المرجع اليعقوبي (دام ظله) يعزي العاملين الرساليين في المشروع الإسلامي في العراق برحيل الدكتور جابر العطا
بسم الله الرحمن الرحيم
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) الأحزاب/23
(الدكتور جابر العطا) اسم لامع في الحركة الإسلامية في العراق على مدى العقود الستة الماضية، فمنذ خمسينيات القرن الماضي عندما تخرّج في كلية الطب وعُيّن في مدينة البصرة جعل من تلك المدينة الخصبة الطيبة الموالية ساحة للعمل الإسلامي المبارك وشارك مع ثلة من المثقفين الرساليين في تفعيل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ونشر تعاليم أهل البيت (عليهم السلام)، وقد أخبرني (رحمه الله) أنّه من شجّع الشهيد الشيخ عارف البصري يومئذ على الالتحاق بالحوزة العلمية في النجف فأغنى الحركة الإسلامية بذلك البطل الشهيد.
ثم انتقل إلى محافظة ديالى ومارس مهنته كطبيب واستمر في نشاطه وإحياء الاحتفالات الدينية الواعية التي كانت ساحة للمواجهة مع التيارات الفكرية الضالّة والأيديولوجيات المنحرفة، وكانت أوّل معرفتي به من خلال ما تنشره مجلة الإيمان النجفية التي كان يُصدرها والدي (رحمه الله) في الستينيات وكان اسم الدكتور العطا يطالعني فيها كمشارك فاعل في ما يلقى في تلك الاحتفالات وكانت له مسؤوليات قيادية في تنظيم العمل الإسلامي في المحافظات.
ولما اشتدّ بطش النظام الصدامي بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م كان الدكتور العطا هدفاً لجلاوزة النظام فاعتُقل هو وولده أخونا الحاج محمد وابنته وقضوا سنين من التعذيب والسجن حتى اُفرج عنهم تباعاً في العفو العام عام 1986م وما بعده واتخذوا سكناً في منطقة الكرادة الشرقية ببغداد ومن ذلك التاريخ تعرفنا على المرحوم الدكتور وأسرته بشكل مباشر لأنّ أخي المرحوم الشيخ علي كان معتقلاً معهم في سجن أبي غريب لعدة سنوات.
وبقيت الأسرة تحت المراقبة وأحياناً الاحتجاز كلما يحس النظام بالخطر والتهديد.
وعندما بدأ السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) حركته المباركة بعد انتفاضة 1991م كان الدكتور العطا وأولاده من المناصرين المتحمسين لها والمشاركين في فعالياتها، وكان الدكتور العطا يعقد الآمال على إحياء المشروع الإسلامي على يد السيد الشهيد (قدس سره).
وبعد استشهاد السيد الصدر (قدس سره) عام 1999م استمر الدكتور المرحوم وأولاده في مؤازرته لنا ونشر كراريسنا واستفتاءاتنا وتوجيهاتنا الاجتماعية والأخلاقية قناعة منه (رحمه الله) بضرورة مواصلة الحركة الإسلامية والمحافظة على مكاسبها التي تحققت على يد السيد الشهيد ومراعاة التنوّع في آليات العمل.
وعندما سقط النظام المقبور عام 2003م استجد عنده الأمل بأن يأخذ المشروع الإسلامي مداه وتُحقق دماء الشهداء ثمارها وفرح كثيراً بحضوري في بغداد في الأيام الأولى من السقوط وإقامة صلاة الجمعة المباركة في الكاظمية وإعلان برنامج العمل للمرحلة المقبلة ومنها العمل السياسي فحضر صلاة الجمعة واستضافني في داره.
وطيلة السنوات الأخيرة فقد استمر في عمله الرسالي وكان مهتماً بنشر الكتب وإقامة دورات لتعليم القرآن والفقه ومساعدة المحتاجين وقضاء حوائجهم.
لقد مضى المرحوم الدكتور نقياً طيباً ثقيل الميزان بما أدّى من أعمالٍ صالحة وبما لاقى من أذى في سبيل الله صابراً محتسباً، فلله درُّه وعلى الله أجرُه وألحقه الله تعالى بأوليائه المعصومين عليهم السلام.
نعزّي ولده الكبير الحاج المهندس محمد العطا وبقية أسرته وكلّ العاملين الرساليين، ونسأل الله تعالى أن يعظّم لهم الأجر ويلهمهم الصبر ويجعلهم خلفاً صالحاً لسلفٍ صالح.
محمد اليعقوبي – النجف الأشرف
8 ذي الحجة 1432هـ
5/11/2011 م