الفقه والمجتمع (ظاهرة امتناع الآباء عن إرسال أولادهم للتعلم في المدارس)

| |عدد القراءات : 1961
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الفقه والمجتمع

 

ظاهرة امتناع الآباء عن إرسال أولادهم للتعلم في المدارس

 

س1: أغلب العوائل في المجتمع امتنعت في الفترة الأخيرة عن تسجيل أبنائهم الصغار في المدارس وبعضهم أمر أولاده الصغار بتركها بحجة (أن المدرسة والشهادة لا تُفيد) حاكين بذلك سوء أحوالهم المعاشية، فما حكم من يحرم هؤلاء الصغار من التعلم؟ نرجو الجواب تفصيلاً.

 

بسمه تعالى:

 

في الحديث المشهور (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)، ويُراد بالعلم ليس الفقه فقط بل كل علم به قوام حياة المجتمع وحفظ نظامه وإعمار الحياة والأرض (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) فالحديث ينطبق على هذه العلوم التي تعطى في المدارس لأنها في النتيجة توفر للمجتمع الطبيب والمهندس والمعلم وسائر الاختصاصات الضرورية لحفظ كيان المجتمع وتوفير الحياة السعيدة له ولذا أفتى الفقهاء بالوجوب الكفائي لكل مهنة تندرج في هذا العنوان وإذا ضممنا الى هذه الفكرة فكرة أخرى وهي ان كل ما يتوقف على تحقيق الواجب فهو واجب مثله وعلمنا ان توفير هذه الاختصاصات في المجتمع متوقفة على الدخول في المدارس والتدرج في مراحلها كانت نتيجته وجوب الدخول الى المدارس والتدرج في مراحلها والاستفادة من هذه العلوم بنفس الوجوب الذي اشرنا إليه.

 

 

 

س2: الكثير من أولياء الأمور يحرمون أولادهم من نعمة التعلم ويجبرونهم على العمل وهم صغار السنّ طبعاً مما يؤدي الى فتح آفاق واسعة أمامهم لارتكاب الرذائل الأخلاقية وبالتالي تدمير هذا المسكين كلياً، فهل يجوز ذلك؟ وما حكم الأب الذي يدمر حياة (فِلذّة كبده)؟

 

بسمه تعالى:

 

تحدثنا في كتاب (فقه العائلة) عن هذا الموضوع وكان مختصر الكلام أنه قد يضطرّ  ولي الأمر ان يوجه ولده الى العمل بسبب عدم استطاعته تلبية احتياجات أسرته لكن ذلك ينبغي ان يكون بمقدار الضرورة لا للتوسع في الحياة وأن يراقب ولده في كسبه فلعله يكتسب من معاملات محرمة وفي علاقته لكي لا يصاحبه أهل السوء وفي تصرفاته فلا تكون مخالفة للشريعة وأن لا يقصر في تعليمه وتوجيهه وإرشاده ورعايته وأن يكون له أخاً وصديقاً فيحتضنه وإلا فإنه سيقع في أيدي الفساق والمنحرفين وتكون النتائج وخيمة.

 

 

 

س3: أغلب الذين أجبروا أولادهم على ترك المدرسة يزعمون (ان ابني لم يتعلم اسمه وهو في الصف الثاني مثلاً) وهذا مما يدل على عدم تحمل المسؤولية الحقيقية من قبل (مَنْ كادَ أن يكونَ رسولاً) وهو (المعلم) وتقصيره الواضح جداً في هذا المجال، فما حكم  المعلم الذي يقصّر في تعليم الأطفال أمام الله والمجتمع؟

 

بسمه تعالى:

 

ليس المسبب هو المعلم فقط وان كان يتحمل جزءاً من المسؤولية والأمانة التي ألقيت على عاتقه بتصديه لهذه المهنة الشريفة والله تعالى يقول: (إنَّ الله يأمرُكم أن تؤدّوا الأماناتِ الى أهلِها) (النساء/58) والعلم أمانة في عنقه يجب أن يؤديها بأكمل وجه الى أهلها وهم الطلبة ولا ينبغي لمثله وهو المثقف الواعي ان يقصر فيها من أجل عناوين وأعذار تافهة لا تنفعه يوم يقوم بين يدي الله تعالى فيعاتبه النبي (ص) على تقصيره وخيانته لهذا المجتمع المسكين الذي يحبه رسول الله (ص) وأفنى حياته من أجله ويتألم لأي أذىً يصيبه (لقد جاءَكم رسولٌ من أنفسِكم عزيزٌ عليهِ ما عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيم) (التوبة/128) فإذا كان هذا المعلم مسلماً منتسباً لرسول الله (ص) فليحمل مشاعره (ص) تجاه أمته فيكون حريصاً عليهم رؤوفاً رحيماً بهم يعزّ عليه ما يصيبهم من عَنَت وشدة وبلاء فضلاً عن أن يكون هو المسبب في ذلك.

 

 

 

س4: ظهرت في السنوات الأخيرة ظاهرة عدم إرسال الأطفال وخصوصاً البنات الى المدارس وحرمانهم من التعليم بحجة بعض الدعايات التي تقول (بأن هناك روايات تحثّ على عدم تعليم النساء خصوصاً) فنشأت هذه الظاهرة بشكل كبير في الكثير من المحافظات فما هو رأي الشريعة بذلك؟

 

بسمه تعالى:

 

قلنا إن (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) والجهل اصل مشاكلنا فهذه الدعوى خالية من الشعور بالمسؤولية ولا أصل لها في الشريعة، وإذا حدثت بعض الانحرافات أثناء تعليم المرأة فليس الخلل في التعليم وإنما في سوء تصرف أولياء الأمور، كما ان الاسلام بريء مما يصدر من مساوئ عن المسلمين وان حملوا اسمه.

 

 س5: ما هي نصيحتكم الأبوية الى من تقع عليه مسؤولية التعليم من مبلّغين وأدباء وكتّاب حول خطر (الجهل) الذي انتشر بسرعة فائقة خلال زمن قياسي، والذي نلاحظه خاصة بين أوساط الشباب الناشئ فأغلبهم الآن لا يقرأون ولا يكتبون ولا حتى أسماءهم؟

 

بسمه تعالى:

 

بعد اكتمال الصورة من خلال الأجوبة السابقة تتضح مسؤولية الجميع فلتتضافر جهودهم في الارتقاء بالمستوى العلمي والأخلاقي والشعور بالمسؤولية لدى ابناء هذا المجتمع الطيب الذي يستحق كل الخير وسيكون بعين الله تعالى كل ما يفعله المخلصون وسيجزيهم الله خير جزاء المحسنين وقد وَعدَنا بذلك تبارك وتعالى (إنا لا نُضِيعُ أجرَ مَنْ أحسَنَ عملاً) (الكهف/30)، (إنا لا نُضيعُ أجرَ المُصلِحِين) (الأعراف/170)، (فاستجابَ لهم ربُّهم أني لا أُضيعُ عملَ عاملٍ منكم من ذكَرٍ أو أنثى) (آل عمران/195)، (ولا نُضيعُ أجرَ المُحسنين) (يوسف/56).

 

 

 

أسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا جميعاً لما فيه صلاح المجتمع وسعادته انه ولي النعم.

 

محمد اليعقوبي