سلسلة حكايات من بلادي يكتبها الميالي

| |عدد القراءات : 1853
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

سلسلة حكايات من بلادي 

يكتبها الميالي

رسالة الحبيب

 وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى، قال يا قومي اتبعوا المرسلين. الرحمن علم القرآن ، خلق الانسان، علمه البيان. والصافات صفا، فالحاملات وقراً آيات وآيات عشقتها منذ الطفولة، منذ أيام البراءة اللذيذة .. حيث اللعب والمرح والامبالاة .. الذي كان كان يلف أقراني ويتركهم يذوبون في عالم من الانقياد لكل ما هو سار وممتع.. وكنت اختلف عنهم.. بانشدادي العجيب للكلمات الصافية العذبة السحرية... التي كانت تقتحم طفولتي عبر مئذنة الحي كل يوم قبل الصلاة أو بعدها. فيشدني نحوها خيط عجيب لا ادري ما هو يمنعني من تضييع وقتي كما يفعل الصغار من حولي وكنت أسأل أبي أحياناً عن سر ترديد هذه الكلمات وباهتمام مستمر.. فكان يجيبني بإشفاق وبكلمات يمكن لعقلي أن يفهمها: غداً ستكبرين يا زينب وتقرئين بنفسك كلمات الله في القرآن وتدركين قدرها.. وكبرت فعلاً بعد سنين.. وكبرت مواهبي وتوسع إدراكي.. فإذا عشقي لكتاب الله الذي بدأ يأخذ بمجامعي.. ورحت أصغي إليه بعقل جديد ولكن ليس عبر مئذنة المسجد هذه المرة، وإنما عن طريق أختي الكبرى التي أصبحت معلمتي والآخذة بيدي نحو شواطئ القرآن الخلابة فتأثرت وتبدل كياني وعظم إعجابي بكتاب الله وأنا أرى أختي تقرأه كل يوم بانفعال وكأنها تتحاور مع شخص يجلس على جانبها. وتجري دموعها على الخدين كلما حدثها الله عن الجنة والنار والموت والحياة والأنبياء والتغيير والشهادة وعرفت من يومها أن القرآن هو كنزي النفيس الذي لا بد أن أدعه قلبي.. لكي يحفظني وأنا أسير في هذه الحياة نحو هدفي وكان عمري إحدى وعشرين عاماً يوم عزمت على حفظه.. ولم تكن غير سنين حتى ضممته كأم إلى صدري.. بكل آياته وسوره ساعدني على ذلك هدوء ناحية تازة لطيبة التي أسكنها، إحدى نواحي مدينة كركوك المفعمة بالاشجار والعصافير والمطر .. وبمحبة أهل البيت(عليهم السلام).. التي دخلتها مع الاسر العلوية الكثيرة... وأسرتي هي واحدة من تلك الأسر.

ومن علي الله  مرة أخرى.. بعد نعمة القرآن التي منحنيها، بالدراسة في حوزة بنت الهدى في قم المقدسة فكنت أتعلم وأواصل المعرفة وأعلم الاخريات مع بنات جنسي فزكاة العلم تعليمه.. وخلال صحبتي الطويلة للقرآن الكريم شعرت أنني أكثر فهماً لسر الوجود.. وأكثر استيعاباً لمجريات الأحداث وللموت وللحياة .. ومن أين وإلى أين.. فزهدت في الدنيا التي لا تساوي جناح بعوضة.. ورحت أستأنس برسالة الحبيب أقرأها كل آن وكأنني أفض الظرف للمرة الاولى.. وأعلن أمام الوجود وأعلن أمام الوجود أنني له وحده.. وإلى ألابد .. 20 جمادى الاولى 1426هـ.