انتم في امتحان دائم فأحسنوا العمل
بسم الله الرحمن الرحيم
انتم في امتحان دائم فأحسنوا العمل([1])
ما دام الإنسان في هذه الدنيا فهو في امتحان وابتلاء قال تعالى(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فالابتلاء سنة ثابتة من السنن الالهية، ولا يفهم منها معنى القهر وإظهار الغلبة والانتقام، فإن الله تعالى غني عن ذلك، وإنما أجرى هذه السنة لمصلحة العباد، واضرب لكم مثلاً من الحياة الاكاديمية فإن السنة الدراسية تشتمل على امتحانات متنوعة من أولها إلى آخرها، ومهما اشكل بعض التربويين وعلماء النفس على الامتحانات وتأثيرها على نفسية الطالب، وإنها ليست معبّراً حقيقياً عن مستويات الطلبة، إلا أن هذا الاجراء هو لمصلحة الطالب من أكثر من جهة:
- إن الامتحان يميّز مستويات الطلبة ويبين استحقاق كل طالب ليكرّم الناجح ويُبعد الفاشل ويأخذ كل ذي حق حقه.
2. أنه يحفز الطلبة على القراءة والمراجعة، ولو خلت الدراسة من الامتحانات فإن النادر من الطلبة سيبذل جهداً لمراجعة دروسه واستيعابها حباً للعلم لا أكثر.
وهذا الابتلاء الذي يجري على الانسان في هذه الدنيا فإنه لمصلحته لكي يثاب المحسن على إحسانه ويعاقب المسيء على اسائته، وليلتزم الناس بالحقوق والواجبات، ولو شعر الناس بأنه لا ثواب ولا عقاب ينتظرهم لانتشر الظلم والعدوان والفساد، ولعمَّ اليأس الحياة.
وكما أن الدروس تتفاوت في ثقل احتسابها لإخراج المعدل العام للدروس ـ وهذا يعرفه طلبة الجامعات ـ أو تفاوت الاسئلة في الدرجات الموضوعة بإزائها فسؤال عليه درجة كاملة، وآخر فرع بمثابة نصف سؤال وآخر أقل منه، فكذلك الابتلاءات التي يمر بها الانسان متفاوتة الدرجات والتأثير في ميزان الاعمال، فقد ورد في الحديث الشريف (إن الصبر على المصائب بثلاثمائة درجة، والصبر على الحرام بستمائة درجة، والصبر على الطاعة بتسعمائة درجة) فهذه الامور كلها تحتاج إلى الصبر لكن درجات الصبر متفاوتة فالصبر على الطاعة ـ كالقيام من النوم اللذيذ الدافئ في الشتاء لأداء صلاة الصبح، وكبذل المال وفراق الأحبة وتحمل أعباء السفر لأداء الحج ـ أعلى من الصبر على الحرام ـ كمن تعرض له امرأة متبرجة فيصرف نظره عنها أو الذي يعرض له مال مغري إلا أنه من طريق غير مشروع فلا يمدُّ يده إليه ـ وهذا أعلى من الصبر على النوائب كفقد عزيز.
وكما أن الامتحانات في الدراسة الاكاديمية على نوعين، فبعضها ثابتة معلومة مسبقاً ومحدّدة المواعيد كالامتحانات الفصلية والنهائية، وبعضها يفاجئ الأستاذ بها الطالب من دون إشعار مسبق كالامتحانات اليومية ليكشف عن الاستعداد المتواصل والتحضير اليومي، ولا يعذر الطالب فيه أن يقول: لا أعلم بموعده وأنني لو علمت لحضّرت له، لأن وظيفته التحضير باستمرار والاستعداد لمثل هذه الامتحانات فكذلك الامتحانات التي تمر بالإنسان في الحياة الدنيا ويراد منه تأديتها بنجاح على نوعين:
فبعضها ثابتة معلومة كالصلوات اليومية وصوم شهر رمضان والحج عند الاستطاعة وحرمة الخمر والزنا ووجوب بر الوالدين ونحوها.
وبعضها تعرض له وتتهيأ فرصتها أمامه امتحاناً له، قال تعالى(إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ)(القمر27)، فإن أحسن استغلال الفرصة فقد أصاب الخير وأدركته الرحمة، وإلا فقد ضاعت عليه الفرصة وإضاعتها غصّة، كما لو قصده صاحب حاجة وهو يقدر على قضائها ولو بالتعاطف مع صاحب الحاجة والتفاعل مع قضيته، وكالشاب الذي يتعرض لغواية امرأة متبرجة فيتركها خوفاً من الله وحباً وطاعة لله تبارك وتعالى فهذه كلها امتحانات عارضة له.
وكما أن بعض الامتحانات في الدراسة الاكاديمية ذات أنماط معروفة متداولة كالامتحانات التحريرية والشفهية، وبعضها لا يشعربها الطالب وإنما يحدّد معايير التقييم فيها المدرّس البصير كمشاركاته في المناقشات خلا ل الدرس ونوعية اسئلته وإشكالاته وهكذا، فإن من الامتحانات في هذه الدنيا ما تخفى على صاحبها، ولكنها لا تخفى على الله تبارك وتعالى (فإن الناقد بصير) كما ورد في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)، وشبّهت بعض الاحاديث خفاء الشرك في النفس بأنه أخفى من دبيب النملة بين الصخور في الليلة الظلماء، ويوم تبدو السرائر وتنكشف الحقائق سيتفاجأ الانسان مما يجده في كتابه الذي لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وهذه الامتحانات هي الأخطر لعدم الالتفات إليها إلا ممن بصّره الله تبارك وتعالى.
وقد ورد ذكر الفتنة والابتلاء التي هي بمعنى الامتحان في آيات كريمة وروايات شريفة كثيرة كما ورد نفس لفظ الامتحان في كثير من الموارد، نذكر واحداً منها لالفات النظر إلى أننا فعلاً في امتحان مستمر أولاً ومنوّع في أشكاله ثانياً، ومتفاوت في درجاته ثالثاً.
في الخصال بسنده عن جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) قال ( امتحنوا شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها، وعند اسرارهم كيف حفظهم لها عند عدوّنا، وإلى اموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها)
وإزاء هذه الامتحانات فإن وظيفتكم هو إحسان العمل وإتقانه والاتيان به على وجهه، فإن الله تعالى لا ينظر إلى كثرة الأعمال بل إلى حسنها كما في الاية التي أوردنا في بداية الكلمة (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) وليس أكثر ولا أي شيء آخر، وأمامكم الآن ـ وانتم على ابواب العطلة الصيفية فرص للعمل فاغتنموها، لأن الشباب منتظرون لعودتكم إليهم حتى تقيموا لهم الدورات الصيفية لتعلموهم فيها الفقه والقرآن والاخلاق والعقائد وسيرة اهل البيت(عليهم السلام) وهي تتزامن مع هذه الاشهر المباركة (رجب وشعبان ورمضان) مما يزيد الحافز إلى العمل ويوجب عظيم الاجر.
وعندكم الكثير من المساجد والحسينيات المعطلة فالفرصة متاحة لإعمارها بصلوات الجماعة والشعائر الدينية ومجالس الوعظ والارشاد، وفي المجتمع انحرافا ت ومفاسد وتقصيرات يراد منكم ان تعالجوها وتصلحوا أحوال الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وتوجد بينهم نزاعات ومشاكل تستطيعون التوسط لحلّها والإصلاح بين المتخاصمين، ومن الناس من هم أصحاب حوائج يطلبون مساعدتكم بما تقدرون عليه فهذه كلها امتحانات تمر بكم ليبلوكم الله تعالى كيف تتصرفوا إزاءها، وهكذا كل الشرائح في المجتمع لها امتحاناتها، فالشباب ممتحن بوالدين يراد منه البر بهما والإحسان إليهما بأقصى الدرجات، وممتحن بشهوات تعرض له والمطلوب منها اجتنابها، وهكذا.
ونؤكد ما قلناه سابقاً من أن هذه الامتحانات ليست لقهر الإنسان وإثبات الغلبة عليه وإفشاله والانتقام منه، بل هي لإعطائه المزيد من الكرامات والألطاف الإلهية وإظهار جدارته واستحقاقه لها.
وقد عرضت عليكم فرصة ثمينة لعمل الخير مع بساطتها، وهي أن يقوم كل واحد بتعميم رسالة قصيرة على من يحتفظ بأرقام هواتفهم المحمولة ويوصيهم بتعميمها تتضمن الرسالة القصيرة تعليم مسألة شرعية أو موعظة أو إرشاد إلى عمل الخير كالتنبيه على زمن شريف قريب ـ كالأول من رجب، والنصف منه، والمبعث الشريف او آخرآيام من رجب ـ والأعمال الواردة فيه ليستعد لها ولا تفوته بسبب الغفلة عنها، أو تتضمن الرسالة مسألة شرعية غير ملتفت إليها فيتورط فيها الناس ـ كحرمة الزواج بأخت وبنت من لاط به آخرعلى اللائط ، أو حرمة الزواج بامرأة لم تطلق بشكلٍ صحيح ـ فإن الالتفات إلى مثل هذه المسائل لاحقاً يوقع الزوجين في الحرج وهكذا.
أو يبعث بموعظة قصيرة توقظه وتحيي قلبه من الأحاديث الشريفة المباركة المؤثرة في النفوس، كأن يبعث على الشباب المبتلين بالنظر إلى النساء الأجنبيات قوله (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركها لله تعالى أبدله نوراً يجد حلاوته في قلبه) فلعل شاباً يتأمل بهذه الكلمات فيستحقر هذه النظرة ويتركها لاكتساب ذلك النور الإلهي .
والخلاصة أن الإنسان المؤمن الواعي الراغب بالكمال عليه أن يكون ملتفتاً دائماً إلى أن كل ما يجري له ويتعرض إليه هو امتحان له وعليه أن يحسن في اتخاذ التصرف المناسب بأزائه وان ينتهز فرص الخير بلطف الله تبارك وتعالى.