضنُّ بهم أمهاتُهم عن أبسط أشكال الأذى والإيلام وإذا بها تعرّضه للشمس الحارّة نهاراً والبرد ليلاً وتسير به في العراء مئات الكيلومترات مشياً على الأقدام دون اصطحاب العدة المناسبة لرعاية الأطفال.

ولا تحسُّ من أحد منهم وهم ملايين أي شعور بالضجر والسأم والملل بل الكل مندفعون متحمسون تكاد أرجلُهم لا تحملهم من الفرح ونشوة الانتماء لحصن ولاية أهل البيت (ع) المنيع.

إن أي جيش في العالم يجنّد مئات طائرات النقل وآلاف العربات والشاحنات لقطعاته المنتشرة في مساحة معينة؛ ومع ذلك يحصل عنده العجز والخلل، وهو أقل عدداً من هذه الملايين الزاحفة ولا يغطي مساحة بسعة المدن والمناطق التي انطلقت منها هذه الحشود الزاحفة الى قبر ابي عبد الله (ع).

فما هذه المحركية الهائلة التي تجنّد الجميع في إقامة الشعيرة المقدسة بين من يمشي على قدميه وآخر يقدّم الطعام والشراب وثالث يقوم بالخدمات الطبية ورابع يسعف الزائرين ويتبرك بغسل أقدامهم؟

إنه الإخلاص والصدق في ولاء النبي وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) الذي ألقاه الله تبارك وتعالى في قلوب المؤمنين ليكون أجر النبي (ص) على تبليغ الرسالة (قُل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودَّةَ في القربى).

هذه المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام تجعل العالم كله يقف إجلالاً وهيبة لهذه الروح الكبيرة، وتثير حقد وغضب من نصبوا العداوة لأهل البيت (ع) الذين قال فيهم الله تبارك وتعالى (أمْ يَحسدونَ الناسَ على ما آتاهمُ اللهُ من فضلِه، فقد آتينا آلَ إبراهيمَ الكتابَ والحكمةَ وآتيناهم ملكاً عظيماً) (النساء/154) ويفسرها الإمام الباقر (ع) بقوله (نحنُ الناس المحسودون).

ولإظهار عجزهم عن إيقاف هذا المد الإلهي الهادر لجأوا الى الأساليب الخسيسة في استهداف الزوار بالرصاص والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والعالم كله يشهد ان الزوار أناسٌ أبرياء يسيرون عُزَّلاً من كل شيء، وهذا الانحطاط منهم ورثوه من أسلافهم الذين لم يتورعوا حتى عن قتل الرضيع ضمآناً وإحراق البيوت وسبي النساء ورضِّ الأجساد الطاهرة بحوافر الخيل وقطع الرؤوس.

أيها الأحبة..

ان ردّكم الحاسم الذي تجيبون به أولئك الأراذل هو بهذا التواجد العظيم في الشعائر المقدسة (ومن يعظّم شعائرَ الله فإنها من تقوى القلوب) لتُدخلوا اليأس عليهم بمواصلة السير بإصرار على نهج الأئمة الأطهار وان لا تحيدوا عنه قيد أنملة.

ان هذه الشعائر مظهر من مظاهر العزة والكرامة والشرف والفضيلة لأهل البيت النبوي الطاهر (صلوات الله عليهم أجمعين) تبهر الناس وتجعلهم يفكّرون ملياً في الإلتحاق بهذه المدرسة الشريفة التي أرسى النبي (ص) أسسها وشاد أركانها الأئمة الطاهرون بدمائهم وجهودهم وجهادهم وهي أمانة في أعناقكم أن تحافظوا عليها.

إنكم بإحيائكم هذه الشعائر تنالون أجراً فوق أجوركم باهتداء الكثيرين إلى نهج أهل البيت (سلام الله عليهم) واستبصارهم وتكونون مصداقاً لقول النبي (ص) لأمير المؤمنين (ع) (يا علي لئن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وما غربت) وقد نقل لي أحد الفضلاء ممن شارك في إرشاد الحجاج الى مناسكهم في الموسم الأخير ان (63) شخصاً من أهل مكة وحدها استبصروا واهتدوا الى ولاية أهل البيت النبوي الطاهر وهم يمارسون دعوة أهلهم وأقربائهم الى هذا الشرف العظيم، وكل ذلك ببركة هذا الصوت المبارك الذي انطلق من رحاب أرض علي والحسين (ع) والكاظمين والعسكريين (ع) التي ستكون عاصمة الامام المنتظر الموعود (ارواحنا له الفداء) ومنطلق حركته العالمية المباركة.

يا أخوة الإيمان..

تذكروا وانتم متوجهون لزيارة ابي عبد الله الحسين (ع) في هذه المناسبة الشريفة فضل زيارته عموماً وزيارة الأربعين خصوصاً حتى جُعلت من علامات المؤمن وتذكروا فضل من قصد قبره الشريف مشياً على الأقدام ففي كتاب مفاتيح الجنان عن الامام الصادق (ع) قوله (من أتى قبر الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) ماشياً، كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة).

وحافظوا ايها الأخوة على آداب الزيارة ومنها ما رواه الثقة الجليل محمد بن مسلم عن الامام الباقر (ع) (يلزمك حسن الصحبة لمن يصحبك ويلزمك قلة الكلام الا بخير، ويلزمك كثرة ذكر الله، ويلزمك الخشوع وكثرة الصلاة، والصلاة على محمد وآل محمد، ويلزمك التحفظ عما لا ينبغي لك، ويلزمك ان تُغضي بصرك من المحرمات والمشتبهات، ويلزمك ان تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعاً، والمواساة، والورع عما نهيت عنه، وترك الخصومة وكثرة الاَيمان والجدال الذي فيه الاَيمان).

وزيدوا من ربح تجارتكم مع الله تعالى باستثمار مسافة الطريق بكلمة هداية وموعظة ونصيحة وتعليم أحكام الشريعة لكثير من أبناء العشائر والقرى والأرياف الذين لم يصلهم صوت الإرشاد والتوجيه الديني وأوصلوا إليهم صوت الحق والهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

سدد الله خطاكم وضاعف لكم الأجر ورزقكم شفاعة الإمام الحسين (ع) يوم الورود.

 

 

 

محمد اليعقوبي

18صفر1428هـ

 

 



([1]) الخطاب الذي ألقاه سماحة الشيخ اليعقوبي وهو يشارك السائرين مشياً على الأقدام لزيارة الإمام الحسين u بين النجف الاشرف وكربلاء يوم الخميس 18/صفر/1428 تعظيماً لهذه الشعائر المباركة ورداً على العمل الإجرامي الذي استهدف مواكب الزوار في الحلة في اليوم السابق واستشهد فيه العشرات.