في ذكرى أربعينية المصارع الدولي الشهيد إبراهيم حسن

| |عدد القراءات : 2314
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في ذكرى أربعينية المصارع الدولي الشهيد إبراهيم حسن [1]

 

 قال الله تبارك وتعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً، لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً) (الأحزاب :23-24)

 

هذه الآية وان نزلت – كما في الروايات الشريفة – في الحمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب حيث قضى الأول والثاني نحبهما في معركتي أُحُد ومؤتة شهيدين سعيدين وبقي أمير المؤمنين ينتظر الشهادة حتى فاز بها في محراب مسجد الكوفة إلا إن معناها جارٍ في كل الأزمنة ، ففي كل جيل يوجد من يصدق مع الله تبارك وتعالى ويفي بعهده معه سبحانه حتى يختم له ربه بالحسنى ثابتا على ما عاهد الله عليه من دون أن يغير أو يبدل ، والآية وان ذكرت الرجال إلا إنها شاملة للنساء أيضا وذكر الرجال لوجه بلاغي ، قال تعالى (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرا) (النساء :124).

 

هذا العهد الذي أخذه الله تبارك وتعالى على عباده قبل خروجهم إلى الدنيا ليقروا له بالربوبية والالتزام بوظائف العبودية ليحظوا بالمنن والمنح الإلهية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا) (الأعراف: 172) وكانت استجابتهم متفاوتة وبها تفاضل الخلق وأول السابقين رسول الله (ص) فكان أكمل الخلق وأشرفهم ، وكان قبول العهد مع الله تبارك وتعالى باختيار الإنسان وأرادته فقد عرضت عليه خلافة الله تعالى في الأرض كما عرضت على غيره من المخلوقات لكن الجميع لم يتصد لحمل الأمانة لثقلها إلا الإنسان الذي ظلم نفسه حين حمّلها ما لا يجد في نفسه عزما وإرادة صادقة للوفاء بها وكان جهولا بعظمة هذه الأمانة واستحقاقاتها وامتيازاتها (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً )(الأحزاب : 72)

 

ثم تجدد العهد حينما خرج الإنسان إلى هذه الدنيا وبلغ سن المسؤولية والرشد حيث تواترت الأنبياء والرسل والأئمة (سلام الله عليهم ) ليذكروا الناس بذلك الميثاق والعهد فاستجاب (ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ) (الواقعة :13-14)

 

ولست ممن أُوكل إليه حساب الخلق وتحديد مراتبهم ودرجاتهم ، لكن فقيدنا الراحل الشهيد إبراهيم حسن كان من القليل الذين أطاعوا ربهم وتولوا أئمتهم الطاهرين (سلام الله عليهم ) فقد ملأ حياته بإحياء شعائرهم وختمها وهو يخدم زوار أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) ولما فرغ من خدمتهم توجه إلى زيارة سيد الشهداء فاستشهد في الطريق إلى كربلاء حين أنقلب بهم الزورق الذي ينقل الزوار عبر ضفتي دجلة قرب النعمانية وأنقذ أثنين من الزوار لكنه قدم حياته قربانا في سبيل الله تعالى ونجا رفاقه . ومن فرط حبه لأئمته فقد كان يحمل أسماء المعصومين (سلام الله عليهم) على قميصه أثناء مشاركاته في البطولات العالمية.

 

وكان ملتزما بتوجيهات مرجعيته الرسالية الناطقة من لدن السيد الشهيد الصدر (قدس سره) شجاعا بطلا في الدفاع عنها حتى ختم الله له بالحسنى ، مما يغبطه عليه المؤمنون ، وله أن يفخر بشهادة والديه له بأعلى درجات البر بهما وهذه درجة عظيمة عند الله تبارك وتعالى وقد ترك صدقة جارية له ولوالديه بتربيته لعدد غفير من الشباب خصوصا من زملائه الرياضيين حيث بذل جهودا كبيرة في تهذيبهم وتوجيههم وكان يصطحبهم إلى مصلى الجمعة ويقيم معهم مجالس الدعاء والذكر . ولذا ودِّع الشهيد الراحل بعواطف جيّاشة من قبل الكثيرين من ذويه وأقرانه وعارفي فضله وأقيمت له مجالس عزاء عديدة .

 

ولا ننسى حبه لوطنه وجهوده الكبيرة في رفع أسم بلده عاليا من خلال انجازاته الدولية في لعبة المصارعة وكان آخر ما حصل عليه الوسام الفضي في الدورة الرياضية العربية ، لذا نستغرب إهمال السلطات المعنية للاحتفاء بهذه الرموز المبدعة وتكريمها والوفاء بحقها فأنها مصيبة لا تقل ألما عن فجيعتنا بالشهيد الراحل ، ولئن كان الموت خارجا عن الإرادة ولا يمكن دفعه فإن التقصير المذكور غير مبرر وغير مقبول لأنه يقتل روح الإبداع ويضعف الهمة في كل المجالات الإنسانية .

 

رحم الله فقيدنا الراحل وألحقه بأئمته الطاهرين وألهم والديه وذويه ومحبيه الصبر والسلوان وعوض الله تعالى الأمة بأمثاله وإنا لله إنا إليه راجعون .

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

[1] تقرير الكلمة التي تفضل بها سماحة الشيخ اليعقوبي لتأبين الشهيد إبراهيم حسن البطل الدولي في المصارعة الذي مات غرقا وهو متوجه إلى زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) من مدينة الكوت في نهر دجلة قرب النعمانية يوم 15/صفر/1429 المصادف 23/2/2008 وقد  تحدّث بها سماحته أمام والد الشهيد وعمه وإخوانه وزملائه في ذكرى أربعينه يوم 26/ربيع الأول/1429