حوارات سياسية (في الذكرى الخامسة لسقوط صدام المقبور)

| |عدد القراءات : 4476
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 حوارات سياسية

 

في الذكرى الخامسة لسقوط صدام المقبور

 أجرت قناة الحرة لقاءاً مع سماحة الشيخ اليعقوبي في الذكرى الخامسة لسقوط صدام، وقام بالحوار مقدّم البرامج المعروف فيها سالم مشكور.[1]

المطلوب تغيير الظلم وليس الظالم فقط.

 

مشكور: ماذا شكل 9/نيسان/2003 بالنسبة للأوساط العلمائية والمرجعية والحوزة الدينية؟

 

سماحة الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم: من وظائف العلماء رفض الظلم والسعي لتغييره وقد كان صدام يمثل حالة سيئة بل ربما النموذج الأسوأ من الظلم، وقد سعى العلماء بمقدار ما يستطيعون لإزالة هذه الحالة وقدّموا شهداء كراماً وتضحيات جليلة على هذا الطريق وهم طبعاً لهم آلياتهم ووسائلهم وأهدافهم المناسبة لهم والتي تختلف في تفاصيلها مع من غيَّر، وان اشتركوا في أصل فكرة التغيير، ومن نقاط الاختلاف ان العلماء يريدون تغيير الظلم الى العدل والأنصاف والمساواة وحرية وكرامة الانسان، اأما الآخرون فيكتفون بتغيير الظالم وهذا غير مجدٍ من وجهة نظرنا، فاذا أردنا أن نقيّم التغيير الذي حصل في 9/4 فلابد أن ننظر إليه من هذا المعيار وهل انه حصل تغيير للظالم الى ظالم آخر أم انه تغيير للظلم.

 

الشيء الذي تحقق هو الأمل لغدٍ أفضل.

 

 مشكور: على أساس هذا المعيار هل تعتبرون أنّ ما حدث هو تغيير للظلم ونهايته أم حلّ ظلم جديد؟

 

سماحة الشيخ: أنا هنا أتحدث كمواطن عراقي، والعراقيون لا يشعرون بأن شيئاً من الظلم قد تغيّر بدرجة ملحوظة، وأن كثيراً من المظالم والتقصيرات التي أوجبت رفض نظام صدام والوقوف في وجهه كُرِّست في النظام الحالي، مثل تقريب العشيرة وأبناء المدينة والحزب وإعطائهم المناصب العليا على حساب الكفاءة والنزاهة والوطنية ومثل الاستئثار بثروات الشعب وحرمانه من حقوقه في حياة حرة كريمة ومثل اعتقال الابرياء[2] وقتل الآمنين بجريرة غيرهم.

 

نعم الشيء الحسن الذي تحقق هو الأمل بغدٍ أفضل اما في عهد صدام فلم يكن هناك أمل وكان المصير مظلماً.

 

موقف المرجعية أبان الغزو عام 2003

 

*مشكور: ما هو شعور الأوساط المرجعية والعلمائية عندما اطيح بالنظام السابق.

 

سماحة الشيخ: كانت الفرحة الكبيرة بزوال الطاغوت مشوبه بالقلق من احتمال ان تكون الفوضى هي البديل عن صدام والمعروف عند العقلاء ان وجود حكومة تؤدي وظائفها وإن كانت ظالمة أفضل من الفوضى اما الظلم فيتم التعاطي معه بشكل من الاشكال وهذا القلق حصل عندي من خلال متابعتي لنشرات الاخبار والتحليلات السياسية من الاذاعات المهمة خصوصاً BBC ولم أجد عند الاحزاب والشخصيات العراقية المعارضة حينئذٍ أي برامج أو خطط لبناء عراق ما بعد صدام وكان كل نقاشاتهم عن المحاصصة وتقاسم السلطة والثروات مما يعني الكثير من الصراع والعنف والتقاتل وتغليب منطق القوة ، وهذا ما نشهده اليوم تحت اسم الديمقراطية، ولكن هذا القلق لم يكن مبرراً للوقوف في وجه التغيير، لأن الوقوف في وجه الغزو والاحتلال يصبّ في مصلحة صدام وإطالة عمره وهذا ما لا يرضاه منصف، إضافة الى اننا لا نملك الوسائل الكافية للوقوف في وجه الغزو وتحويل المعادلة الى صالحنا وتجربتنا في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 مؤلمة وقاسية حينما غدرت قوات الحلفاء بالشعب العراقي،

 

 لذا كان الموقف الذي تبنيناه ووجهنا به من يرجعون الينا هو الوقوف على الحياد في تلك المعركة لعدم وجود مصلحة في التخندق مع أي من الطرفين المتصارعين. فالاحجى هو حفظ المسلمين ومصالحهم وعدم زجّهم في مثل هذه المعركة.

 

في مقابل ذلك كان هناك موقفان:

 

الأول: هو استثمار الاندفاع الامريكي نحو التغيير وهذا موقف الاحزاب والشخصيات التي كانت في خارج العراق وذهب بعضهم الى الانضمام الى المشروع الامريكي بدعوى إمكان التوسل بالشيطان لازالة صدام من باب الفاسد والأفسد .

 

الثاني: هو مواجهة قوات الاحتلال لانها تستهدف بلداً مسلماً فيجب الدفاع عن بلاد الاسلام وان كان هذا البلد فريسة في يد صدام، وهذا الموقف كانت تريده حكومة صدام من الشعب واقامت مؤتمرات للعلماء والمرجعيات الدينية لاصدار فتاوى بهذا المضمون، وقد تلى عدد من ممثلي المراجع بياناً بهذا المعنى في احد المؤتمرات الذي اقيم في احدى قاعات الروضة الحيدرية الشريفة في النجف الاشرف قبيل الغزو وقد امتنعتُ عن التجاوب مع مطلب الحكومة رغم ان من أصدر مثل هذا الموقف بررّه بالاكراه، لكنني اعتقد ان هذا الاكراه غير واضح لكل الناس وبالتالي سيندفع قسم منهم-مهما قل عدده- لمواجهة الغزو وخصوصاً مع الثقافة المتركزة في أذهان المسلمين التي تقضي بالدفاع ضد أي غزو كافر لبلاد المسلمين وحينئذ نتحمل مسؤولية دماء هؤلاء الناس.

 

لكن الذي هوّن الخطب ان اكثر المتدينين كانوا يرجعون الينا يومئذ في المواقف الاجتماعية العامة ويأخذون بتوجيهاتنا وان كان تقليدهم في الفتاوى لمراجع آخرين وتصاعدت الثقة بيننا منذ أن تعنّيت قيادة الحركة الاسلامية في داخل العراق بنا بعد استشهاد استاذنا السيد محمد الصدر(قده) في شباط /1999 ولما لمسوه من النشاط الواسع والشجاعة في أتخاذ المواقف والأخلاص في العمل . لذا فقد عمّ هذا الموقف كل طبقات الشعب والتزموا به ورجع اليه بعض العلماء الذين تبنّوا جهاد الغزاة أولاً كالسيد كاظم الحائري (دام ظله الشريف) على ما تناهى الى سمعي يومئذ ويمكن مراجعة بياناته.

 

ويبدو ان قوات الحلفاء اكتشفت ان هذا الموقف الموحّد لم يأتِ جزافاً فقد نقل لي بعض الفضلاء الذين أقاموا في مدرسة البغدادي التي هي مقر جامعة الصدر الدينية طيلة أيام المعارك للحفاظ عليها أنّ الامريكان لما دخلوا النجف سألوهم عن كيفية تحقيق مثل هذا الموقف الموحّد للعراقيين الذي ساهم بشكل أكيد في التعجيل بنهاية صدام من دون مؤونة تذكر، وبنفس الوقت لم ننصر الغزاة او نؤيد مشروعهم.

 

واكشف هنا لأول مرة ان الحلفاء طلبوا مني مثل هذا التعاون قبل بدء العمليات بشهرين تقريبا فقد جاءني أحد الفضلاء ومعه شخص من أهل العمارة كان له ارتباط مع زعيم احدى الجماعات المسلحة التي تقاتل النظام في الاهوار واصبح عضواً في مجلس الحكم ونقل رسالة بهذا المعنى من الجنرال جون أبي زيد الذي عرفت فيما بعد أنه قائد القوات الامريكية في المنطقة الوسطى التي تشمل العراق وافغانستان وغيرها من دول المنطقة، لكنني اغلقت الموضوع معهما للموقف الذي اتبنّاه وهو الحياد ولأن النظام كان قاسياً في التعاطي مع من يعلم بمثل هذه الأمور ولا يخبر عنها بتهمة (التستّر) فضلاً عمن يشارك فيها، وانا كنت بحكم موقعي الاجتماعي ونشاطي مرصوداً بشكل مكثف من جلاوزة النظام..

 

 

 

توجهات المرجعية قبل بدء الحرب واثناءها.

 

·   مشكور: المعروف عن الكثير من الشعب العراقي انهم متدينون وشديدو الارتباط بتعليمات وتوجيهات المرجعيات الدينية، فهل كان لها دور في ذلك الوقت لمنع الفوضى. أم أنها بقيت محتاطة بانتظار ما ستنجلي عنه؟

 

سماحة الشيخ: انا اتحدث عن موقفي وانا بفضل الله تبارك وتعالى انتمي الى الاتجاه الحركي العامل من الحوزة العلمية ومن وظائفها عدم السكوت عن أي قول أو فعل فيه حفظ الدين وعزتّه وصلاح العباد والبلاد، وبعد استشهاد السيد الصدر الثاني (قده) فقد تحملنا اعباء توجيه الحركة الاسلامية في داخل العراق، فكان لزاما علينا النزول بشجاعة وبحكمة الى ساحة العمل الميداني، ومنذ أن بدأت ارهاصات غزو الحلفاء للعراق بدأتُ باصدار التوجيهات ومنها بيان مفصل بعنوان (الاستماع الى نشرات الاخبار في اوقات الازمات) حيث اوضحت فيه كيفية التصرف ازاء الحشد الاعلامي عن العراق ومحاولة وسائل الاعلام صناعة الاراء لدى العراقيين بالشكل الذي تريده الجهات التي تقف وراءها، وتعرضت فيه ايضاً الى كيفية التعاطي مع شحة المواد الغذائية والتكافل الاجتماعي وغيره. وهذه التوجيهات كانت قبل بدء الهجوم بشهرين تقريباً وصدر بيان[3] من عشر نقاط يوم 6/4/2003 عندما بدأ صدام يترنح تحت ضربات قوات الاحتلال فيه توجيهات عامة حول ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة والمال العام لأنها ملك للشعب لا لصدام وحرمة العمليات الانتقامية وتصفية الحسابات وتصدّي الخطباء والمثقفين لتوعية المجتمع ونصحهم بعدم الانسياق وراء الشعارات البراقة والمشاريع التي كانت تطلقها الاحزاب والشخصيات السياسية القادمة من الخارج لانهم فارقونا منذ أكثر من عشرين عاماً ولا نعلم بالدقة وضعهم الحالي حتى يحصل الاطمئنان بأجنداتهم..

 

 

 

العلاقة التكاملية بين عراقيي الداخل والخارج

 

*مشكور: تطرقتم الى موضوع الكيانات القادمة من الخارج وهو ما يؤشره البعض على سماحة الشيخ اليعقوبي من أنه يميّز بين عراقيي الداخل والخارج ويرى ان عراقيي الداخل هم الافضل وان القادمين من الخارج لا دراية لهم بحيث تركوا اثراً سلبياً فهل هذا صحيح.

 

سماحة الشيخ: سمعت كثيراً من الكلمات التي حاولت تحريف كلامي وعرضه بالشكل الذي يستفز اخواننا الذين عاشوا معاناة الغربة والتهجير ، وهذا ضمن حملة بعض الحاسدين والمنافقين لتشويه صورتي، وانطلت الكلمات على البعض ممن لم يقرأوا خطابي وكلامي حتى يعرفوا حقيقته، وبالمناسبة فان المصطلح لم اصنعه أنا وانما هو متداول على وسائل الاعلام منذ وقت واراد به بعض المغرضين اهدافاً سياسية معينة كالتحريض على الكيانات المهيمنة على السلطة: فاردت تهذيب المصطلح وفضح هذه النوايا السيئة ووضع اصبع التشخيص على حالة خطيرة في المجتمع كانت احد اسباب العنف والفجوة بين الحكومة والشعب وهي : ان السياسيين القادمين من الخارج يرون الذين بقوا في داخل العراق جهلة ومتخلفين حرمهم صدام من كل اسباب التقدم والتحضّر وانهم بعثيون صداميون بدليل بقائهم احياء لم يملأ بهم صدام المقابر الجماعية ، وهم يعلمون ان هذا افتراء باطل ولكنهم يريدون ان يبرروا لأنفسهم الاستئثار بالسلطة وحرمان الشعب من حقوقه وان ينفردوا هم بخيرات البلاد،

 

 فأردت ان اقول ان العراق لا يستقر ولا يتقدم الا بالعمل التكاملي ين من قدموا من الخارج ومن عاشوا المحنة في الداخل وصبروا وقدموا التضحيات من أجل ان يحفظوا هوية العراق وخصائص شعبه وإدامة الجهاد ضد الطاغوت، وان لدى عراقيي الداخل الكثير من الخبرات والمهارات التي لا يمكن التفريط بها وهم أعرف بالأحوال التي مرّت على شعبهم والتغيرات التي طرأت عليهم، اما السياسيون الذين قدموا من الخارج فانهم عاشوا انفصالاً امتد اكثر من عقدين .

 

 والى الآن - وهذا ما أقوله بمرارة-لا يحس الشعب من أغلبهم انتماءاً الى بلدهم واصطفافاً مع معاناة شعبهم وكل الذي يفهمونه من العراق انه بقرة حلوب يتسابقون على استلاب خيراته.

 

دور المرجعية في منع الفوضى وسرقة المال العام

 

مشكور: هل كان دور للعلماء في منع عمليات السلب والنهب التي حدثت ولماذا حصلت هذه الممارسات الشعبية؟

 

سماحة الشيخ: ليس كل عمليات السلب والتخريب كانت ممارسات شعبية بل ان بعضها كان عبارة عن عملية منظمة لتخريب حضارة العراق وسرقة ممتلكاته الثمينة قامت بها جهات مدرّبة كانت تتربص اللحظة المناسبة:

 

اما ما قام به العامة فله اكثر من سبب

 

1-       ثقافة متركزة في اذهانهم ان الاموال العامة هي ملك السلطة الحاكمة وبالتالي فهم يرون أن شكلاً من اشكال الصراع مع الحكومة يكون بسرقة المال العام او تخريبه ولم يشعر المواطن يوماً ان المال العام هو للدولة وليس للحكومة والدولة بكل مؤسساتها ملك الشعب، وشعوره هذا ناشئ من طول حرمانه من حقوقه المستمر مع الاسف الى الآن.

 

2-       تخلي صنّاع القرار في الأمة عن دورهم في توجيه الناس وردعهم عن الممارسات السيئة، لذا لما صدرت جهات من المرجعية الدينية بحرمة سرقة المال العام أظهر الشعب طاعة تامة و أعادوا ما أخذوه الى مؤسسات الدولة أما الذين لم يطيعوا المرجعية فهم السياسيون الذين استمروا بفسادهم وسرقة اموال الشعب رغم ان بعضهم يتاجر باسم المرجعية.

 

مسؤوليات ما بعد السقوط:

 

*مشكور: بعد 9/4 هل اصبح على الحوزة العلمية وعلى المرجعيات الدينية مسؤولية جديدة أو دور آخر يمكن أن يؤدوه؟

 

سماحة الشيخ: العلماء لا يتخلّون عن وظائفهم بأي حال من الاحوال، نعم قد تتسع وقد تضيق فرص ممارسة دورهم في حياة الأمة، ومنها العمل السياسي الذي نفهمه على أنه رعاية المصالح العامة للأمة والبلاد وليس الصراع على السلطة بأي ثمن، وهذه الوظيفة قام بها النبي والأئمة (صلوات الله عليه) والعلماء على اختلافٍ في المساحة المتاحة، وبالنسبة للمرجعية في النجف فقد اتيحت لها فرصة اوسع للتأثير في العملية السياسية بعد سقوط صدام لزوال المانع.

 

العلماء والعمل السياسي:

 

مشكور ما هي حدود تدخل عالم الدين في المواضيع السياسية.

 

سماحة الشيخ: الدين الاسلامي يغطي كل شؤون الحياة حيث ورد في السنة الشريفة (ما من واقعة الا والله فيها حكم) والمجتهد هو القادر على ان يستخرج احكام الوقائع من الادلة الشرعية، فليس غريباً أن ترجع اليه كل شرائح المجتمع لمعرفة حكم الشريعة في مجمل القضايا ومنها المواضيع السياسية بل ان المجتمع لا يعذره اذا سكت عن بيان رأيه في قضية معينة لأنه يتوقع من المرجعية حضورها في كل ما يتعرض له، خصوصاً في العراق فان الشعب متدين ويضبط بوصله تحركاته على احكام الشريعة، لكن هذا لا يعني انخراط العلماء في تفاصيل العمل السياسي لأن في هذا تحجيماً لدورهم و ما العمل السياسي الا لونٌ من الوانه، فالانهماك في العمل السياسي يعني تقصيره في وظائفه الاخرى التي هي أهم منه، اضافة الى انه يجعله جزءاً من حالة محددة والمفروض أن يكون أبا وراعياً للجميع

 

ولا يعني هذا ايضاً الاكتفاء بالمواقف النادرة والعموميات التي لا تسمن ولا تغني من جوع فلابد من المساهمة الفاعلة في تقديم التوجيهات والرؤى والتأثير على السياسيين لتقويم مسيرتهم وتصحيح عملية الانحراف ورفع الظلم والمطالبة بحقوق الشعب،

 

 واذا اعتقدنا بأن المرجعية موقف شريف محاط بالالطاف الالهية بالاخلاص والهمة العالية والعمل الصالح الدؤوب فلا شك انها ستهتدي الى ما لا يهتدي اليه اكثر السياسيين حنكه وخبرة.

 

 وعلى أي حال فالعمل السياسي للمرجعية هو بين هذين الحدين اللذين هما الافراط التفريط.

 

التوظيف السيئ للدين

 

مشكور: ما ذكرتم يتعلق بالمرجعيات وكبار علماء الدين، فماذا عن رجال الدين عموماً وممارستهم للعمل السياسي؟

 

سماحة الشيخ: بالنسبة لي فأنا أخيّر من يرغب بالتفرغ للعمل السياسي بينه وبين الاستمرار بوظائفه الدينية لعدم التمكن من القيام بهما معاً فسيقصّر في احدهما حتماً، ولسريان الاثار السلبية للعمل السياسي على الوظيفة الدينية المقدسة وسيوظّف الدّين لخدمة مصالحه وهذا ما نجده مع الاسف عند بعض السياسيين الذين يؤمّون صلاة الجمعة فانهم يتخذون منبرها المقدس وسيلة للمهاترات وتصفية الحسابات وجرّ النار الى قرصه كما يقولون وهذه خسارة كبرى.

 

فاذا شاء أن يصبح سياسياً فليتفرغ للعمل السياسي حتى وان بقي على زيّه الديني فانه سيصبح كبقية الازياء المتنوعة.

 

مشكور: ان الاعراف جرت على تقديس رجل الدين الذي يلبس الزي الديني حتى لو تخلّى عن وظائفه الدينية فكيف سنحقق الفرز المذكور؟

 

سماحة الشيخ: هذا الفرز سيتم تدريجياً، وانما يحصل الخلط بسبب كون ممارسة رجال الدين للعمل السياسي حاله جديدة على مجتمعنا، واعتقد ان وعي هذه الحالة قد تقدّم في المجتمع ما بين عام 2003 والآن.

 

القداسة المزيفة لبعض رجال الدين

 

 مشكور: هل القدسية التي يمنحها البعض لنفسه ويطالب الآخرين بمراعاتها هل لها من أساس ديني؟

 

سماحة الشيخ: لا اساس لهذه الحالة في الدين بل الموجود هو العكس فقد كان رسول الله (ص) والائمة الطاهرون (عليهم السلام) يجالسون الفقراء والضعفاء والعبيد ويؤاكلونهم، وكان الاعرابي يدخل المسجد فيسأل أيّكم محمد؟ لأن النبي (ص) لم يكن يتميز بين اصحابه بمجلس أو ملبس.

 

لكن بعض رجال الدين يصنعون حولهم هالة وقدسية انسياقاً وراء اهوائهم وانانيتهم في الغرور والتكبر والاستعلاء واستدرار ما في أيدي الناس كالذي كان يفعله سدنة الاصنام و الكهنة وغيرهم وانا ارفض هذه المظاهر وأحرابها وهكذا كان السيد الشهيد الصدر (قده) فقد استنكر بشدة قضية تقبيل اليد ونحوها من المظاهر الزائفة، والمرجع وغيره من العلماء ورجال الدين ليسوا معصومين فليس لهم موقع أعلى من الناس ، قال الله تبارك وتعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وانا اواصل صنع ثقافة لدى المجتمع وهي شهادة الأمة على المرجعية في موازاة شهادة المرجعية على الأمة لأن المرجع ليس معيناً بالنص من السماء وانما وضع المشرّع شروطاً وصفات لمن يستحق هذا الموقع الشريف فمن توفرت فيه رجعت اليه الأمة والا تركته الى غيره ممن يجمعها.

 

ولكن تبقى في المجتمع طبقة ساذجة جاهلة تنطلي عليها الألاعيب وهذه الحالة مزمنة عبر التاريخ، وقد كان أحد أهداف الانبياء والرسل والمصلحين فضح المتاجرين باسم الدين والذين يمارسون القيمومة على عقول الناس وحرياتهم ويستغلونهم أسوأ استغلال طاعة الناس للمرجعية.

 

مشكور: هل يمكن القول ان الناس لم تعد تسمع الى المراجع ولا تتبع توجيهاتهم؟

 

سماحة الشيخ: لا اتوقع هذا فشعبنا متدين ومن لوازم تدّينه اتباع مرجعيته بحسب ما أمر به الأئمة المعصومون (سلام الله عليهم) لان اتباع غير المجتهد الجامع لشروط الافتاء والولاية لا يزيد الانسان الا ضلالاً وبعداً عن الحق.

 

نعم الذي نتوقعه زيادة الوعي لدى المجتمع خصوصاً المثقفين والمفكرين والشباب الواعين فيحسنون اختيارهم للمرجعية وفق المعايير الصحيحة والله الهادي الى الحق.

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

[1] اجري اللقاء بتاريخ 27/ع1/1429 المصادف 4/4/2008 وعرض مساء 2/ع2 الموافق 1/5/2008.

 

[2] أعلن القاضي عبد الستار البيرقدار من مجلس القضاء الأعلى يوم 29/4/2008 إن عدد المستفيدين من قرار العفو العام إلى الآن بلغ (50535) ونتساءل هنا إن كانوا هولاء أبرياء فما وجه اعتقال هذا العدد الكبير وقد أمضى عدد منهم سنتين أو أكثر إن كانوا مجرمين وإرهابيين فكيف جاز إطلاق هذا العدد الضخم من القتلة ليفسدوا في الأرض وهل إن الصفقات السياسية مبررا كاف لهذا الفعل

 

[3] هذا البيان وسابقه منشوران في الجزء الأول من كتاب ( ملامح من تاريخ وخطاب القيادة الدينية في العراق الجديد )