معنى تحريك بعض الأعضاء في الأدعية

| |عدد القراءات : 2827
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

معنى تحريك بعض الأعضاء في الأدعية[1]

ورد في بعض الأدعية القيام بحركات في الأعضاء مقترنة مع الدعاء، كما في دعاء العهد حيث ورد في نهايته (ثم تضرب على فخذك الأيمن بيدك ثلاث مرات، وتقول في كل مرة: العجل العجل يا مولاي يا صاحب الزمان).

وكان الأئمة (عليهم السلام) يقومون ببعض الحركات في موارد معينة كالذي ورد في دعاء شهر رجب المعروف (يا من أرجوه لكل خير) حيث تقول الرواية في نهاية الدعاء (ثم مدّ الإمام الصادق (عليه السلام) يده اليسرى فقبض على لحيته ودعا بهذا الدعاء، وهو يلوذ بسبّابته[2] اليمنى ثم قال بعد ذلك: يا ذا الجلال والإكرام يا ذا النعماء والجود، يا ذا المنّ والطول حرّم شيبتي على النار).

وأرى الكثير من المؤمنين لا يلتزمون بهذه التوجيهات ويتساهلون فيها، ربما لأنهم يجهلون معناها ولا يعرفون أسرارها، وربما يستهجن فعل من يقوم بها عند من لا يفهمها، لذا أحببنا أن نلفت نظركم إلى أن هذه الحركات لها مدلولاتها المعبّرة عن الخلجات الباطنية والمعاني الروحية.

فالضرب على الفخذ المشار إليه في دعاء العهد يمكن أن يكون له أكثر من معنى:

1-   ما جرى عليه الناس حين يريد أحد أن يستعجل آخر ويطلب منه الاسراع في التنفيذ فإنه يضرب على فخذه مكرراً لحثّه على ذلك، والداعي بدعاء العهد يستعجل ظهور الإمام وإعلان دعوته المباركة.

2-   إن الانسان عندما يبكي جزعاً في مصيبة معينة، فإنه يقرن البكاء بالضرب على الفخذ، ولعل هذا معروف عند النساء أكثر ومع التسليم بحرمة جزع الإنسان في مصائبه الماديّة، فإن طول غيبة الإمام (عليه السلام) وظهور الفساد في البر والبحر وغلبة أهل الباطل واستضعاف أهل الحق موجب للأسى والألم والجزع، وهو جزع محمود لأن غايته رضا الله تبارك وتعالى، كما في دعاء الندبة (هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى).

وهكذا في دعاء رجب المتقدم فإن القبض على اللحية يعني الاعتراف بالذنب والتقصير واستحقاق الغضب الإلهي ولذا اقترن بطلب النجاة من النار التي هي عقوبة المتمردين لأن المعروف عند الناس أن من غضب على آخر وله مقام الاستعلاء عليه أخذ بلحيته، كالذي حكاه القرآن الكريم عن فعل النبي موسى (عليه السلام) مع أخيه هرون (عليه السلام) (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) (طه/94)، كالتعبير بأنه (أخذ بناصيته) وهي مقدم الرأس وأول قصاص الشعر منه للإشارة إلى تمام المقدرة عليه، قال تعالى (مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) (هود/56) أي أنها في قبضته وتحت قدرته يفعل بها ما يشاء.

أما التلويح بالمسبحة فكأنه طلب للهداية والرشاد لأن التلويح بالمسبحة علامة  المنذهل الحيران الطالب للدلالة على الطريق الصحيح، ويكون مجموع معنى الحركتين هو طلب النجاة من النار والفوز بالجنة وعدم الاكتفاء بالأول، وهو معنى قوله تعالى (َمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (آل عمران/185).

ومن تلك الحركات: القيام ووضع اليد على الرأس عند ذكر الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) للتعبير عن الإيمان بحياته وأنا بمحضر وجوده المبارك الشريف.

هذا في جانب الحركة، وقد يكون عدم الحركة هو المطلوب للتعبير عن حالة باطنية، كما في الصلاة لابراز حالة الخشوع في الجوارح مع توجّه القلب قال تعالى(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/2)، لذا كُرِه في الصلاة العبث باللحية والاصابع، والروايات في هذا المجال كثيرة.

والهدف من هذه الحركات والسكنات هو تفاعل واشتراك كل مكونات الانسان في العبادة والطاعة وتحقيق حالة الانسجام بين عوالم الانسان: القلب والجسد والنفس والروح، وورد في حديث مرسل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (لا يقبل الله من عبده عملاً حتى يشهد قلبه مع بدنه).[3]

هذا التفاعل التام في عبادة الله تبارك وتعالى وطاعته تجلى عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، تروي كتب السير عنه (عليه السلام) انه إذا وقف للصلاة بين يدي ربه سكنت كل جوارحه واستسلم للملك العلّام ولا يتحرك منه إلا ما حركته الريح بحسب وصف الروايات ولا يشعر بما حوله مهما كان ملفتاً، وجاذباً للمشاعر.

لكنه (عليه السلام) يتحرك في المواضع الأخرى بما يناسبها من حركة البدن من دون تكلف أو رياء، بل يتحرك بوجود واحد، ففي وصف ضرار بن ضمرة وهو من أصحاب علي (عليه السلام) عندما دخل على معاوية وطلب منه أن يصف علياً (عليه السلام) قال (فأشهدُ لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا يا دنيا إليك عني غرّي غيري).

عليّ الأوّاه الحزين المعظّم لمقام ربّه يتقلب لا يقر له قرار كما يتقلب الملسوع الذي لدغته حية فلا استقرار له من الألم والعياذ بالله تعالى.

لقد التفت العلم الحديث مؤخراً إلى دلالة حركات الأعضاء على المشاعر الباطنية وما يدور في ذهن وقلب الانسان، وبدأ يُعدّ الدراسات والتحليلات في ما يعرف بعلم (لغة الجسد)[4] ولا زالت نتائجهم ظنية مبنية على الاستقراء الناقص. فيفهمون من تقاسيم الجبين شيئاً، وإذا حكّ أنفه أثناء حديثه أو إذنه فلها مدلولها، وإذا نظر إلى آخر من فوق النظارات فلها معنى، وهكذا.

فطوبى لمن والى علياً الانسان الكامل واتخذه إماماً وهادياً وسيفخر يوم يُدعى كل اناس بإمامهم فيأتي غيرهم وأئمتهم الفراعنة والطواغيت والظلمة والكفار والفاسقون، ويأتي شيعة علي (عليه السلام) وإمامهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل بيت العصمة (عليهم السلام)

(الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله).



[1]  من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع الزائرين في مجلسه العام في ذكرى ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم 13/رجب/1432 المصادف 16/6/2011.

[2]  تسمّي العرب الأصبع المجاور للإبهام (السبّابة) لما جرت عليه سيرتهم، لكن المهذبين لا يسمونه بذلك بل يقولون (الابهام والذي يليه) أما المتشرعة فيسمونها بالمسبحة.

[3]  هامش المفردات للراغب مادة (خشع) عن تخريج أحاديث الاحياء: 1/339.

[4]  من أراد التعرف على التفاصيل فليراجع الموسوعات العلمية ودوائر المعارف.