العجز عن حل مشاكل العراق بسبب عدم وجود رمز كبير يفرض الحل على السياسيين

| |عدد القراءات : 3845
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

  العجز عن حل مشاكل العراق بسبب عدم وجود رمز كبير يفرض الحل على السياسيين

 

في إحدى المرات التي أصيب البلد بوباء الجراد ابان العهد الملكي والجراد الذي يكتسح أرضاً زراعية فإنه يذرها قاعاً صفصفاً، فاهتمت الحكومة يومئذٍ بمكافحته، وكان جدي الشيخ محمد علي اليعقوبي (رحمه الله) معروفاً بانتقاداته اللاذعة للحكومة وسوء إدارتها وبعض الظواهر المنحرفة في المجتمع ويعبر عن نقده ببيتين من الشعر تعرف بـ(الدوبيت) وكانت دوبيتات اليعقوبي تأخذ صداها في أوساط المجتمع وتتناقلها الألسن لما فيها من سلاسة ودقة انطباق على الحالة، ومن دوبيتاته التي تناول فيها الحالة المذكورة وهي مكافحة الجراد قوله (رحمه الله) :

 

ألا قـل للـوزارة وهـي تبغي           مكـافحة الجـراد عن البلادِ

 

فهلا كافحتْ في الحكم قوماً            أضرُّ على البلاد من الجرادِ

 

ترحّمتُ عليه وعلى كل المخلصين من أبناء البد وأنا أرى دقة انطباق وصفه على الموجودين في السلطة اليوم رغم مرور أكثر من نصف قرن على نظمه البيتين، فقد جاء هؤلاء المتسلطون من خارج البلاد كوباء الجراد وراحوا يقضمون بـِنَـهمٍ كل ما في هذا البلد من خيرات ومن حضارة ومن وجود، فهم كما وصف أمير المؤمنين (سلام الله عليه)  بني أمية حينما ولي الخليفة الثالث الخلافة وسلّطهم على الرقاب في غفلة من الزمن وسبات من الأمة (وقام معهُ بنو أبيهِ يَخضمون مال الله خضمةَ الإبلِ نبتةَ الربيع)(1).

 

وهي نتيجة طبيعية تحصل للأمة حينما ترجع في أمورها الى من هو ليس بأهل وتختار عن غير بصيرة وتستسلم للظلم والانحراف وقد حذّرت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء في خطبتها من هذه النتيجة فقالت (سلام الله عليها): (ويحهم أفمن يهدي الى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون؟! أما لعمري لقد لقحت، فَنَظِرةٌ ريثما تنتج) الى ان قالت (سلام الله عليها): (وأبشروا بسيف صارمٍ، وسطوة معتدٍ غاشم واستبداد من الظالمين: يدَعْ فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم! وأنى بكم وقد عميت عليكم، أنُلزِمكموها وأنتم لها كارهون)(2) .

 

قبل أيام قرر مجلس الأمن حل اللجنة المكلفة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل وانتهاء عملها ولما سأل مُقَدِّمُ النشرة الأخبارية مراسلَ القناة هناك عن مقدار الأموال المتبقية في رصيد اللجنة ومصيرها؟ قال انها (60) مليون دولار وستبقى تحت تصرف بعثة العراق في الامم المتحدة لتحسين بنايتها!!

 

تصوروا ان هذا المبلغ الضخم عندهم هو مجرد (تفاليس) لا يستحق أن يعاد الى الخزينة العراقية ويصرف على الجياع والمحرومين والمهجرين الذين تعقد دول العالم المؤتمرات لدراسة كيفية مساعدتهم وتجمع التبرعات. بينما تهدر هذه الثروات الضخمة على ايدي المسـتأثرين والمستبدين.

 

هذا مع العلم ان بعثة العراق هناك تافهة ولا تقدم أي عمل لخدمة العراق ونصرة شعبه وكل همها إقامة الولائم وحضور الحفلات.

 

وبدلاً من ان تساهم الحكومة العراقية في معالجة أسباب التهجير وتضمن العودة السريعة للمهجرين الى منازلهم تدعو دول العالم لاستقبالهم وكـأن مشروعاً خفياً يجري لتغيير ديموغرافية العراق وتركيبته السكانية بإفراغه من أهله والمجيء بناس من دول أخرى لا نعلمهم سوى انهم منسجمون مع مصالح أصحاب هذه الخطة.

 

ان المهجرين يغادرون منازلهم وعيونهم عليها وقلوبهم معها وآمالهم مشدودة الى اليوم الذي يعودون فيه اليها حتى وهم في أقصى نقاط العالم، لذا لا تجد أحداً منهم يبيع بيته او اثاثه او يصفي أملاكه الا النادر وهذا يعني انهم غير عازمين على هجر بلدهم وتركه، فانتـبِـهوا الى هذه المؤامرة الخطيرة على الشعب العراقي التي تشترك فيها دول عدة ويديرها عملاء هذه الدول الذين ينفذون أجنداتهم.

 

ولاكتمال المؤامرة فإنهم يحاربون ابناء البلد الوطنيين الأحرار الشرفاء وإذا برز فيهم من يمكن ان يكون خطراً على المصالح اللامشروعة لأولئك العملاء فإنهم يعملون بكل ما أوتوا من ماكنة إعلامية وأموال قارونية وقداسة مزيفة على تسقيط تلك الرموز، والافتراء عليهم لكي تخلو الساحة لأولئك العملاء وحتى اذا جاءت الانتخابات المقبلة ونحوها فسوف لا يجد الشعب إلا إعادة انتخاب سارقي ثروات الشعب أنفسهم بمباركة من وُعّاظ السلاطين الذين كل همّهم مداراة مصالح الخاصة ولو سَخطَ عامة الشعب على عكس ما أوصى به أمير المؤمنين (سلام الله عليه) مالك الاشتر حينما ولاه مصر (فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة، وان سخط الخاصة يُغتفر مع رضا العامة).

 

ان العجز عن حل مشكلة العراق اليوم يرجع في بعض اسبابه المهمة الى عدم وجود رمز وطني او ديني كبير له هيبة وانقياد يستطيع فرض الحل على السياسيين وإرغامهم على الرضوخ الى الحق.

 

وهنا يكون واجب النخبة كبيراً فعليهم تحمل مسؤولياتهم لتوعية الشعب وتوجيهه نحو قيادته الحقيقية والتصدي لتحمل المسؤولية وتقديم البديل الصالح ليأخذ محل الفاسدين والظالمين.

 

  محمد اليعقوبي

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

(2) نهج البلاغة، ج1، الخطبة رقم (3) وهي المعروفة بالشقشقية.

 

(3) الاحتجاج، ج1، ص148. وشرحنا الفكرة بالتفصيل في بحث (ماذا خسرت الامة حينما ولت أمرها من لا يستحق) المنشور في كتاب (الاسوة الحسنة).