نوازع الخير والشر كامنة في داخل النفس وتستثيرها العوامل الخارجية

| |عدد القراءات : 2361
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نوازع الخير والشر كامنة في داخل النفس وتستثيرها العوامل الخارجية ([1])

 

 ان وجود القيادة والزعامة الجامعة للشروط في الأمة لا يكفي وحده لإحداث التغيير والإصلاح وبلوغ الأهداف المنشودة ما لم تتحرك وتتحفز نوازع ودوافع الخير لدى الإنسان بداخله، وبالمقابل فإن عوامل الفساد والتخريب الخارجية لا يمكن ان تؤثر اذا لم تجد استجابةً لها من قبل بعض النفوس المريضة المنحرفة.

 

 وهي سنة ثابتة في هذه الخليقة ويضرب القرآن الكريم امثلة لها فامرأتا النبيين العظيمين نوح ولوط (صلوات الله عليهما وعلى نبينا الكريم وعلى جميع الانبياء) اتيحت لهما اعظم فرصة للهداية والاستقامة (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين) ولكنهما لم تستثمرا هذه الفرصة ولم تستفيدا منها (فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) (سورة التحريم آية 10) وبالمقابل امرأة فرعون التي عاشت في بيت الطاغية فرعون الذي يريد ان ينازع الله تبارك وتعالى في الربوبية لكنها استثارت عوامل الصلاح ونوازع الخير في داخلها فاصبحت مثلاً للنجاح (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم 11) وعناصر كلا الاتجاهين موجودةٌ في داخل النفس (وهديناه النجدين) (البلد/10) وهو الذي يغلّب بعضها على بعض بارادته ونوع استجابته للمؤثرات الخارجية قال تبارك وتعالى في الزوجين المتخاصمين (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا) أي الزوجان (إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء /35) فالإنسان بإرادته يستطيع ان يمنح النصر في هذا الصراع الداخلي لأحد المعسكرين.

 

  بالأمس القريب شهدت كربلاء المقدسة إلى جوار الحضرة الحسينية المطهرة وفي أشرف ليلة بعد ليلة القدر هي ليلة النصف من شعبان وأعظم مناسبة هي ذكرى ولادة أمل البشرية الموعود المهدي المنتظر (عج) أحداثاً دامية ذهب ضحيتها (52) شهيداً ومئات الجرحى ستبقى وصمة عار في جبين كل الأطراف الذين خططوا ونفذوا وشاركوا في تلك الأعمال المشينة التي ستقف أمامها الأجيال الآتية مدهوشة عاجزةً عن استيعاب ما حصل.

 

ومهما قيل من اسباب خارجية كالاحتلال وتدخل دول الجوار والصداميين فإنها لا تبرر ما حصل لأن الذين جرت على ايديهم الاحداث هم ممن ينتسبون للتشيع ويدينون بالولاء للإمام الحسين (ع) والامام المهدي (عج) وهذه العوامل الخارجية مهما بالغنا في وصف تأثيرها فانها لا تكون فاعلة اذا لم تجد استجابةًً من النفوس المتبعة للهوى وحب الدنيا والسائرة على غير هدى من الله تبارك وتعالى.

 

وحتى حينما تقدم مشاريع لمعالجة المشاكل التي تعصف بالبشرية وتفتك بها فإنها لا تمس شغاف الحقيقة لأنها لا تهتم ببناء النفوس الصالحة والنوايا الخيرة والضمائر الحيّة ولا ينفع ألف حلٍ من الخارج اذا لم يستند الى عملية تغيير من داخل النفس وهذا ما وجدناه في سيرة الائمة الأطهار (سلام الله عليهم) فإنهم لم يسعوا الى تسلم الحكم بالانقلابات والثورات وغيرها وحتى حينما وصلت اليهم في فترات نادرة لم يعبئوا بها لأن المهم عندهم (عليهم السلام) بناء الانسان الصالح ومن ثم المجتمع الصالح أما تسلم الحكم من دون انشاء هذه القاعدة الرصينة فسيحول الحالة الى صراع على الدنيا والنفوذ و الاستئثار بالثروات وهذا ما نشهده على الساحة السياسية اليوم ويفسر احداث كربلاء الاليمة.

 

ولا اجد جهة اليوم تهتم بهذه الركيزة الاساسية لذا فالمعوَّل عليكم انتم اتباع المرجعية الرشيدة ان تلتفتوا الى هذا النقص الخطير وتقودوا حركة بناء المجتمع الصالح تأسياً بما قام به الأنبياء والمرسلون والأئمة المعصومون (سلام الله عليهم) وقد حضي هذا الخط الشريف بنخبة المجتمع من المثقفين والاكاديميين والمتدينين الواعين المخلصين واعترف الخصم قبل الصديق بهذه الحقيقة والآمال معقودةٌ عليكم.

 

صحيحٌ أن هذا العلاج طويل الأمل ولا يؤتى ثمره في الزمن القريب لكنه هو الطريق الصحيح للوصول الى السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة (وإنما يعجلُ من يخاف الفوت) ولا يخاف الفوت من سار بهذا الطريق على هدى الصالحين ، وان تسبب في تحمل التضحيات والحرمان والاقصاء الذي يمارسه الحاسدون المستأثرون، فإن العاقبة لعباد الله المخلِصين (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص/5)

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

1ـ من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد مدينة الدغارة التابعة لمحافظة القادسية معزين سماحته باستشهاد الشيخ ناظم البديري مدير مكتب جماعة الفضلاء في الديوانية، جرى اللقاء يوم 25/شعبان/1428 المصادف 8/9/2007، والشيخ الشهيد من مواليد عام 1977، حصل على شهادة البكالوريوس من كلية الاداب/ قسم اللغة العربية عام 2000 وعمل مدرساً في الاعدادية. التحق بجامعة الصدر الدينية في الديوانية وانهى السنوات الثلاث المقررة للدراسة فيها وعُيّن مديراً لمكتب جماعة الفضلاء فيها لنشاطه الاجتماعي البارز في الخطابة والقاء المحاضرات والكتابة ومشاركاته في الندوات والمؤتمرات الفكرية، أمّ صلاة الجمعة في مدينة الديوانية، استشهد بوابل من رصاص الغدرة الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم وكان صائماً قبيل الافطار يوم الاربعاء 1 شعبان 1428 المصادف 15/8/2007 وقد كتبنا هذه الخلاصة لسيرته احياءاً لذكراه العطرة.