القران الكريم يخفف آلام العاملين الرساليين

| |عدد القراءات : 2033
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القران الكريم يخفف آلام العاملين الرساليين ([1])

  من السنن الجارية في الأمم عبر التاريخ تعرّض المصلحين والعاملين الرساليين وعلى رأسهم الأنبياء والرسل والأئمة المعصومون (صلوات الله عليهم أجمعين) إلى الإيذاء المادي والمعنوي من قبل المتسلطين والطواغيت وأصحاب النفوذ (الذين يسميهم القران بالملأ) وأتباعهم من الجهلة والمنتفعين والغوغاء {مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قبلك}فصلت43 {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كثيراً}آل عمران186، ويبدي الله تبارك وتعالى على لسان أوليائه الحسرة والألم والتفجّع لهذا الموقف السلبي {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون }يس30.

 

ويحكي القران الكريم فصولاً عديدة من هذه المواجهة تضمنت أقسى الوان البطش والقسوة والانحطاط من قبل المعسكر الآخر وأسمى ألوان الصبر والمصابرة والجهاد والرحمة والشفقة من أولياء الله وعباده الصالحين، ورغم ان الإيذاء المادي المشتمل على القتل والتشريد والتعذيب الجسدي والسجن والتجويع وغيرها كان قاسيا الا ان ما يؤلم الصالحين أكثر هو الإيذاء المعنوي بالإعراض عن الاستماع إلى الحق وإتباعه وخلط الأوراق على الناس بالافتراء والكذب وقتل الشخصية بالتسقيط والتشويه لان الثاني هو الذي يحول دون نجاح مشروعهم الرسالي ويضع الحواجز بينهم _أي المصلحين_ وبين الناس فيؤلمهم ابتعاد الناس وعدم اهتدائهم إلى الحق وتنعّمهم بالرحمة التي جاؤوهم بها من ربهم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107، اما الأول فانه يؤدي إلى التعاطف معه والالتفاف إليه واعتناق مبادئه ولو بعد حين للشعور بمظلوميته.

 

ومما يزيد في شدة وطأة الإيذاء المعنوي ان أتباع نفس الرسل والمصلحين يساهمون فيه عن علم وعمد او عن جهل وغرور وأنانية بسوء تصرفهم وبعصيانهم وعدم الالتزام بتعاليم قادتهم وبضعفهم وتشتتهم والخلافات بينهم ونحوها، بينما لا يتوقع صدور النوع الأول من الأتباع والموالين.

 

وكان الإيذاء المعنوي أشد على قلب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الذي وصفه الله تبارك وتعالى  {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128، لذا كان ربّه الكريم الرحيم يسلّي قلبه ويخفف عن آلامه ويطيّب خاطره  {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ}النحل127، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}الحجر97-99.

 

بل ان سوراً كاملة نزلت لهذا الغرض كسورتي القصص ويوسف (عليه السلام)، فالأولى تصف حالة الاستضعاف التي كان عليها قوم موسى (عليه السلام) حيث كان فرعون يقتل ابناءهم ويستحيي نساءهم وفي ذلك البلاء العظيم ولد موسى (ع) فكان من لطف الله به وتدبيره له أن يأخذه فرعون الطاغية نفسه ويرعاه حتى أصبح رجلاً رافضاً لما عليه فرعون وقومه ثم غادر مصر خوفاً من القتل حتى ورد ماء مدين وتزوج هناك ثم عاد نبياً رسولاً كليماً لله تبارك وتعالى بمعجزة عظيمة يدعو فرعون الى عبادة الله تبارك وتعالى واستطاع أن يهدي بمعاجزه سحرة فرعون وآمن به من آمن حتى عبّأ له فرعون من الجيوش ما لا قبل لموسى والمؤمنين بهم ففلق الله تبارك وتعالى لموسى البحر وأنجاه ومن معه وأغرق فرعون وجنوده لينتصر موسى (ع) ويقيم الحق والعدل وقد عبّر الله تبارك وتعالى عن هذا التدبير بتعبير رقيق  {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}طه39، أي لتُصنع هذه القيادة الفذة برعاية وتدبير مباشرين من الله تبارك وتعالى،وفي نهايتها تصل السورة الى الهدف وهو تطييب قلب رسول الله (صلى الله عليه واله) والتخفيف عن آلامه التي اشتدت في السنين الأخيرة من وجوده المبارك في مكة حيث حوصر ثلاث سنين في الشعب حتى فقد ناصريه خديجة وأبا طالب ثم أُمِر بالهجرة ومغادرة مكة التي تعلق بها قلبه فوعده الله تبارك وتعالى بأنه عائدٌ إليها {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}القصص85،وما مرت إلا ثمان سنوات _وهي ليست كثيرة في عمر الزمن_ حتى تحقق الوعد الإلهي بفتح مكة.

 

وتتحدث سورة يوسف عن ذلك الغلام الصغير الذي حسده أخوته فالقوه في الجب ليهلك ولم يكن هناك أمل بنجاته لكن التدبير الإلهي أتاه بقافلة لتستقي فخرج مع الدلو وباعوه في مصر إلى عزيزها الذي رباه واعتنى به ثم قرّبه لما وجد عنده علماً وحكمة وتدبيراً وأمانة وصار بيد النبي الكريم مقاليد أمور الولاية بعد وفاة عزيزها وجاء نفس أخوته الذين كادوا له معترفين بجريمتهم طالبين العفو والصفح فتعامل معهم بسمو الأخلاق.

 

هكذا يلطف الله تعالى بعباده وهكذا يصنع أولياءه ويدبّر شؤونهم، وهكذا يخيب كيد الباغين والحاسدين والمنافقين والكافرين {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}فاطر43.

 

إن ما يمرّ بنا اليوم من بلاء وما مرّ بنا أيام صدام وغيره من الطواغيت لا يستحق أن يذكر في جنب ما أصاب أولياء الله الصالحين في الأمم السالفة حيث ورد في الروايات أنهم نشروا بالمناشير وقرضوا بالمقاريض وحفرت لهم أخاديد النار والقوا فيها فقضوا حرقاً (سورة البروج) والمتوقع من المتهالكين على السلطة وحب الدنيا أن يفعلوا ما هو أسوا لولا لطف الله تبارك وتعالى، فخير ما يسليكم ويطمئن قلوبكم وينوّر بصائركم ويثبت أقدامكم هو القران الكريم فاتخذوه قائداً وهادياً. وقد عشت مثل هذه التجربة مع القرآن ولا زلت أعيش لذة الأيام التي قضيتها في كنفه في ثمانينات القرن الماضي حينما كنت حبيساً في الدار لا ادري في أي لحظة يقبض عليَّ الطغاة ويعدمونني الحياة.

 

وإن([2]) مما يخفّف الآلام والمصاعب ويدفعنا الى بذل المزيد من الجهود هو أن نلتفت الى النعمة التي منحنا الله تبارك وتعالى إياها في هذا الزمن حيث تتوفر أعظم فرصة لبناء المستقبل الزاهر لامتنا وننفض غبار السبات الذي أصابها منذ أكثر من ألف عام، ونمهّد لدولة الحق والعدل ببناء أنفسنا ومجتمعنا ومؤسساتنا على أسس الإخلاص والتقوى والعمل الصالح بعيداً عن المتصارعين على الدنيا الفانية الزائلة.

 

لقد كان أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) يتسابقون الى الموت فرحين مسرورين لان الإمام (عليه السلام) كشف لهم عن بصائرهم فرأوا منازلهم في الجنة أي رأوا نتائج تضحياتهم والمستقبل العظيم لما يقومون به فصغُر في أعينهم ما يلاقون من ألم الجراح وهذا التفسير منسجم مع ما نعتقده من تجسّم الأعمال.

 

وإذا كانت تلك التضحيات لابقاء الحياة وجذوة الضمير في جسد الأمة فان تضحيات اليوم ستؤدي إلى بعثها من جديد وحركتها نحو بناء دولة الحق والعدل.

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

([1] ) من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع وفد مؤسسة الأنوار الثقافية في منطقة المعامل ببغداد يوم 15/ربيع الثاني/1428 المصادف 3/5/2007 جواباً على شكواهم مما يتعرضون له من عدوان وتسقيط وحرمان من أبسط الحقوق من قبل اخوانهم المتسلطين في كتلة الائتلاف العراقي الموحد.

 

([2]) من هنا الى نهاية الخطاب ورد في حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع وفد جامعة الصدر الدينية/ فرع كربلاء في تلك الفترة.