حبِّبوا إلى أولادكم مطالعة الكتب

| |عدد القراءات : 2477
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

حبِّبوا إلى أولادكم مطالعة الكتب[1]

تحدثت في لقاء سابق مع مجموعة من الفتيان أمثالكم عن عنصر من عناصر التربية وهي مصاحبة أولياء الأمور والمعلمين والمربين الصالحين، انطلاقاً من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (اصحبوهم سبعاً)، واليوم نتحدث عن عنصر آخر مؤثر في التربية الصالحة هي مطالعة الكتب المفيدة.

ولا نتوقع من الأحبّة الصبيان وهم في هذا العمر أن يكون لهم ولع بقراءة الكتب العلمية في أي حقل من حقول المعرفة وإنما تكون البداية مع الكتيبات والكراريس ذات الطابع القصصي التي تذكر فيها القصة لا لأجل التسلية والمتعة المجردة وقضاء الوقت كقصص المغامرات، وإنما لإيصال فكرة مفيدة أو الإقناع بالتحلي بخصلة كريمة، أو التنفير من سلوك مشين، أو تعلّم أمر نافع في الدين والدنيا، حتى إذا حصل الأنس بالكتاب والتمتع به وتوفرت لدى الصبي المؤهلات والرغبة الكافية أمكن الانتقال إلى تدريسهم كتباً مبسطة في الفقه والعقائد والأخلاق وسيرة أهل البيت (عليهم السلام).

وإنما جعلت البداية من القصص لأنها محببة للنفوس وجالبة للانتباه وتبقى راسخة في الذهن بكل تفاصيلها، وتحفظ معها محل الشاهد الذي نقلت من أجله، وكشاهد على الانجذاب للقصة، لاحظ المستمعين إلى خطيب فإنهم حالما يبدأ بالاستشهاد بقصة ينشدّون إليه ويستجمعون قواهم الذهنية أكثر مما لو كان الحديث في مطالب أخرى.

إن كتب التاريخ والسيرة تضم عدداً هائلاً من القصص والحكايات والروايات التي تؤدي الغرض المذكور، ولا نستطيع أن نكلف الفتيان بأخذها من مصادرها، ومن هنا تكون وظيفة ومسؤولية الفضلاء والمثقفين الوصول إليها في مصادرها وانتقاء ما يناسب ثقافة الصبي وفهمه وتقديمها له كغذاء جاهز مع إلفات نظره إلى ما يستخلصه من الدروس والعبر.

وقد قمنا ومعنا عدد من الأخوة العاملين –جزاهم الله خير جزاء المحسنين- عندما تصدينا للمسؤولية بعد استشهاد السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) عام 1999 باصدار عدد من هذه الكراريس والكتيبات القصصية النافعة والمؤثرة، وقد ساهمت بدرجة ملحوظة في صناعة السلوك النظيف والوعي الرسالي لدى شريحة كبيرة ومنها مجموعة (آمنة ومؤمل، هدى والطواهر، دروس للصبي المسلم، دروس للفتى المسلم، شباب في مقبرة الجنس، حدث في الجامعة، زيارة مدرسة، حلم في مستشفى، حجاب في عتبة الباب،...) ونحوها مما لم نذكره، ولا زالت حيويتها وتأثيرها.

وتحضرني الآن بعض القصص المفيدة من التاريخ أرويها باختصار.

1- كان اسم مدينة القاهرة المصرية التي بناها الفاطميون (الفسطاط) في صدر الإسلام، وسبب التسمية على ما روي أن جيش المسلمين لما كان متوجهاً لفتح بلاد شمال افريقيا توقف في هذه المنطقة ونصب خيم استراحة وكانت الخيمة تسمى (فسطاط)، وعندما عزم على الرحيل وجد حمامة قد أنشأت عشاً لصغارها على ظهر إحدى الخيم، ولئلا يزعجوا الحمامة تركوا الفسطاط في مكانه رحمة بها وبصغارها ورحلوا.

هذه القصة القصيرة تعلمنا آداب الاسلام في الرفق بالحيوان وعدم إيذائه بل الاحسان إليه، ومن باب أولى الاحسان إلى الانسان الآخر وعدم إيذائه، والتنبيه إلى حالات مذمومة في الاساءة إلى الحيوان كضربه أو تهديم أعشاش الطيور أو رميها وقتلها لا لشيء إلا العبث واللهو، وذكر الأحاديث الشريفة الواردة في النهي عن هذه الأفعال وما يقابلها من الخصال الكريمة.

2- كان مالك الاشتر (رضوان الله تعالى عليه) قائداً ميدانياً لجيوش أمير المؤمنين (عليه السلام) ولكنه كان متواضعاً لا يتميز عن بقية الناس بلباسه أو موكب الحماية والمرافقين وغيرها من المظاهر الدنيوية، ومرّ به أحد الناس في شوارع الكوفة واستخفّ به وآذاه، ولم يردَّ عليه الأشتر، فقال له بعض الناس الذين عرفوه: ويلك هذا مالك الأشتر صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيفعل بك ما يفعل، وصُعِق الرجل المعتدي لهذه الصدمة وراح يسأل عن مالك حتى يعتذر إليه، فقيل أنه دخل مسجد الكوفة فذهب إليه ووقع على يديه وقدميه يقبّلها معتذراً فنهاه مالك عن هذا الفعل وقال له: اعلم انني ما دخلت المجسد الا لكي أصلي ركعتين واستغفر الله تعالى لك.

هكذا كان شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه في التواضع للناس والعفو والصفح عمّن أساء إليهم، وعدم الانجرار وراء الغضب والانفعالات النفسية.

3- دخل رجل فقير رث الحال على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بين أصحابه فسلّم وجلس وكان بينهم رجل ثري فلملم ملابسه المترفة الأنيقة عن الفقير وتحاشى الجلوس إلى جنبه، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): هل خفت أن يذهب إليه غناك إذا جلس جنبك؟ قال: لا، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وهل خفت أن يصل إليك فقره؟ قال: لا: فلم يجد الثري مبرّر لتصرفه و اعترف بأنها من تسويلات الشيطان الذي يزيّن كل قبيح، ويحبّب كل معصية، ويكرّه الخير والطاعة، وكمبادرة منه لإرضاء الفقير وتأديب نفسه، قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وهبت نصف أموالي له فعرضها النبي (صلى الله عليه وآله) على الفقير وقال هل تقبلها؟ فقال: لا فسأله عن السبب، فقال: أخشى أن يصيبني ما أصابه.

هذه دروس في عاقبة الاغترار بالنعمة والبطر والتكبّر، وتفاهة الدنيا بحيث يرفضها الفقير المعدم، ثم حسن الاعتراف بالخطأ والسعي لتصحيحه.

إن حديثي هذا عن تجربة صقلت شخصيتي منذ الطفولة حيث بدأ أنسي بالكتاب من خلال القصص الدينية المصوّرة للأطفال ثم التحقت بالدروس الدينية في العطلة الصيفية وصارت لي القدرة على مراجعة المصادر والتأليف وأنا لم أبلغ الحلم، واعتقد أن الوسائل المتاحة اليوم هي اضعاف ما كان متاحاً آنذاك بل لا مقايسة بينهما.

وقد اطـّلعنا من خلال أسئلة الناس والاستماع إلى مشاكلهم الدينية أن السبب الرئيسي هو عدم المطالعة وعدم القراءة والتواصل مع مصادر العلم والمعرفة، فتجده مطالباً بقضاء سنوات من الصلاة لأنه لم يتعلم غسل الجنابة، أو يدفع مبالغ للكفارات لأنه يجهل عقوبة ترك الصيام، هذا غير الأخطاء الكثيرة والمؤلمة التي لسنا بصدد بيان تفاصيلها.

إن قراءة الكتب ليست (هواية) كما يعبّر البعض عند الحديث عن الهوايات، بل هي مسؤولية ووظيفة، قال تعالى مؤدباً نبيّه الكريم (وقل ربّ زدني علما) وفي حديث آخر مضمونه: إن كل يوم لم أزدد فيه علماً فليس من حياتي، وفي الحديث الآخر المروي في الخصال للشيخ الصدوق (رضي الله عنه) (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُعبد الله عز وجل بشيء أفضل من العقل، ولا يكون المؤمن عاقلاً حتى يجتمع فيه عشر خصال –إلى أن قال(صلى الله عليه وآله وسلم)- لا يسأم من طلب العلم طول عمره).[2]



[1] من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع مدير وطلبة مدرسة أشبال المنتظر القرآنية في الناصرية يوم السبت 16/شوال/1431 الموافق 25/9/2010.

[2] الخصال: 433.