كفارة العمل في السلطة الإحسان إلى الشعب

| |عدد القراءات : 3804
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

كفارة العمل في السلطة الإحسان إلى الشعب (1)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 إن أمراً واضحاً يلزمكم بالإحسان إلى الشعب وخدمته وهو الوفاء بالعقد معه حين أجلسكم في هذه المواقع سواء مباشرة بانتخابكم أو بصورة غير مباشرة حين انتخب مسؤوليكم وهم عيّّنوكم والنتيجة واحدة وهي إنكم ملزمون بأداء الأمانة إلى أهلها والوفاء للشعب. وقد شرحنا ذلك في الخطاب الاخير ( يوم الزهراء يوم الفرقان ) .

 

وهناك أمرٌ آخر يلزمكم بنفس الشيء قد يخفى على كثير منكم وهو إن من وليَ شيئاً من أمور السلطة يترتب عليه اثر لا يزيله إلا الإحسان إلى الناس وهو مستفاد من الحديث الشريف عن الإمام الصادق(عليه السلام): ( كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان ) وفي رواية أخرى أن الإمام (عليه السلام) قال لعلي بن يقطين ( كفارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان) والكفّارة لفظ معناه الستر والتغطية لذلك جعل الشارع المقدس الكفارات لمعالجة أمور تحتاج آثارها وتداعياتها إزالةً وستراً وتطهيراً ، ككفارة القتل والإفطار في نهار شهر رمضان والحنث باليمين والنذر والعهد وغيرها.

 

ومن المعلوم أيضا إن التوبة والندم والاستغفار والقيام بأعمال صالحة كفارة للذنوب (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) (هود:114) (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (الأنفال:33) .

 

ولكن هناك ذنوباً لا يزيل أثرها الاستغفار وإنما لها كفارة خاصة فقد ورد في الحديث (إن من الذنوب ما لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة ) فيبيّن الله تعالى عظمة السعي لطلب الرزق للعيال ورعايتهم وتوفير احتياجاتهم بجعله كفارة لذنوب لا تغفر إلا  به.

 

ومن هذا القبيل الحديث الذي ذكرناه فأن العمل في أي موقع من مواقع السلطة ( عمل السلطان ) أي العمل في إطار السلطة يوجب آثاراً وضعية لا يمكن إزالتها والنجاة منها إلا بالإحسان إلى الناس.

 

حينما ولي علي بن يقطين الوزارة لهارون العباسي قال له الإمام الكاظم (عليه السلام) ( إضمن لي خصلة أضمن لك  ثلاث فقال علي : جُعِلتُ فداك وما الخصلة التي اضمنها لك  ، وما الثلاث اللواتي تضمنهنَ لي ؟ ، قال: فقال أبو الحسن (عليه السلام) الثلاث اللواتي أضمنهنَ لك أن لا يصيبك حر الحديد أبدا بقتل، ولا فاقة، ولا سقف سجن، فقال علي: وما الخصلة التي اضمنها لك ؟ قال : فقال : يا علي ، وأما الخصلة التي تضمن لي أن لا يأتيك ولي أبداً إلا أكرمته ، قال : فضمن له علي الخصلة وضمن له أبو الحسن الثلاث ) وقال فيه الإمام الكاظم (عليه السلام ) ( ضمنت لعلي بن يقطين الجنة وألا تمسه النار أبدا) .

 

وقد يبدو أن هذا الأمرـ أعني عدم التقصير في حوائج الناس وخدمتهم وإدخال السرور عليهم ـ صعب لكن النتيجة العظيمة المترتبة عليه تستحق بذل الوسع فيه.

 

لما قدم الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام العراق ، قال علي بن يقطين : أما ترى حالي وما أنا فيه ( يعني وزارته للظالم هارون ) ؟ فقال: يا علي إن لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي.

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)أنه قال: ( ما أودع أحد قلباً سروراً إلا خلق الله من ذلك السرور لطفاً ، فإذا نزلت به نائبة جرى عليها كالماء في انحداره، حتى يطردها عنه كما تطرد الغريبة من الابل) وروي عن الامام الصادق ( عليه السلام) قال: ( إن السرورالذي يدخله المؤمن على أخيه المؤمن يخلق الله تعالى منه مثالاً ، فإذا خرج من قبره، خرج معه هذا المثال يقدمه أمامه .فكلما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة قال له المثال : لا تفزع ولا تحزن ، وأبشر بالسرور والكرامة من الله .فما زال يبشره بالسرور والكرامة من الله عز وجل حتى يقف بين يدي الله جل جلاله فيحاسبه حساباً يسيراً ويؤمر به إلى الجنة والمثال أمامه .

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : ( من تولّى أمراً من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقاً على الله عز وجل أن يؤمن روعته يوم القيامة ويدخله الجنة) .

 

 لكن الواقع المر الذي نعيشه اليوم مخالف لهذه التوصيات الكريمة ، وما حادثة دار الحنان لشديدي العوق عنكم ببعيد حيث أبكت حالتهم الأجانب أما السيد وزير العمل والشؤون الاجتماعية الذي تتبع الدار وزارته (وهو من أسرة دينية في النجف الاشرف وأنجبت جملة من العلماء ) فيريد مقاضاة القوات الأمريكية لاكتشافها هذه الكارثة الإنسانية ويعتبرها تشهيراً بوزارته ، رغم إن ذوي المعاقين لم يرفعوا شكواهم إلى الأمريكان والجيش العراقي إلا بعد يأسهم من معالجة الحال لكثرة الشكاوى التي رفعوها إلى كل المستويات في الوزارة .

 

لكن السيد الوزير وأمثاله من المحميين بالكتل السياسية المهيمنة سلم  من المساءلة فضلاً عن اتخاذ الإجراءات الرادعة للمسؤولين ، وهذا ـ والعياذ بالله ـ  سبب نزول البلاء على الأمم الذي ورد في الحديث الشريف ( إنما هلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ) وهو ( صلى الله عليه وآله ) إنما يسمي السارق الأول شريفاً بلحاظ المعايير الاجتماعية التي تعتبر مثل أبي جهل وأبي لهب وأبي سفيان شريفاً في قومه لا بلحاظ الواقع لأن السارق ليس شريفاً.

 

وهذا الذي حذر منه رسول الله (صلى الله عليه وآله ) نعيشه في العراق حرفياً حيث أبلغ السيد رئيس الوزراء هيئة النزاهة بعدم جواز محاسبة أي وزير من حكومته أو الحكومة السابقة إلا بعد مراجعته ليرى إن كان من الكتل السياسية التي يخشى سطوتها وله مصالح معها فأنه يحميه أو من غيرها فيقيم عليه الحد .

 

فإلى الله المشتكى وعليه المعول في الشدة والرخاء ( وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) (الرعد:31).

 

محمد اليعقوبي

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

(1) من حديث سماحة اية الله العظمى الشيخ اليعقوبي مع وفد ضّم مسؤولين وموظفين في مديرية توزيع المشتقات النفطية في بابل يوم السبت 15/ج2/1428هـ المصادف 30/6/2007م