مواجهة التحديات بمعرفة قيمة النفس
بسم الله الرحمن الرحيم
مواجهة التحديات بمعرفة قيمة النفس([1])
لعلماء الأخلاق جهود وآثار قيمة في تهذيب النفس من الرذائل وتحليتها بالفضائل وبيان الوسائل والآليات التي تعين الإنسان على النجاح في (الجهاد الأكبر) ـ وهو جهاد النفس كما سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وهو الصراع الذي ميدانه الأول النفس الإنسانية الذي تتصارع فيها الأهواء والميول والنزعات والإرادات بين العقل والشهوة وبين الخير والشر وبين الحق والباطل وهو صراعٌ مرير طويل يستمر إلى أن تبلغ النفس التراقي وقد ورد في الحديث ( أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) وقد يتخلص الإنسان من رذيلة في مرحلة معينة لكنه لا يلبث أن يجد نفسه مبتلى بغيرها، فمثلاً تراه بعد أن يجتاز مرحلة الشباب تقوى عنده السيطرة على ميوله الجنسية لكنه قد يبتلى بالطمع أو الأنانية أو حب الجاه والسلطة، وهذه أمراض أخطر وأشد فتكاً بالأمة وما الدماء التي تسفك بغير حق والبلاد التي تُخرّب إلا بسبب هذه الرذيلة.
وقال العلماء والعارفون إن كل فضيلة تقع بين رذيلتين يمثلان جانبي الإفراط والتفريط فيها، فالشجاعة فضيلة بين رذيلتي التهوّر والجبن، والكرم فضيلة يقع بين الإسراف والبخل، وهكذا...
ورسموا برامج لعلاج الرذائل وقسموها إلى علاج نظري وعملي، ويريدون بالأول مجموعة التصورات والعقائد والمفاهيم التي تسهم معرفتها والاقتناع بها في الحل، أما الثاني فيقصد به الخطوات العملية والتطبيقية التي تؤدي إلى القضاء على الرذيلة الخلقية كإجبار النفس على الإنفاق لكسر البخل، وكالإكثار من الصوم لكبح جماح الشهوة الجنسية. وهكذا.
ونحن نريد أن نشير اليوم إلى مفردة في العلاج النظري تعينكم على تقوية إرادتكم وعزمكم في مواجهة التحديات وقمع الأهواء والشهوات وذلك بأن يعرف الإنسان قدره، كما ورد في الحديث ( من عرف قدر نفسه لم يوردها موارد الهلكة) وهو حديث يمكن أن يفهمه كل شخص بحسب مستواه ومجاله، فالقائد العسكري عليه أن يعرف عدد قواته وعدّتها قبل أن يخوض أيَّ معركة وإلا فإنه سيهلك نفسه وجيشه وهكذا.
ونريد نحن الآن تطبيقه عليكم لنستفيد منه في التقويّ على تجاوز الصعاب والنجاح في مواجهة التحديات الأخلاقية والاجتماعية والفكرية التي تتعرضون لها في الجامعات. فإن الواحد منكم إذا التفت إلى قدر نفسه وكرامته عند الله تبارك وتعالى بحيث ورد في الحديث أن الله تبارك وتعالى يباهي الملائكة بالشاب المؤمن الذي نشأ في طاعة الله تعالى، فهل يرضى شاب يفخر الله تعالى به ويباهي الملائكة وتقرّ به عينا الإمام الحجة المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) قد ملأ قلبه حب الله تعالى والنبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) وعُجنت طينته بولايتهم المباركة، وقد نجح في حياته حتى بلغ الدراسة الجامعية وأنتم في أرقاها، أقول: هل يمكن لهذا الشاب بعد التفاته لهذه المعاني أن يكون أسير شهواته أو يقع ضحيّة لغواية من شياطين الجن والإنس وهم لا سلطة لهم على الإنسان إلا بمقدار التزيين والدعوة إلى المعصية حيث يحكي القرآن الكريم: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم) (سورة إبراهيم/22) ويلخّص هذه الفكرة الحديث الشريف ( من كرُمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا).
ولذا يوصي الإمام السجاد (عليه السلام) ( وإنما هي نفس واحدة فلا تعطوها إلا بثمنٍ وثيق وهي الجنة) إذ لا يملك الإنسان نفسين وحياتين حتى يمكن أن يفعل ما يحلو له في الأولى ويجرب النتائج ثم يصحّح في الثانية، وإنما هي حياة واحدة ونفس واحدة فلا بد أن يبرمجها على ما ثبت بالدليل الصحيح أنه طريق للفوز والفلاح.
إن الله تبارك وتعالى يقدّر شدة الابتلاءات التي يتعرض لها الإنسان في جهاده الأكبر، وقد أشار الأئمة المعصومون (عليهم السلام) إلى جملة منها لإلفات نظرنا إليها والحذر والاستعاذة بالله تبارك وتعالى منها وطلب العون منه عظمت آلاءه للصمود في وجهها لاحظ على سبيل المثال مناجات الشاكين للإمام السجاد (عليه السلام) في كتاب ((مفاتيح الجنان )) ويقول (عليه السلام) فيها (اِلـهي إليك أشكو نَفْساً بِالسُّوءِ أمارة، وَاِلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تَسْلُكُ بي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُني عِنْدَكَ أهون هالِك) ويقول (عليه السلام) فيها (اِلـهي أشكو إليك عَدُوّاً يُضِلُّني، وَشَيْطاناً يُغْويني...) ويقول (عليه السلام) (اِلـهي: إليك أشكو قَلْباً قاسِياً مَعَ الْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً، وَبِالرَّيْنِ وَالطَّبْعِ مُتَلَبِّساً، وَعَيْناً عَنِ الْبُكاءِ مِنْ خَوْفِكَ جامِدَةً، و إلى ما يَسرُّها طامِحَةً).