كيف نخرج من حالة الفشل والتقاعس

| |عدد القراءات : 2798
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف نخرج من حالة الفشل والتقاعس([1])

من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) لجيشه في ساحة القتال ( أجزأ امرؤٌ قِرنه، وآسى أخاه بنفسه، ولم يَكِلْ قِرنَه إلى أخيه فيجتمع عليه قِرنهُ و قِرنُ أخيه)([2])

القِرنْ: هو الخصم الذي يبارز الرجل ويقاتله باعتبار أن صيغة القتال يومئذٍ هي بالمبارزة رجلاً لرجل، فالإمام(عليه السلام) يطلب منهم أن يواجه كل رجل خصمه،  ولا يتقاعس عنه، لأن عدم مواجهته تعني تفرغه فينضمّ إلى آخر من أصحابه ويجتمعان على مقاتلة واحد من أصحاب الإمام (عليه السلام) وتكون المهمة  أصعب، بينما يطلب الإمام(عليه السلام) من كل جندي من أصحابه أن يكفيهم خصمه، ثم يواسي أخوته ويؤازرهم على مواجهة أقرانهم، قال (عليه السلام)( وأيُّ امرئٍ منكم أحسّ من نفسه رباطة جأشٍ عند اللقاء، ورأى من أحدٍ من إخوانه فشلاً، فليذبَّ  عن أخيه بفضل نجدته التي فُضِّل بها عليه، كما يُذبُُّ عن نفسه، فلو  شاء الله لجعله مثله)

وهذه الوصية  منه(عليه السلام) وإن كانت واردة في المواجهة العسكرية، إلا أنها في الحقيقة جارية  في كل المواجهات والمسؤوليات، فإذا لم يقم أحدٌ بواجبه فستحصل إحدى نتيجتين: إما إهمال ذلك الواجب وتضييعه، أو اجتماع هذا الواجب على أخيه الذي يشاطره المسؤولية إضافة إلى واجبه الأصلي، وفي كل من النتيجتين ظلم. وقد قيل في الأدب(من الظلم سعي اثنين في قتل واحدٍ ).

وكمثال على ذلك فإن العائلة التي فيها عدة أفراد يختلفون بينهم بالشعور بالمسؤولية، والمفروض توزيع واجبات الأسرة عليهم كالإنفاق عليها أو قضاء حوائجها وتسيير شؤونها، فالمتكاسل من هؤلاء يترك واجباته ويبقى نائماً حتى الظهر مما يضطر الشاعر بالمسؤولية إلى قيامه بواجبه وواجب أخيه الذي ضيّعه لعدم إمكان التفريط به فلا يدعه ضميره وشعوره بالمسؤولية قبول الإهمال والتضييع.

ونحن اليوم في منعطف تاريخي يحدّد ملامح المستقبل لفترة لا يعلم مداها إلا الله تبارك وتعالى، وتواجهنا تحديات ضخمة ومنوعة وهي تقتضي قيامنا بمسؤوليات واسعة.

لا يسع الإنسان المؤمن الرسالي المخلص الغيور على دينه ومجتمعه وحضارته ومستقبله أن يتخلى عنها فإذا تقاعس عنها الآخرون فإنه لا يعدّ ذلك التقاعس مبرراً لترك واجباته بل يحاول أن يسدَّ الفراغ الذي تركه الآخرون ويحمل نفسه ما لاتطيق. لأنه لا يستطيع أن يقف مكتوف الأيدي ازاء تلك التحديات.

ومما يبعث على الأسى ويملأ القلب ألماً إصابة الأمة بحالة من التقاعس والكسل والفشل تقرب من الموت وإذا أردتُ الاستفادة من التاريخ الذي يصفونه بأنه سياسة ماضية باعتباره يسجل تاريخ حركة الأمم والحكومات والصراع على السلطة والأحداث التي مرت عليها، ويصفون السياسة بأنها تأريخ حاضر باعتبارأن التاريخ يعيد نفسه وأن السنن التي جرت في الأمم السالفة جارية في الأمم اللاحقة لأن الدوافع واحدة والمنطلقات التي تقود إلى الأحداث والسلوكيات واحدة، أقول إذا أردت تشبيه حالة الأمة اليوم بحالة سابقة فإنها تحكي حالتها في أخريات أيام أمير المؤمنين(عليه السلام) وزمان الإمام الحسن (عليه السلام)، حين عصفت بها الفتن والشبهات ولعب حب الدنيا بعقولها، ومالت إلى الدعة والراحة والسكون والترهل والاكتفاء بترتيب أحوالها الخاصة واللامبالاة بأمور الدين والمصالح العامة، وأمير المؤمنين ( عليه السلام) يستنهض الهمم ويثير العزائم بكل ما أوتي من عناصر التأثير والهداية والإصلاح فلا يجد مجيباً حتى أصبح يتمنى الموت ليتخلص منهم ويدعو (عليه السلام) ( اللهم إنني قد مللتهم وملّوني وسئمتهم وسئموني ، فأبدلني بهم خيراً منهم وأبدلهم بي شراً مني) فاختاره الله تبارك وتعالى لجواره وخلّف عليهم معاوية، واستمرت تداعيات ذلك التقاعس حتى اضطرّ الامام الحسن(عليه السلام) إلى توقيع وثيقة الهدنة وإيقاف القتال، وانطلق معاوية ليعيث فساداً فقتل خيار شيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) وقطع أرزاقهم وشتّت  شملهم وولّى عليهم يزيد من بعده، ثم آل الأمرالى أن يقدّم الإمام الحسين(عليه السلام) نفسه الشريفة وأهل بيته وأصحابه قرابين لإصلاح حال الأمة  وبعث الصحوة والحياة فيها، وهكذا استمرت التداعيات.

ونقرأ في التاريخ أن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وكان القائد العام لجيش الإمام الحسن(عليه السلام) أرسل له معاوية أربعمائة ألف درهم ووعده بوعود إن ترك الإمام والتحق بمعاوية، فاتبع هواه والتحق بمعاوية، ونعجب من مثل هذا التصرف ولكن أشهدكم بالله كم من شخص اليوم حصل على موقع سياسي أو وظيفي أو ديني أو اجتماعي باسم المرجعية، فلما استقر وضعه أدار ظهره لها وللناس الذين رفعوه إلى هذا المقام وانشغل بمصالحه الشخصية وأنانيته فما الفرق بين الموقفين؟

إنني أعيذكم أيها الإخوة أن تستمروا على هذا الحال وتكونوا كذلك الجيل، وسبباً في نفس النتائج ـ والعياذ بالله ـ فإن التاريخ سيسجّل، والله ورسوله والمؤمنون مطّلعون (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) لقد بلغ الكسل حداً حتى عن حضور صلاة الجمعة الشعيرة المقدسة الواجبة التي لم يضاهها شيء من الواجبات ، مضافاً إلى  الثواب العظيم  والمغفرة التي أُعدّت  لمن سعى إليها مثل( ما من قدم سعت إلى الجمعة إلا حرّمها الله على النار) و( من صلى الجمعة عاد مغفوراً له) وغيرها كثير. فبماذا نصف من لا يحركه وجوب ولا مثل هذا الثواب العظيم، ولا الشعور بالمسؤولية تجاه المشروع الإسلامي المبارك ليحضر الجمعة الذي ه أبسط عمل يؤديه؟

وإذا سألت ما أنا وما خطري حتى أطالب بالنهوض بالمسؤولية الضخمة؟ فإن جوابك بسيط يبدأ من الكلمة التي افتتحنا بها الحديث وذلك بان يقوم كل شخص بمسؤوليته وواجبه  المكلف به  بحسب وضعه، وسيفتح الله تبارك وتعالى له آفاق جديدة للعمل، ولنبدأ بالمثال الذي ذكرناه وهو صلاة الجمعة فاعزم على حضورها  والالتزام بها وعدم التقاعس عن المشاركة فيها، وحينئذٍ ستلتقي مع إخوة مؤمنين وستتبادل معهم الأحاديث والهموم والقضايا وحينئذٍ ستجدون أمامكم أفكاراً ومشاريع ورؤى تتوسع تدريجياً بفضل الله تبارك وتعالى، فلربما ستهتدون إلى مشروع اقتصادي أو مؤسسة اجتماعية أو خيرية لمساعدة الناس، أو تقتني كتاباً مفيداً أو تطلع على مسألة ابتلائية تنفع بها إخوانك وهكذا.

وقد دلّنا أمير المؤمنين(عليه السلام) على هذا الأسلوب من الاهتداء للعمل، قال (عليه السلام) في خطبة الوسيلة( الاهتمام بالأمر يثير لطيف الحيلة)([3] ) فإن الإنسان قد يجد نفسه لأول وهلة عندما يريد كتابة بحث أو تأليف كتاب إو إنشاء مشروع اقتصادي في السوق وكأنه لا يعرف ماذا يعمل ومن أين يبدأ، ولكنه حينما يفكّر  في المطلوب ويكرّس نفسه له ويضع قدميه على خط البداية يجد ضوءاً يدلّه على  الخطوة التالية وهكذا تتوالى الخطوات وتثار في ذهنه (لطائف الحيل) والتدابير والبرامج والخطط العملية حتى يجد نفسه وقد أسس شيئاً لم يكن يتوقعه، كالتاجر مثلاً يدخل السوق ويجالس التجار ويعرف أساليب العمل ومداخلات السوق والعناصر المؤثرة فيه والمساحات الناجحة والثغرات والمعوّقات  وهكذا مع همّة وإخلاص وإذا به في النهاية يرى قد حقّق  له وجوداً محترماً في السوق.

وإذا أضفنا إلى ذلك أنك لست وحدك في الميدان بفضل الله تبارك وتعالى بل لك إخوة عاملون وتسندك مرجعية لا تتوقف عند حدود المواقف العريضة. بل تشاركك حتى النظر في التفاصيل وآليات العمل وخذ لك مثلاً الخطبة الثانية لعيد الأضحى المبارك عن تنشيط القطاع الخاص وإيجاد البدائل.

واليوم وبعد عدة أشهر وبعد تصاعد الأزمة المالية العالمية وضيق الخناق الذي فرضته على ميزانية هذا العام عقدت الحكومة (مؤتمر بدائل التنمية) في بغداد وأعادوا نفس الأفكار التي تحدثنا بها في الخطبة.

نسأل الله تعالى رضاه وحسن العاقبة والتوفيق لما يحب وأن يصلح حالنا بحسن حاله، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

 

 



([1] ) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد ضمّ إدارة وطلبة جامعة الصدر الدينية / فرع البنوك في بغداد يوم 2/ربيع الأول/1430 المصادف 28/2/2009.

([2]) نهج البلاغة ج2/ص2، رقم الخطبة1221.

([3] ) بحار الأنوار للمجلسي 74/289.